ارتفاع الأسعار الجنوني في مصر يجعل معاناة العائلات كبيرة مع اقتراب عيد الفطر، فتوجّهت إلى الأسواق الشعبية لشراء الثياب بأسعار مقبولة. الأهم بالنسبة إليها هو الفرحة بحلول العيد.
خلال النصف الثاني من شهر رمضان، يتردّد المصريّون على المحال التجارية لشراء كسوة العيد، ما يشكل عبئاً مادياً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. لكن لا تكتمل فرحة العيد إلا بعد شراء ملابس جديدة تُدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال والكبار. وفي ظل ارتفاع الأسعار في البلاد، فضّل الملايين التوجّه إلى الأسواق الشعبية كون أسعارها أرخص بالمقارنة مع المحلات.
وفي جولة لـ "العربي الجديد"، لوحظ إقبال محدود من قبل الأهالي في القاهرة الكبرى على أسواق وكالة البلح، العتبة، عين شمس، الخصوص، والعريش في الهرم، وميدان الجيزة. وهناك أسواق متنقلة لها زبائنها، مثل سوق الجمعة وسوق الأحد وسوق الثلاثاء. فيها، تخفّض أسعار الملابس في ظل رغبة التجار في التخلص من البضاعة الراكدة، التي يعرض بعضها على الأرصفة.
ويعرب كثيرون عن دهشتهم بسبب ارتفاع أسعار الملابس في المحال التجارية وسط القاهرة، ما جعلهم عاجزين عن الشراء. وباتت هذه المحال للفرجة فقط، خصوصاً بالنسبة للفقراء ومحدودي الدخل، في وقت يعاني أصحاب المحال التجارية بسبب الركود، وقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير. ويتراوح سعر القطعة الواحدة إذا كانت ماركة عالمية ما بين 700 (نحو 41 دولاراً) وألف جنيه (نحو 59 دولاراً) وقد تزيد في أماكن أخرى، والقميص الواحد ما بين 500 (نحو 30 دولاراً) و600 جنيه (نحو 35 دولاراً)، فضلاً عن أن أسعار ملابس الأطفال تتجاوز الثلاثين دولاراً للقطعة الواحدة، بينما تجاوز سعر البنطال المصري أو الصيني المائتي جنيه (نحو 11 دولاراً).
ويقول أحد تجار ملابس منطقة وكالة البلح، أكثر الأسواق الشعبية انتشاراً في العاصمة القاهرة، محمد أبو زياد، إن الأسعار في الوكالة مناسبة جداً لجميع طبقات المجتمع. وتبدأ أسعار القمصان أو البلوزات النسائية من 30 جنيهاً (أقل من دولارين)، والبناطيل من 50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات). ويرى تاجر آخر يدعى الحاج أحمد عبد الراضي أنّ قطعة ملابس البالة زاد سعرها، وإن كانت الزيادة قليلة جداً بالمقارنة مع المحال التجارية. "لكن المكسب الذي نحققه خلال العيد يعوضنا عن الخسارة والركود طوال العام، في ظل امتناع الزبائن عن الشراء إلا في الأعياد والمواسم". ويشير إلى أن "أسعار الأسواق الشعبية لم تعد في متناول المواطن خلال الفترة الحالية، نتيجة غلاء المعيشة والأسعار، ما أثّر بشكل كبير على حركة البيع والشراء في السوق". ويتحدّث عصام محمد، وهو تاجر، عن تراجع بيع الملابس. ويقول: "من اعتاد شراء أربع قطع صار يشتري واحدة فقط بسبب الغلاء الفاحش"، لافتاً إلى أن الملابس أصبحت أمراً ثانوياً بالنسبة للكثير من المواطنين. ويوضح أنّ كل بائع يعرض بضاعته بشكل يجذب انتباه الزبائن، ويضع غالبيتهم البضاعة الأقل سعراً خارج المحال، وعادة ما تكون أقل جودة.
وفي منطقة العتبة وسط القاهرة، لا يختلف الوضع كثيراً عن وكالة البلح. ويُلاحظ إقبالٌ على شراء ملابس العيد نظراً لانخفاض أسعارها، إضافة إلى انتشار العربات الخشبية وملابس الرصيف، التي حظيت بإقبال محدودي الدخل. ويقول عبد الرحمن محمد، وهو صاحب عربة ملابس، إن هناك إقبالاً على شراء الملابس حالياً علماً أنها تقل كثيراً في عيد الأضحى، مشيراً إلى أن حالة الفقر والعوز واضحة جداً على وجوه الأهالي.
قصص كثيرة تحكي معاناة الناس في مصر مع ملابس العيد، ومنها ما هو مستعمل أو جديد. ويقول محمد السيد، وهو موظف، إنه جاء إلى وكالة البلح من أجل شراء ملابس له ولأطفاله، في ظل ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة في المحال التجارية، التي أصبحت تفوق قدرة المواطن العادي الذي لا يحتمل مصاريف شهر رمضان والدروس الخصوصية للثانوية العامة وملابس العيد. يتابع: "قررت شراء ملابس أولادي الأربعة وزوجتي بمبلغ ألف جنيه (60 دولاراً) لا غير مهما كانت الظروف".
من جهتها، تعرب نجوى بكري، وهي ربة بيت، عن سعادتها بسبب الأسعار المتوسطة في وكالة البلح والعتبة بالمقارنة مع المحال التجارية، مشيرة إلى أن سعر العباءة النسائية يتراوح ما بين 150 (نحو تسعة دولارات) و300 جنيه (نحو 18 دولاراً)، وبلوزات الأطفال ما بين 30 و60 جنيهاً (نحو 3.5 دولارات). "قررت أن أشتري لأطفالي الثلاثة طقماً واحداً بدلاً من طقمين بسبب الظروف والحالة الاقتصادية الصعبة". أمّا عبد السلام عمر فقد قرر وثلاثة من أصدقائه، شراء ملابس العيد من وكالة البلح. يضيف أن الجميع يحاولون الفوز بقطعة ثياب مناسبة، مشيراً إلى أن الأسعار نار، ما دفع كثيرين إلى شراء ملابس العيد من الأسواق الشعبية على الرغم من نوعيتها الرديئة، لكنها "حاجة جديدة على العيد وخلاص".
وفي منطقة العتبة، كان هناك شاب في الثلاثين من عمره مع زوجته، وبصحبتهما ابنهما الرضيع، يحاولان البحث عن ملابس مناسبة له على الرغم من ارتفاع الحرارة. ويؤكد: "أتمنى أن أحضر له ملابس كثيرة، لكن بالكاد سأجلب له قطعة واحدة نتيجة الظروف". وتشير أسماء عامر، وهي ربة منزل، إلى أنها أم لثلاثة أطفال. وحين قررت شراء ثياب العيد، صُدمت بغلاء الأسعار في المحلات. "سعر الطقم الواحد نحو ثلاثين دولاراً. ولدى حساب الكلفة، اكتشفت أنني في حاجة إلى ثلاثة آلاف جنيه (نحو 178 دولاراً)". وكانت استعدت قبل شهر رمضان واشتركت في جمعية مع أقاربها من أجل شراء ملابس العيد.
وتوقّع نائب رئيس شعبة الملابس في غرفة الملابس في الاتحاد العام للغرف التجارية يحيى زنانيري، أن يكون هناك حالة ركود في بيع الملابس الصيفية هذا العام، والتي يمكن أن تستمر حتى بدء التخفيضات نهاية شهر أغسطس/ آب المقبل. ويرى أن امتحانات الثانوية العامة أدت إلى ضعف الإقبال على شراء الملابس من المحال التجارية، عدا عن ارتفاع أسعار الملابس ما بين 20 و30 في المائة. وفي النتيجة، لم يعد هناك سيولة مالية كافية لدى التجار للوفاء بالتزاماتهم من مصاريف وديون وضرائب وبدلات إيجار وأجور ومصاريف كهرباء، مشدداً على أن ارتفاع أسعار الملابس جعل الشعب المصري يفضّل الأسواق الشعبية للشراء.