مقتل قادة تحرير عدن: تصفية ممنهجة أم حوادث عرضية؟

01 يونيو 2019
كان للقادة الراحلين دور أساسي بتشكيل المقاومة(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
يستمر مسلسل وفاة وقتل قادة تحرير عدن اليمنية واحداً تلو الآخر، ليثير الكثير من التساؤلات، وكان آخرهم القائد العسكري البارز في صفوف الشرعية المقرب من الرئاسة اليمنية، اللواء الركن ناصر بارويس، الذي توفي الثلاثاء الماضي في حادث سير في مدينة جدة السعودية، وهو آخر القادة العسكريين البارزين الذين شاركوا في تحرير عدن في العام 2015، من الحوثيين وقوات حليفهم حينها الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بعد تنفيذ انقلابهم.

هذه الحادثة سبقتها وفاة مساعد وزير الدفاع اللواء عبد القادر العمودي، في مصر، في 18 مارس/ آذار الماضي، بعدما صدمته سيارة في محافظة الجيزة. كما أن الكثير من القادة الذين شاركوا في تحرير عدن قُتلوا أيضاً، ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت وفاتهم واحداً تلو الآخر هي بسبب حوادث عرضية أم تصفية ممنهجة تقف وراءها جهة ما، وسط توجيه أصابع الاتهام بشكل خاص نحو الإمارات والحوثيين.

وقالت الرئاسة اليمنية ووزارة الدفاع اليمنية في نعيها لبارويس، إن رئيس هيئة العمليات الحربية في وزارة الدفاع، اللواء الركن ناصر عبد الله بارويس، توفي في حادث سير في مدينة جدة وهو في طريقه لأداء مناسك العمرة في 28 مايو/ أيار الماضي، لافتة إلى أنه "قضى معظم حياته في خدمة الوطن والقوات المسلحة، وكانت مليئة بالأدوار الوطنية والنضالية في القوات المسلحة، كان آخرها خوض معارك تحرير عدن والمحافظات المجاورة من مليشيا الحوثي".

من جهته، أطلق رئيس مجلس مقاومة عدن، وزير الشباب والرياضة، نايف البكري، على بارويس وصف "قلعة الصمود والتضحية" في نعيه لآخر صديق من القادة العسكريين الذين لم يفترقوا خلال حرب عدن، وشاركوا في تحريرها. وأكد البكري، الممنوع من دخول عدن، أن بارويس أول من نظّم وأسس للجيش الوطني والمقاومة في عدن والمحافظات المجاورة لها، وشارك في وضع خطط تحرير كل المناطق، إلى جانب مجموعة من القادة كلهم توفوا.

وتزيد وفاة بارويس من الأسئلة حول ظروف هذا الرحيل المتسلسل لقادة تحرير عدن الذين تمسكوا بالشرعية وبقوا في اليمن وواجهوا الحوثيين وصالح، وشكّلوا جيشاً من العدم ثم انتصروا عليهم. فمنهم من قُتل في المعركة بطريقة غريبة، مثل قائد المنطقة العسكرية الرابعة الأسبق اللواء علي ناصر هادي، الذي قُتل على يد قناص حوثي في 2015، أثناء قيادته معارك لصدّ هجوم الحوثيين وحليفهم حينها صالح على مدينة التواهي التي يقع فيها عدد من المؤسسات السيادية، ومنها قصر 22 مايو ومؤسسات المخابرات والإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية، إضافة إلى قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، ومؤسسة موانئ عدن. وبعد مقتل اللواء علي ناصر هادي سقطت مدينة التواهي والمؤسسات الحكومية فيها بيد طرفي الانقلاب.

كما أن هناك من تمت تصفيتهم، مثل مهندس تحرير عدن ومحافظها الأسبق ومستشار الرئيس السابق اللواء جعفر محمد سعد، الذي تمت تصفيته في عملية إرهابية استهدفت موكبه بعد خروجه من منزله في التواهي في طريقه إلى مقر عمله بتفجير سيارة مفخخة أثناء مرور موكبه. وتحدثت مصادر أمنية حينها عن أن الرجل تعرض أيضاً لوابل من الرصاص بعد إصابته في الهجوم الانتحاري، ونُسبت الحادثة لتنظيم "داعش" الذي اختفى بطريقة غريبة، لتثير حولها الكثير من الشكوك. ولكن بشكل عام ووفق الكثير من المراقبين، فمهما كانت الجهة التي تقف وراء اغتيال سعد، فإنها كانت تهدف لإعلان وتمرير مشروع في عدن كان سعد، المقرب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، يقف حجر عثرة في وجهه.

كما قُتل قائد المنطقة العسكرية الرابعة السابق اللواء الركن أحمد سيف اليافعي، في الساحل الغربي، بعد استهداف الموقع الذي كان يوجد فيه مع حراسته، بصاروخ حراري قيل إن الحوثيين هم الذين أطلقوه. لكن الكثيرين حينها حاولوا البحث بشأن كيفية تمكّن الحوثيين من الوصول إلى مكان وجود اليافعي الذي كان يغيّر موقعه باستمرار ويبتعد عن مكان المواجهات، لا سيما أن قتل سعد ثم اليافعي شكّل زلزالاً داخل الشرعية، نظراً لدورهما في تحرير معظم المناطق المحررة الآن، ولأنهما من أشد رجال الشرعية كفاءة وإخلاصاً.

ولم يقف موضوع وفاة ومقتل قادة تحرير عدن عند هذا الحد، فقد استمر ليحصد نائب رئيس هيئة الأركان اللواء صالح الزنداني، عندما تمكّن الحوثيون وعبر طائرة من دون طيار من اختراق قاعدة العند العسكرية، وتفجير الطائرة خلال احتفال كان يوجد فيه أبرز القادة العسكريين في الجنوب، الموالين للشرعية، ليصاب معظم القادة، وينقلوا إلى السعودية، قبل أن يتوفى منهم اثنان، هما الزنداني وقائد الاستخبارات العسكرية اللواء الركن محمد صالح طماح، متأثرين بجراحهما. وما أثار الاستغراب والتساؤلات في الشارع اليمني عامة والجنوبي خصوصاً، هو أن قاعدة العند تشرف عليها الإمارات وتتحكّم فيها. وحاول البعض ربط الأمر بمساعي الإمارات وحلفائها في "المجلس الانتقالي الجنوبي" للانقلاب على الشرعية في عدن، ومحاولة أبوظبي تدمير قوة الشرعية ومن يقف ضد المشروع الذي تدعمه وتسعى إلى فرضه في عدن والجنوب بشكل عام، فيما يمثّل هؤلاء القادة العسكريون أبرز تلك العقبات.

إلى جانب هؤلاء، فإن ما زاد من الاستغراب هو أن آخر اثنين من القادة العسكريين الذين قادوا تحرير عدن توفيا في حوادث خارج اليمن، الأول كان مساعد وزير الدفاع اللواء عبد القادر العمودي، والذي توفي في القاهرة جراء صدمه، وعلى غرار العمودي جاءت وفاة بارويس في حادث سير أيضاً. وبذلك يكون معظم القادة العسكريين الذين قادوا تحرير عدن قد توفوا ولم يتبقَ من قادة تحرير عدن سوى ثلاث شخصيات رئيسية، هم رئيس مجلس مقاومة عدن نايف البكري، الممنوع من دخول عدن أو أي مدينة جنوبية بسبب الإمارات، وإلى جانبه بقي شخص يصول ويجول وينفذ أجندة الإمارات، هو رجلها الأول في الجنوب نائب رئيس "المجلس الانتقالي" الشيخ السلفي هاني بن بريك، والذي يشرف على القوات التي شكّلتها وموّلتها أبوظبي، والمتهم بارتكاب الكثير من الجرائم ضد خصومها، أما ثالث الشخصيات التي تعتبر من محرري عدن من الحوثيين، ممن لا يزالون أحياء، فهو عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الانفصالي، التابع للإمارات أيضاً.

ويعتقد الكثير من الجنوبيين واليمنيين بشكل عام أن مقتل قادة تحرير عدن لم يكن صدفة، بل هناك من يقف خلفه، بما يشبه الانتقام والتخلّص منهم، على اعتبارهم ليسوا فقط قوة ضاربة بيد الشرعية، وإنما يقفون حجر عثرة أمام مشاريع عدة، وفي مقدمتها مشاريع الإمارات والحوثيين وإيران، وكانوا يمثّلون فريقاً متناسقاً، وضع الشرعية في المقدمة على المسرح العسكري. لذلك يطالب الكثيرون بفتح ملف مقتل قادة تحرير عدن، وهناك من طالب بمخاطبة السعودية ومصر لبحث تداعيات تصفية اثنين من القادة على أراضيهما في حادثي سير خلال شهرين.

وفي هذا السياق، طرح الصحافي الموالي للشرعية مصطفى غليس، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، سؤالاً عما إذا كانت عناصر استخبارات تابعة للحوثي قد اغتالت هاتين الشخصيتين بحوادث مرورية مدبّرة، وهل ستتكرر حوادث مهذه لتطاول قيادات رفيعة في وزارة الدفاع اليمنية مستقبلاً؟ وقال: حادث مروري يودي بحياة بارويس في جدة، وفي 18 مارس/ آذار الماضي، حادث مروري يودي بحياة العمودي في الجيزة، مضيفاً "حادثتان خلال شهرين فقط، لا بد من مخاطبة جهات الاختصاص في البلدين الشقيقين (في إشارة إلى مصر والسعودية)، لفتح تحقيقات حول ملابساتهما".

وبات الكثير من اليمنيين يعتقدون، وفق قيادي ميداني تحدث لـ"العربي الجديد"، أن رحيل كل قادة التحرير بهذا الشكل المتسلسل والدراماتيكي، إلى جانب بعض القادة الميدانيين من الصف الثاني، ليس إلا دليلاً واضحاً على أن هناك عملية تصفية ممنهجة تستهدف قادة تحرير عدن، سواء كانوا مدنيين أو رجال دين أو عسكريين. ويكفي النظر إلى مصير كل من وقف ضد الإمارات، فكل مسؤول عارضها استقال أو أقيل ومُنع من العودة إلى اليمن، ومنهم رئيس الحكومة أحمد بن دغر. ولائحة المنع من العودة تطاول صحافيين وناشطين ومسؤولين وسياسيين، لتبقى السلطة في عدن بيد هاني بن بريك، الذي لم يعد هناك من يقف بوجهه وضد توسّع أبوظبي في الجنوب خصوصاً، بعدما قيّدت الشرعية وأضعفتها إلى أبعد حد.
المساهمون