العيد في تونس، كما في بلدان أخرى، للأطفال. وهؤلاء الصغار لا بدّ من أن يحتفلوا بأبهى حلة، ما يوقع الأهل في حيرة تأمين المال اللازم والظفر بملابس مناسبة الجودة والسعر في الأسواق المكتظة.
تجلس منية (45 عاماً) وسط شارع جمال عبد الناصر لتأخذ استراحة وتستعيد أنفاسها بعدما أنهكها المشي، فقد ظلت تبحث وتتأمل واجهات المحلات لعدة ساعات علها تحظى بحذاء لابنة شقيقها بعدما وعدتها بجلب ملابس العيد. تقول منية لـ"العربي الجديد" إنّها جاءت منذ الصباح الباكر من منطقة الجديدة (40 كلم عن وسط العاصمة تونس)، وظلت تبحث طويلاً عن حاجيات العيد، مشيرة إلى أنّ الأسعار باهظة بالنسبة للفئات الضعيفة والمتوسطة خصوصاً من لديه طفلان أو ثلاثة. تضيف أنّ مشكلة الأسعار غير مطروحة بالنسبة للبعض، لكنّ الفقراء يعانون كثيراً في هذه الفترة، إذ عليهم البحث طويلاً للعثور على أسعار تتناسب مع ميزانيتهم.
شوارع العاصمة التونسية تعج بمواطنين حالهم حال منية. وتشهد المحال في مثل هذه الفترة زحمة كبيرة إذ يأتي التونسيون من شتى المحافظات والمناطق. بعضهم مصحوب بأطفاله لقياس الملابس والأحذية لئلا يضطروا للعودة مجدداً، لكن يفضل كثيرون التبضع من دون أبناء خوفاً من مشاكساتهم وتمسكهم بملابس قد لا تتناسب مع ميزانية الأسرة.
كانت أمل (5 سنوات) تبكي، بينما يحاول والدها إقناعها أنّ الفستان الذي اختارته باهظ الثمن، وسيجد لها فستاناً أجمل وبسعر أقل. يبدو محرجاً وهو يهمس لابنته أنّه سيجد لها ما هو أحلى واعداً إياها بفستان جميل. ومحمد عامل يومي، لديه خمسة أبناء، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأسعار نار، بينما ميزانية العائلة محدودة". لا يمكنه اقتناء ملابس باهظة، ويضيف أنّها المرة الثالثة التي ينزل فيها إلى وسط العاصمة وتحديداً الى شارع "شارل ديغول" بحثاً عن الباعة الذين يفترشون الرصيف، فهم ملجأ الطبقات الفقيرة، إذ يمكن العثور لديهم على ملابس بخمسة دولارات أميركية وتلبية جميع الأطفال.
تؤكد حنان (ربة بيت أربعينية وأم لبنتين) أنّها في حيرة من أمرها فقد نفد ما معها من مال، ولم تستطع إكمال ملابس طفلتيها، مشيرة إلى أنّ زوجها عامل يومي، وميزانية الأسرة محدودة، ولا يمكنها الذهاب إلى المحال فالأسعار هناك مرتفعة، مشيرة إلى أنّها تتوجه إلى الأسواق الشعبية لأنّ الاسعار هناك أقل بكثير. تشير حنان إلى أنّ العديد من العائلات التونسية تتعب كثيراً في هذه الفترة، والبحث عن ملابس مناسبة لميزانية الأسرة ليس بالأمر السهل إذ يقضي البعض عدة ساعات ويبحث من مكان إلى آخر للعثور على ما يرضيه. تضيف أنّها اضطرت للبقاء بعد الإفطار في سبيل البحث عن ملابس لابنتيها، مع ذلك كانت تعود خائبة، ما جعلها تعيد الكرة مجدداً على أمل أن ينتهي كابوس البحث عن ملابس العيد.
الحاجة مريم (72 عاماً) في دورها، اختارت التسوق مع ابنتها وحفيداتها لمساعدتهن في اختيار ملابس العيد. تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّها تتولى نصحهن في اختيار ما يلائم وتبديد الحيرة، مبينة أنّه بالرغم من رصد ميزانية لملابس العيد بصفة مسبقة لكن من الصعب أن تعثر العائلة التونسية على حاجياتها بسهولة إذ عليها التوفيق بين الميزانية والمنتجات المعروضة. تضيف: "هناك الكثير من المنتجات لكنّ الجودة غائبة، والجيد منها باهظ الثمن. قضينا ساعتين ولم نجد ما يرضي حفيداتي. علينا أن نجد ما يتناسب والميزانية وفي الوقت نفسه تكون جودته مقبولة. المشكلة أنّ علينا أن نشتري إذ لا يمكن ترك البنات من دون ملابس العيد".
"الغلاء ولا شيء غير الغلاء... الملابس تكوي نار" هكذا يتحدث لطفي (موظف) الذي يرافق زوجته وابنيه. يقول إنّه بدأ رحلة البحث عن ملابس العيد منذ الثامنة صباحاً وجاب العديد من المحال ولم يجد بعد ما يناسب طفليه. يؤكد أنّه رصد مبلغ 500 دينار (نحو 200 دولار) لملابس العيد لطفليه، ومع ذلك لم يتمكن من اقتناء شيء مناسب، الأمر الذي أزعجه.
من جهتها، اختارت حنان بن موسى البحث عن ملابس لطفليها الصغيرين (3 سنوات وسنتان) بمفردها من دون أن يرافقها ابناها كي تكون مرتاحة في البحث. تقول حنان إنّ الأسعار لا تتناسب والملابس المعروضة فهي مرتفعة جداً. تشير إلى أنّ قدميها تورمتا من المشي على كثرته على أمل أن تقتني ملابس مناسبة لطفليها. تؤكد حنان أنّها جهزت ميزانية لكنّها تظل تقريبية، فشتان بين ما يعرض في السوق وما يرصده المرء من مال، فالأسعار تظل بعيدة كلّ البعد عن المتوقع. تضيف حنان أنّ المعادلة صعبة بالنسبة للأسر المتوسطة والضعيفة إذ لا بدّ من زيارة كثير من المحلات للعثور على أشياء مقبولة نسبياً.
بدورها، تشير سمية (أم لبنت وصبي) إلى أنّ هناك أسعاراً مناسبة وأخرى باهظة، وعلى المرء اختيار ما يناسب ميزانيته. تعترف أنّها واجهت بعض الصعوبات في الشراء، لكنّها تمكنت من اقتناء ملابس لابنها وستبحث لاحقاً عن ملابس لابنتها.