مقرّات "جهنم": وجوه عادت لتنتقم

02 يوليو 2014
تعذيب المعتقلين السياسيين أصبح أكثر ضراوة (مايكل مارسيبونت/getty)
+ الخط -
كانت إحدى نتائج ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، اقتحام مقرّات أمن الدولة، التي أشرفت على عمليات القمع السياسي طوال سنوات حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. أما بعد 30 يونيو/حزيران 2013، وعزل محمد مرسي، فإنّ عدد هذه المقرّات ارتفع بعد تغيير اسم الجهاز ليصبح جهاز الأمن الوطني، وبات هناك مقر داخل كل قسم شرطة، تُمارس فيه أبشع أساليب التعذيب ضد النشطاء والسياسيين على مختلف انتماءاتهم.

لم ينس شباب الثورة بعد، يوم اقتحامهم لمقرّات أمن الدولة في 5 مارس/آذار 2011، والمعروف باسم يوم اقتحام "الباستيل" المصري (في إشارة إلى السجن الفرنسي الشهير)، وسط هتافات "يسقط أمن الدولة، إحنا الأمن وإحنا الدولة"، بمباركة من قوات الجيش والصاعقة. ورغم أن وزير الداخلية السابق منصور العيسوي حلّ الجهاز في 15 مارس/آذار 2011، غير أن دوره في التعذيب يبدو الآن كأنّه انتقامي.

عودة المقرّات المهجورة

وعادت المقرّات المهجورة للجهاز بعد ثورة 25 يناير، أو كما يصفها النشطاء بـ "عاصمة جهنم"، للعمل من جديد، مثل مقرّ جابر بن حيان بمنطقة الدقي بالجيزة. ورجعت الوجوه القديمة لضباطه لكن بصورة أكثر وحشية، مستخدمين كل الطرق لمواجهة مناهضي الانقلاب العسكري، فيما أُضيفت بعض المقرّات السرّية والسجون العسكرية، مثل سجن العازولي بمحافظة إلاسماعيلية، وسجن السرداب بمحافظة السويس، وسجن قنا الحربي ودهشور.

 ويروي شاهد على اقتحام مقر أمن الدولة في محافظة الإسكندرية، لـ "العربي الجديد"، قصص تعذيب تؤكد أن الجهاز لم يتفكك. ويقول إن "مقرّ أمن الدولة في الإسكندرية نقل من منطقة الفراعنة إلى سلخانة الدور الرابع في مديرية أمن سموحة، وضم الوجوه القديمة للضباط، منهم محمد مبروك، وأحمد ثابت، المسؤول عن ملف الطلاب في جامعة الإسكندرية، وشخص يدعى البرعي، الذي عاد رغم نقله إلى شرطة الميناء".

وكان "المركز العربي الإفريقي لحقوق الانسان" قد أصدر، في إبريل/ نيسان 2014، تقريراً حول أساليب التعذيب التي تجري بشكل ممنهج داخل الدور الرابع، في مبنى مديرية أمن الإسكندرية في منطقة سموحة، وقال إن أساليب التعذيب تشمل تجريد المعتقلين من ملابسهم بالكامل، وتعصيب أعينهم طوال مدّة احتجازهم، وتعريضهم للصعق المستمر بالكهرباء، خاصة في الأماكن الحساسة من الجسم، علاوة على حفلات الضرب المبرح للمعتقلين بالعصى والشوم، واستخدام كرسي الصعق والسرير الكهربائي.

ثلاث سنوات من قتل بلال

ويقول الشاهد نفسه إن الوحشية في التعذيب كانت موجودة في عهد مبارك، مدللاً على ذلك بمقتل الشاب السلفي سيد بلال في 6 يناير/كانون الثاني 2011، والذي اعتقلته عناصر أمن الدولة، ومعه الكثير من السلفيين، للتحقيق معهم في تفجير كنيسة القديسين، قبل ان يقوموا بتعذيبه حتى الموت. وبعد ثلاث سنوات على قتل بلال، اصبح التعذيب أكثر وحشية في رأيه، خاصة بعدما أمرت محكمة جنايات الإسكندرية بإخلاء سبيل محمد الشيمي، الضابط المتهم بقتله، بعد قبول محكمة النقض بالقاهرة الطعن المقدم من هيئة الدفاع.

ولا ينسى الشاهد (ر.ن)، الذي تعرض للاعتقال في عهد مبارك في مقرّ أمن الدولة بالإسكندرية، الانتهاكات التي شاهدها هناك، لافتاً إلى أنه شعر بالنشوة حين شارك في اقتحام المقر بعد 25 يناير/كانون الثاني، إذ أقدم على ضرب أحد الضباط على وجهه، ليردّ له الضربة نفسها التي سبق وتلقاها منه.

غير أن الفارق في التعذيب بين عهد مبارك وحكم العسكر، بحسب (ر.ن)، هو أن الضباط كانوا يحرصون على عدم ترك آثار للتعذيب، خوفاً من الانتقادات الدولية. أما الآن، فإن هذا الأمر "لم يعد يشغل بالهم، بدليل آثار التعذيب التي يتم تداول صورها في وسائل الإعلام والتواصل". كما أن الاعتداء على الفتيات كان خطاً أحمراً، أما الآن فصار الاعتداء الجنسي عليهن أمراً غير مستبعد في بعض المقرات، بحسب شهادة الرجل.

 30 حالة اغتصاب

يرصد الناشط السياسي هيثم غنيم، في حديثه مع "العربي الجديد"، أكثر من 30 حالة اغتصاب لفتيات وسيدات داخل مقرّات أمن الدولة والسجون، وحتى داخل عربة الترحيلات، بعد 30 يونيو/حزيران، مضيفاً أنّ اعتقال الفتيات ترافق في بعض الأحيان، مع تحرش جنسي، وأنّ هناك حالات كثيرة لم يتم حصرها، لرفض الضحايا الإفصاح عنها خوفاً من "افتضاح" أمرهن.

ويقول غنيم "كان هذا الأسلوب مستخدماً في عهد مبارك، في القضية التي عرفت إعلامياً بالشوقيين، الخاصة بالقبض على بعض أعضاء الجماعات الاسلامية، وثبت أن أحد أدوات التعذيب كانت تعرية فتياتهن أمامهن، كنوع من الضغط عليهم أثناء الاستجواب". غير أنه يشير إلى أنّ التعذيب استمر في عهد مرسي، لكنه أصبح اليوم أكثر ضراوة، خاصة في ظل صمت غالبية المراكز الحقوقية عما يحدث داخل تلك المقرات.