740 ألف زائر استقبلته مكتبة قطر الوطنية بعد مرور عام على افتتاحها الرسمي، كما وصل عدد أعضائها إلى 139 ألفا، وقفز عدد الكتب المستعارة منها إلى مليون. ففي 16 إبريل/ نيسان 2018، وضع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الكتاب رقم مليون على رفوف المكتبة، وهو نسخة نادرة من "صحيح البخاري" كتبت قبل 843 عاماً، إيذاناً بالافتتاح الرسمي للمكتبة.
وكشفت المديرة التنفيذية لمكتبة قطر الوطنية، سهير وسطاوي، في حوار خاص مع"العربي الجديد" المزيد من الإنجازات التي حققتها المكتبة خلال عامها الأول. وفيما يلي نص الحوار:
1-في الذكرى السنوية الأولى لافتتاح مكتبة قطر الوطنية، كيف تقيمين إقبال الجمهور، وما عدد الزوار في العام الأول، وعدد الكتب المعارة؟
-العلاقة بين أي مكتبة عامة وجمهورها علاقة تقوم على تبادل العطاء والتفاعل، والتأثير والتأثر. لهذا لا أبالغ إذا قلت بأننا مدينون لجمهورنا من رواد المكتبة وزائريها. فاق إقبالهم توقعاتنا، الأمر الذي يدفعنا لإتاحة المزيد من المصادر والخدمات لجمهورنا كي نواكب مستويات إقبالهم منذ أن فتحت المكتبة أبوابها في نوفمبر/ تشرين الثاني2017.
بالطبع شعرنا ببهجة غامرة مع تسجيل أكثر من 738 ألف زائر من مواطني قطر والمقيمين فيها، وأكثر من 21 ألفاً شاركوا في فعالياتنا وأنشطتنا المختلفة التي زادت عن 900 فعالية وورشة ومحاضرة. وقفز عدد أعضاء المكتبة إلى 139551 عضواً جديداً استعاروا أكثر من مليون كتاب.
2-تعتبر مكتبة قطر الوطنية منصة لنشر النتاج الفكري والأدبي المعاصر. إلى أي مدى نجحت في تحقيق ذلك؟
-لا تقتصر رسالتنا في مكتبة قطر على حفظ النتاج المعرفي والتراثي والتاريخي وأرشفته، بل تشمل نشره وإتاحته للجميع وللأجيال القادمة، لا سيما الإنتاج المعرفي القطري. وأحسب أننا قطعنا في ذلك شوطا كبيرا من خلال المكتبة التراثية ومكتبة قطر الرقمية. فالمكتبة التراثية تنشر الوثائق والمخطوطات والكتب والخرائط والصور الفوتوغرافية بصورتها المادية للباحثين والمهتمين داخل قطر، في حين تتيح مكتبة قطر الرقمية تراث قطر والخليج وتاريخهما ومنجزات الحضارة العربية والإسلامية في العلوم لجميع المهتمين في كل أنحاء العالم.
وتتبنى المكتبة منهج الإتاحة الحرة، ومبدأ نشر المعرفة كحق إنساني أصيل للجميع. فعضوية المكتبة متاحة مجاناً لكل شخص يقيم في قطر، وهذه العضوية تمكنه من الاستعارة واستخدام أكثر من 200 مصدر معرفي إلكتروني منتقى بعناية بالغة وبحرص شديد ليلبي الاحتياجات المعرفية والبحثية والترفيهية لأفراد المجتمع في قطر. كما تقدم المكتبة الدعم للباحثين والأكاديميين في قطر لتمكينهم من نشر أبحاثهم وأوراقهم الأكاديمية في الدوريات التي تعمل بنظام الإتاحة الحرة.
وضمن جهود نشر النتاج الفكري، نظمت المكتبة الملتقى الأول للكتّاب القطريين خاصة الناشئين منهم، ونخطط لجعل هذا الملتقى سنوياً ليكون جسرا للتواصل بين القراء والأدباء والمؤلفين القطريين، ويسهم في إثراء شغف الجمهور بالقراءة، ويعزز معرفة الكُتّاب بآراء القراء ووجهة نظرهم حول أعمالهم ومؤلفاتهم.
ويشمل نشر النتاج الفكري المعاصر وإتاحته المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة. إذ أنشأت المكتبة قاعة مزودة بآلات وأدوات التكنولوجيا المساعدة لتمكين المكفوفين من التواصل مع الكتب سواء بطريقة برايل أو صوتياً من خلال أجهزة قراءة الشاشات. كما أنشأت المكتبة نادياً للكتاب للمكفوفين قبل إنشاء نوادي الكتب الأخرى بأشهر عدة إيمانًا منها بأن الإعاقة ليست سببًا للعزلة المعرفية.
3-هل أضافت المكتبة الوطنية مقتنيات جديدة للمكتبة التراثية؟
-منذ افتتاح المكتبة للجمهور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اقتنت مواد تراثية وتاريخية نادرة بلغ عددها 9482 مادة ما بين خرائط ومخطوطات وصور أرشيفية نادرة، أضيفت إلى مجموعتنا المتميزة في المكتبة التراثية.
4-جدّد الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات "الإفلا" ثقته بمكتبة قطر الوطنية باختيارها لثلاث سنوات إضافية مركزاً إقليمياً لصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما هي خطط المكتبة في هذا المجال؟
-بالـتأكيد كان تجديد "الإفلا" ثقته في المكتبة واختيارها مرة أخرى مركزاً إقليمياً لصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها بمثابة شهادة دولية تؤكد المكانة العالمية المتميزة لمكتبة قطر الوطنية وكفاءتها المهنية العالية. وستواصل المكتبة تنظيم سلسلة من الدورات التدريبية والورش المتخصصة بهدف المساهمة في الحفاظ على التراث الثقافي العريق في الدول العربية، وتعزيز الوعي بالحفاظ على الكتب والمخطوطات والوثائق التاريخية النادرة.
وسبق أن نظمت في ديسمبر/كانون الأول 2018 دورة تدريبية لخبراء حفظ وصيانة الكتب والمخطوطات التراثية في المغرب، وكذلك في فبراير/ شباط 2019 عن طرق فحص مقتنيات المكتبات بوسائل علمية بالتعاون مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العمانية، في إطار مشروع الحفاظ على التراث الوثائقي في المنطقة العربية بالتعاون مع منظمة "يونيسكو" الذي يهدف إلى بناء قدرات العاملين في مجال حفظ التراث الوثائقي، وتعزيز المعرفة وتبادل المعلومات.
وفي بداية مارس/ آذار الماضي، أنجزت المكتبة ورشة عن كيفية صنع الأصباغ الذهبية والمعدنية المستخدمة في المخطوطات، وأخرى عن "تحديد أوراق المخطوطات الإسلامية"، بمشاركة مختصين بحفظ وصيانة الكتب والوثائق وباحثين وخبراء في مجال المخطوطات من قطر والدول العربية. وفي 13 إبريل/نيسان نظمت ورشة بعنوان "الأصباغ الخضراء في الرسومات الفارسية مع التركيز على تدهور الزنجار النحاسي الأخضر وثباته"، في 14 منه استضافت دورة تدريبية عملية تتعلق بصيانة الكتب وترميمها وتجليدها.
5-ما هي أبرز الشراكات والاتفاقيات الخارجية والدولية التي أبرمتها المكتبة؟
يمكن القول بأن المكتبة الوطنية لأي دولة هي بمثابة سفير غير رسمي رفيع المستوى. وهذا حال مكتبة قطر الوطنية التي تحرص على أن تمثل دولة قطر تمثيلاً مشرفاً في المحافل والمؤتمرات الدولية المعنية بالمكتبات والمعلومات. وتركز المكتبة في استراتيجيتها على تكوين شبكة واسعة من العلاقات القوية والشراكات المتبادلة، وعقد مذكرات التفاهم مع المكتبات والأرشيفات الوطنية سواء من المنطقة العربية أو على المستوى الدولي.
ومع مطلع يناير/ كانون الثاني2019 دخلت الشراكة الاستراتيجية مع المكتبة البريطانية مرحلتها الثالثة التي ستشهد رقمنة 900 ألف صفحة إضافية من الوثائق والسجلات عن تاريخ منطقة الخليج، ومخطوطات العلوم العربية الإسلامية في مجالات الطب والهندسة والفلك. ووقعنا أخيراً مذكرة تفاهم مع مؤسسة الوثائق والمكتبة الوطنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وسبق توقيع اتفاقيات شراكة وتعاون ومذكرات تفاهم مع عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية مثل المكتبة الوطنية التركية، والأرشيف العثماني، ومكتبة هولندا الوطنية، والأرشيف الهولندي الوطني، ومكتبة أذربيجان الوطنية، ومكتبة الصين الوطنية، وجامعة نيويورك، ومكتبة بوريس يلتسن الرئاسية في روسيا، والمكتبة الفرنسية الوطنية، وجامعة قطر، وجامعة نيويورك.
وتهدف شراكاتنا الدولية إلى تعزيز جهود عمليات الرقمنة ونتائجها وتبادل المصادر التاريخية، ومشاركة الخبرات المهنية، بالإضافة إلى تطوير مهارات وكفاءات الموظفين من الجانبين.
6-ما حجم مكتبة قطر الرقمية التي تحوي وثائق تاريخية نادرة؟
بوسع أي شخص متصل بالإنترنت في أي مكان في العالم تصفح محتويات مكتبة قطر الرقمية التي وصلت في الوقت الحالي إلى مليون و758589 صفحة مرقمنة من المواد الأرشيفية في المكتبة البريطانية، تتضمن وثائق وخرائط ومراسلات وأوراقا خاصة ومطبوعات قديمة. وستشهد السنوات المقبلة إضافة ما يقرب من مليون صفحة ووثيقة ومادة تاريخية من المؤسسات الشريكة للمكتبة في تركيا وفرنسا وهولندا والهند.
وأحدثت مكتبة قطر الرقمية ما يمكن وصفه بـ "ثورة في الدراسات التاريخية عن قطر والخليج". فقبل إنشائها كان الباحث المهتم بتاريخ المنطقة يجد صعوبة بالغة في الوصول للسجلات الأرشيفية والوثائق التاريخية عن قطر ومنطقة الخليج لأنها كانت مبعثرة ومتناثرة بين مختلف المتاحف والمكتبات حول العالم، ويتعذر الاطلاع عليها لارتفاع تكلفة السفر إلى تلك المتاحف والمكتبات. أما الآن فيسهل تصفحها من أي جهاز متصل بالإنترنت، فضلًا عن إمكانية تنزيلها بصيغة "بي دي إف".
والفريد في الوثائق الجديدة التي ستضاف إلى مكتبة قطر الرقمية أن الكثير منها سيعرض للعموم للمرة الأولى منذ كتابتها قبل قرون. وتتضمن هذه المواد وثائق لم تحظ بالاهتمام الكافي مثل سجلات سفن شركة الهند الشرقية خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، التي تؤرخ لمراحل اندماج منطقة الخليج في الاقتصاد العالمي.
والجدير بالذكر، أن مكتبة قطر الرقمية باتت أكبر مصدر عالمي رقمي مفتوح عن تاريخ الشرق الأوسط، وتظهر سجلاتها بانتظام ضمن قائمة المراجع التي يستشهد بها الأكاديميون في دراساتهم وأبحاثهم.
7-تنوعت الفعاليات والأنشطة التي نظمتها المكتبة خلال العام الماضي، ماذا عن الأنشطة الثقافية والفنية المستقبلية، وأين المؤلف القطري منها؟
-لن تخلو جعبة المكتبة من الفعاليات الثقافية والفنية، ولدينا وجبة دسمة منها خلال الشهور المقبلة.
ومع مرور عام على افتتاح المكتبة رسمياً يوم 16 إبريل، نظمنا محاضرة وندوة نقاشية خاصة عن العلاقة الجوهرية بين التراث الثقافي وحقوق الإنسان، والدور المهم للتراث في الحفاظ على الهوية والتاريخ والإرث الثقافي للمجتمعات في العالم العربي، بمشاركة نخبة من الشخصيات الثقافية العربية البارزة.
وتتضمن فعاليات شهر إبريل الجاري حفل أوركسترا قطر الفلهارمونية يوم 25 منه، وستعزف الرباعيات الوترية لهايدن ومندلسون، ولدينا باقة من اللقاءات النقاشية الشهرية في نوادي الكتب، إضافة إلى مجموعة من المحاضرات عن "التراث الثقافي والرّق في الخليج العربي" و" أزمة اللاجئين في العالم العربي: الأبعاد والتداعيات والحلول" و" قراءة في قانون حماية اللغة العربية في قطر". وتحتفي المكتبة أيضاً بالعلوم والتكنولوجيا، وتعقد يوم 18 الجاري منتدى الكتاب العلمي وندوة عن "الثقوب السوداء وآخر الاكتشافات حول وجود الماء على المريخ"، وفي 28 منه تعقد ندوة عن "تخزين الطاقة الشمسية واستخدامها كمصدر للطاقة المتجددة".
وتحرص المكتبة على الاحتفاء بالكتاب القطريين ودعمهم وتشجيعهم. واستضفنا في 13 إبريل بالتعاون مع مبادرة الأدب القطري محاضرة نقدية عن خطاب العتبات النصية في الرواية القطرية. وفي 25 منه يناقش نادي "قراء وآراء" في لقائه الشهري رواية "فرج" للكاتب والفنان التشكيلي محمد علي عبد الله.