مكفوفون يسطّرون نجاحات مذهلة في المغرب

06 يناير 2016
العزل وحده يمنعهم من النجاح (العربي الجديد)
+ الخط -

كثير من الأشخاص المكفوفين في المغرب يبرع في مجالات عديدة. فمنهم من خطّ مساراً إعلامياً ناجحاً. ومنهم من يواصل دراسته، بالرغم من العقبات، للحصول على أعلى الشهادات. كما تفوّق صغار مكفوفون في مسابقات عديدة.

يعاني الأشخاص المكفوفون، وغيرهم من الأشخاص المعوّقين، من عزلهم وعدم تمكينهم من حقوقهم بدلاً من دمجهم في المجتمع. يتظاهرون ويحتجون بشكل متكرر. لكنّ البعض منهم لا يتوقف فقط عند تلك الاحتجاجات بل يحاول أن يجترح المعجزات ويحقق الإنجازات بالرغم من كلّ العراقيل.
أحد هؤلاء إذاعي معروف يحجز لاسمه مكاناً من بين أشهر الإعلاميين المغاربة. وآخر حقق درجة الدكتوراه قبل أسابيع قليلة. وصغير حصل على جائزة دولية في مسابقة للإملاء. وطفلة حفظت المصحف بالكامل.

فالإذاعي رشيد الصباحي صاحب أحد أجمل الأصوات في الإذاعة المغربية. ولد فاقداً البصر. دخل إلى مجال البرامج الإذاعية في الثانية والعشرين من عمره، وتألق في جميع محطات مساره الإعلامي في التلفزيون، وخصوصاً في الإذاعة المغربية.
يوصف الصباحي في المغرب بأنّه "معجزة" الإعلام الإذاعي. يتميّز بصوته الشجي والهادئ الذي ألفه المستمعون في مختلف البرامج التي يشرف على إعدادها وتقديمها. كما يمتلك قدرة هائلة على تذكّر الأصوات وأرقام الهواتف، حتى بات يُنعت بصاحب ذاكرة الحاسوب.

عمل الصباحي مقدماً ومنتجاً للبرامج في الإذاعة المغربية لمدة تجاوزت ثلاثة عقود. وكان عنصراً حاسماً في نجاح العديد من البرامج، من قبيل "سمير الليل"، و"صباح الخير"، و"ضيف الزوال". كما ارتقى سلالم المهنة ليتبوّأ منصب رئيس الإنتاج العربي في الإذاعة الوطنية.
يقول الصباحي لـ"العربي الجديد"، إنّ "سر نجاح الشخص المكفوف هو نفس سر غير المكفوف: الجدية في العمل والطموح في تحقيق الأفضل، سواء في مجال الإعلام والصحافة، أو في أي مجال آخر". يتابع أنّ نجاح الشخص المكفوف يكون لافتاً لأنه يتحقق بتحدي كلّ العراقيل في طريقه.

لا يكتفي الصباحي بالعمل الإعلامي، بل ينشط ضمن جمعية تُعنى بالدفاع عن الأشخاص المعوّقين. يبرر ذلك برغبته في المساهمة في تحسين أوضاع هذه الفئة، ومن ضمنها الأشخاص المكفوفون وضعاف البصر. ويجدد دعوته الحكومة المغربية إلى إيلاء عناية أكبر لهذه الفئة وتمكينها من حقوقها.
شخص مكفوف آخر حقق طموحاً كان يراوده منذ سنوات الصغر، وهو الحلم الذي عجز عنه كثيرون. هو الشاب شفيق بوكرين، الذي حصل قبل أسابيع قليلة على شهادة دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية من جامعة مدينة سلا.

احتفت وسائل الإعلام المغربية بهذا الشاب الذي قهر جميع العراقيل في مساره الدراسي وتحصيله التعليمي. صنّفته القناة الثانية الرسمية بأحد أبطال المجتمع المغربي في برنامجها "كلنا أبطال".
بفضل جديته ورغبته في تطوير ذاته، لم ينل بوكرين الدكتوراه فحسب، بل معها تقدير واعتراف أساتذته بنبوغه وقدرته الهائلة على الالتقاط والتذكّر والتحليل، خصوصاً أنه خاض في موضوع يجمع ما بين الاقتصاد والقانون والسياسة، ويرتبط بعلاقات المغرب بالاتحاد الأوروبي.

لم يقف بوكرين عند هذا الحد، بل أصبح اليوم مسؤولاً عن برنامج "برايل" للأشخاص المكفوفين في المكتبة الوسائطية لإحدى المؤسسات التربوية والاجتماعية. تضم المكتبة "كتباً ناطقة" مخصصة للأشخاص المكفوفين.
أما أنس الفيلالي، فطفل مكفوف لا يتجاوز 12 عاماً، ويقيم مع والديه في فرنسا. حصل العام الماضي على الجائزة الكبرى في الإملاء بالفرنسية، إذ تفوّق بكل يُسر، باستخدام طريقة "برايل"، على أكثر من 5 آلاف تلميذ يتابعون دراستهم في مختلف المؤسسات التعليمية الفرنسية.

بدورها، تمكنت إسراء هلال، وهي طفلة مكفوفة في الثامنة من عمرها، من حفظ القرآن الكريم بالكامل. وهو ما دفع بالمؤسسة التعليمية التي تتابع فيها دراستها في مدينة طنجة، شمالي المغرب، إلى الاحتفاء بهذه الموهبة، التي تدرس ضمن برنامج خاص يستفيد منه التلاميذ المكفوفون.

كذلك، تألقت السعدية برديز، وهي موظفة حكومية مكفوفة، بأداء وظيفتها وهواياتها معاً. فهي تنشط في الألعاب القتالية وتحمل حزاماً أسود. كذلك، تهوى الرسم على الزجاج وتبرع فيه. تتلقى برديز دعماً كبيراً من زوجها، وهو شخص مكفوف أيضاً.
تقول برديز لـ"العربي الجديد"، عن سر تفوّقها في جميع المجالات التي تمارسها، سواء في الرياضة أو الرسم، أو حتى في علاقتها الزوجية التي تتسم بالهدوء والتفاهم والثقة، إنّ الأمر "يتعلق فقط بحسن تنظيم الوقت، والعزيمة على تحقيق الذات، وعدم الاتكال على الآخرين".

اقرأ أيضاً: حرّاس أمن مغاربة بشهادات جامعيّة
دلالات