يصعب الحديث عن "إنجاز رمزي" فقط، إذا ما ثبت إعلان باريس، أول من أمس الجمعة، مقتل زعيم تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، الجزائري عبد المالك دروكدال، بعملية لـ"قوة برخان" الفرنسية شمال مالي، نفذت يوم الأربعاء الماضي. فلدى قياس نتائج الضربة، بالقضاء على أحد أبرز وجوه "الجهاد" الأفريقي لأكثر من ربع قرن، وصلة الوصل لمدة زمنية طويلة بين "الجهاد العالمي"، وتفرعاته المتلاحقة في أفريقيا، تحمل الضربة أكثر من بعدٍ رمزي لفرنسا، بعد إعلانات متتالية لها عن تمكنها من "تحييد" قيادات للجماعات المتطرفة الناشطة في منطقة الساحل، ثبت لاحقاً عدم دقتها. وبحسب ما كتبت صحيفة "ليبراسيون" أمس، فإنه إذا كانت الجيوش تستخدم عادةً مصطلح "جزّ العشب"، عند الحديث عن تصفيتها أحد قادة الجماعات المتطرفة، فإن دروكدال كان "شجرةً" متجذرة. لكن ذلك يأتي في ظلّ تصاعد مسار متشعب ومتزايد من العنف في المنطقة، خصوصاً منطقة الساحل، التي تستميت فرنسا لاحتوائها، كواحدة من أهم مناطق نفوذها المتبقية، مقابل ابتعاد دروكدال منذ فترة عن دائرة الضوء، ولوم "أتباعه" له على تركهم، كما يؤكد مصدر مراقب للجماعات المتطرفة لموقع "20 دقيقة" الفرنسي.
أما إذا كان مقتل دروكدال سيترك أثراً على نشاط الحركات الإرهابية في المنطقة، فمن الجدير ذكره أن التصويب الفرنسي والأميركي أخيراً، كان على تنظيم "داعش"، الذي وضعه البلدان في خانة "العدو" الأول لهما في أفريقيا، ما يشير إلى حجم التحديات التي تواجهها جهود مكافحة الإرهاب هناك. هذه التحديات، التي مكّنت يوماً "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من السيطرة الواسعة، لم تزل بعد، وتواصل دولها الغرق في صراعاتها الداخلية وتنامي غضبها الشعبي المحلي، فيما باتت الجماعات المحلية أو العابرة للحدود، سواءً تلك الموالية لـ"القاعدة" أو لـ"داعش"، تعمل باستقلالية شبه كاملة عن الفرع الأم، وبأنواع من التغذية المحلية المالية، على الرغم من محاولة بعض دول المنطقة فتح حوار معها.
ويتزامن الإعلان عن العملية مع معضلة تعيشها قوة مجموعة دول الساحل الخمس (مالي، بوركينا فاسو، موريتانيا، النيجر وتشاد)، وسط ضيق الأفق بإمكانية تسلمها زمام المبادرة قريباً، في ظلّ افتقارها إلى المقوّمات اللوجستية والمالية بمعزل عن الحلفاء التقليديين. وتبدو هذه القوة مقيدةً أيضاً في نطاق العديد البشري، وكذلك الجغرافي حيث تركز على الحدود.
وأعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، أول من أمس، أن القوات الفرنسية تمكنت من قتل دروكدال، في شمال مالي، مؤكدة أن "العديد من المقربين" منه تم "تحييدهم" أيضاً. وقالت مصادر مطلعة لوكالة "فرانس برس"، إن دروكدال الذي كان يرعى العديد من الجماعات "الجهادية" في منطقة الساحل، قتل الأربعاء الماضي في تل خندق بشمال غرب مدينة تساليت المالية. وتحدثت المعلومات عن عملية نفذتها طائرات هليكوبتر عسكرية وفرقة كومندوس على الأرض. وأكدت بارلي، عبر "تويتر"، أن دروكدال، "عضو اللجنة التوجيهية لتنظيم القاعدة، كان يقود كل مجموعات القاعدة في شمال أفريقيا وقطاع الساحل، بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إحدى الجماعات الإرهابية الرئيسية الناشطة في الساحل" والتي يقودها المالي إياد أغ غالي (الطوارق). وأعلنت باريس أيضاً أسر "أحد الكوادر المهمين" في تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى، منافس "نصرة الإسلام والمسلمين"، والذي تعتبره باريس العدو الأول. وقالت بارلي إن العمليات ضد "داعش" في الصحراء الكبرى "مستمرة أيضاً"، موضحة أن القوات المسلحة الفرنسية اعتقلت في 19 مايو/ أيار الماضي محمد المرابط، وهو "القيادي المهم" في "داعش". من جهتها، أوضحت واشنطن أنها قدمت المعلومات الاستخبارية التي ساعدت في ترصد دروكدال. وقال الكولونيل كريس كارنز، المتحدث باسم "أفريكوم"، إن هذه القيادة "كانت قادرة على تقديم مساعدتها عبر معلومات استخبارية ودعم لتثبيت الهدف".
يذكر أن باريس كانت قد أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 عن مقتل المالي أمادو كوفا، مؤسس وزعيم "جبهة تحرير ماسينا"، التابعة لـ"نصرة الإسلام والمسلمين"، لكن في مارس/ آذار الماضي نشرت الكتيبة فيديو يثبت عدم صحة الإعلان الفرنسي الذي ظهر فيه كوفا. وكان قبلها دروكدال قد ظهر في شريط فيديو آخر أواخر 2018، لينفي مقتل كوفا، ما كان آخر ظهور له.
اقــرأ أيضاً
كان الجيش وأجهزة الأمن الجزائرية قد نجحوا حينها في تصفية عدد من قادة الجماعة. وفي فيي العام 2004، قتل الجيش زعيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" نبيل صحراوي، بعد تنحي مؤسسها حسان حطاب قبل عام، وبات درودكال أميراً لها، في ظروف كانت قد تمكّنت السلطات الجزائرية خلالها من استنزاف الجماعات المسلحة في مستويين: توجيه ضربات أمنية قاسية لها، واستدراج العشرات من عناصرها لتسليم أنفسهم والاستفادة من تدابير السلم والمصالحة الوطنية التي أقرّها استفتاء سبتمبر/ أيلول 2005، بمن فيهم حطاب الذي سلّم نفسه. لكن دروكدال حاول إثبات حضور التنظيم في المشهد الداخلي والدولي، فخطّط لسلسلة تفجيرات انتحارية هزّت الجزائر طيلة العام 2007، واستهدفت مقارّ أمنية ورسمية حيوية جزائرية ودولية. وفي العام ذاته، أعلن عن أول ارتباط رسمي بتنظيم دولي، وتحويل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ومبابعة أسامة بن لادن، زعيم "القاعدة" السابق الذي أوفد له مبعوثاً يمنياً، رصدته أجهزة الأمن الجزائرية وقتلته في باتنة شرقي البلاد.
وعلى الرغم من التضييق الحاد الذي فرضته قوات الجيش على هذه الجماعات، خصوصاً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تاريخ إعلان قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح خطة "اجتثاث الإرهاب"، فإن دروكدال استمر في نشاطه، ورفض سلسلة نداءات وجهتها إليه قيادات سابقة بارزة في الجماعات المسلحة ورفاقه السابقون في الجبال.
يعتبر دروكدال، المدرج على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن الدولي، أكثر قائد لتنظيم إرهابي ينجح في التخفي طويلاً، إذ ظل يتخذ من المحور الممتد بين جبال منطقة بومرداس وتيزي وزو القريبة من العاصمة الجزائرية إلى منطقة جيجل وباتنة شرقي البلاد مركزاً له وللمجموعات التابعة له، لكنه بدأ يخسر هذه الجيوب تدريجياً منذ عام 2014 بسبب تركيز قوات الجيش على ملاحقته وتفكيك وضرب المجموعات الصغيرة التي كانت متبقية معه من جهة، وتمرد بعض المجموعات الأخرى التي سحبت عام 2014 موالاتها لـ"القاعدة" وبايعت "داعش"، ما دفعه إلى التحرك جنوباً نحو الصحراء، لدى حلفائه من تنظيم "أنصار الدين"، حيث ظلّ في إطار علاقة شبكات الإرهاب وتداخلها مع شبكات الجريمة والتهريب والمخدرات والتلاعبات الدولية، مهتماً بمنطقة الساحل والصحراء، وحريصاً على استمرار العلاقة مع المجموعات المسلحة في المنطقة لضمان التمول بالسلاح. وفي عام 2018، زكّى إعلان مجموعات مسلحة إقامة تحالف "أنصار الإسلام" في الساحل وشمال مالي بقيادة المالي إياد غالي، ما وفّر له قاعدة خلفية انتقل إليها في الفترة الأخيرة، من دون أن يعرف انتقاله هذا على نطاق عام حتى إعلان مقتله على يد القوات الفرنسية. ورجحت مصادر جزائرية تحدثت إلى "العربي الجديد" أن تكون العملية قد تمت في منطقة قريبة من منطقة تل خندق، التي تبعد 20 كيلومتراً فقط عن الحدود الجزائرية، ومدينة تيمياوين على الحدود مع شمال مالي، خصوصاً أن نشطاء وشهود عيان في تيمياوين أبلغوا بسماع أزيز طائرات ودوي انفجارات في المنطقة.
"برخان".. نجاح أم إخفاق؟
وتضاعف قوة "برخان" الفرنسية لمكافحة "الجهاديين" منذ أشهر عملياتها في منطقة الساحل، في محاولة لوقف دوامة العنف التي ترافقت مع نزاعات بين المجموعات السكانية وأسفرت عن سقوط 4 آلاف قتيل في مالي والنيجر وبوركينا فاسو العام الماضي. وفي هذا الإطار، أكد مصدر مطلع لـ"فرانس برس"، أن الجيش الفرنسي "حيَّد نحو 500 جهادي في منطقة الساحل خلال الأشهر الأخيرة، بينهم العديد من الشخصيات المهمة من زعماء دينيين وقادة ومسؤولين عن التجنيد وخبراء في الشؤون اللوجستية". وأكد مصدر مقرب من الاستخبارات الفرنسية للوكالة أن دروكدال "كان يملك القدرة على تمويل شبكات الساحل، والقيام بدور قيادي حقيقي، على الرغم من الاعتراضات المتزايدة".
ويأتي الإعلان عن مقتل دروكدال قبل قمة مرتقبة لمجموعة قوة الساحل 5 (أعلنت عام 2017)، نهاية شهر يونيو/ حزيران الحالي في نواكشوط، من المقرر أن يحضرها زعماء هذه الدول، وينضم إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وشركاء دوليون من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وجاء ذلك بعدما ضاعفت الجماعات المتطرفة نشاطاتها في المنطقة أخيراً، ما أحدث حالة انعدام أمان متسلسلة، وألحق خسائر في صفوف القوات المحلية. وفيما تطالب باريس بزيادة الدعم المالي الدولي لهذه المجموعة، تصاعد القلق الأممي من انتهاك أعمالها لحقوق الإنسان، واستهدافها المتزايد للمدنيين. كما جاء مع الحديث عن أكثر من 10 آلاف مقاتل لـ"داعش" في المنطقة، وتنافس وصل إلى حدّ الاقتتال بينه وبين أفرع "القاعدة" هناك.
وكانت بارلي قد أكدت، يوم الخميس الماضي، أن باريس "تراقب عن قرب الدينامية التي تتحرك بها المجموعات الجهادية" في المنطقة، وذلك أمام البرلمان الفرنسي، مؤكدة أن جميع عمليات قوة "برخان" تجرى حالياً بالتعاون مع القوات المحلية. وتعتبر استقلالية هذه القوات شرطاً أساسياً لفك انخراط باريس في المنطقة، لكنه شرط مستحيل حالياً، خصوصاً لجهة إمكانية سيطرة هذه القوات على مساحات الأراضي التي يجرى استرجاعها من الجماعات المتطرفة. وفي السياق، لا يجرى الحديث فقط عن تجاوزات للقوات المحلية، وتصفيات خارج نطاق القانون، كما تقول الأمم المتحدة، بل عن التأثير "الجهادي" على القاعدة السكانية، والنزاعات العرقية والإثنية والقبائلية.
وتأتي القمة المرتقبة مع توالي التهم الموجهة إلى عناصر القوات المالية والبوركينية والنيجرية المشاركة في مواجهة المتطرفين في منطقة الساحل، لناحية ارتكابها تجاوزات بحق السكان المحليين، ما يثير قلقاً أممياً. لكنه قلق يترافق أيضاً مع عدم قدرة المجتمع الدولي على التوفيق بين تحديات الإرهاب ودعم القوة لوجستياً ومادياً، رغم تعهدات مالية من دول حليفة لفرنسا (مثل السعودية والإمارات)، علماً أن هذه القوة تطالب أيضاً بتفويضها أممياً في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما تعارضه واشنطن. وحتى الآن لم تقدم الأمم المتحدة سوى الدعم التشغيلي واللوجستي من خلال بعثة حفظ السلام في مالي.
اقــرأ أيضاً
أما إذا كان مقتل دروكدال سيترك أثراً على نشاط الحركات الإرهابية في المنطقة، فمن الجدير ذكره أن التصويب الفرنسي والأميركي أخيراً، كان على تنظيم "داعش"، الذي وضعه البلدان في خانة "العدو" الأول لهما في أفريقيا، ما يشير إلى حجم التحديات التي تواجهها جهود مكافحة الإرهاب هناك. هذه التحديات، التي مكّنت يوماً "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من السيطرة الواسعة، لم تزل بعد، وتواصل دولها الغرق في صراعاتها الداخلية وتنامي غضبها الشعبي المحلي، فيما باتت الجماعات المحلية أو العابرة للحدود، سواءً تلك الموالية لـ"القاعدة" أو لـ"داعش"، تعمل باستقلالية شبه كاملة عن الفرع الأم، وبأنواع من التغذية المحلية المالية، على الرغم من محاولة بعض دول المنطقة فتح حوار معها.
ويتزامن الإعلان عن العملية مع معضلة تعيشها قوة مجموعة دول الساحل الخمس (مالي، بوركينا فاسو، موريتانيا، النيجر وتشاد)، وسط ضيق الأفق بإمكانية تسلمها زمام المبادرة قريباً، في ظلّ افتقارها إلى المقوّمات اللوجستية والمالية بمعزل عن الحلفاء التقليديين. وتبدو هذه القوة مقيدةً أيضاً في نطاق العديد البشري، وكذلك الجغرافي حيث تركز على الحدود.
يذكر أن باريس كانت قد أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 عن مقتل المالي أمادو كوفا، مؤسس وزعيم "جبهة تحرير ماسينا"، التابعة لـ"نصرة الإسلام والمسلمين"، لكن في مارس/ آذار الماضي نشرت الكتيبة فيديو يثبت عدم صحة الإعلان الفرنسي الذي ظهر فيه كوفا. وكان قبلها دروكدال قد ظهر في شريط فيديو آخر أواخر 2018، لينفي مقتل كوفا، ما كان آخر ظهور له.
من هو عبد المالك دروكدال؟
ولد دروكدال في العام 1970 في منطقة البليدة قرب العاصمة الجزائرية، وبعد عام واحد من إعلان وقف المسار الانتخابي وتدخل الجيش، أي في العام 1993، غادر الجامعة حيث كان يدرس تخصصاً تكنولوجياً، لتوكل إليه الجماعات المتطرفة مهمة الإشراف على صناعة المتفجرات. وتذكر تقارير أمنية أنه انتمى إلى "جند الأهوال"، التي نفذت سلسلة مجازر دامية ووحشية، قبل أن يصبح في العام 2001 قيادياً في "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي انشقت في العام 1998 عن "الجماعة الإسلامية المسلحة".وعلى الرغم من التضييق الحاد الذي فرضته قوات الجيش على هذه الجماعات، خصوصاً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تاريخ إعلان قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح خطة "اجتثاث الإرهاب"، فإن دروكدال استمر في نشاطه، ورفض سلسلة نداءات وجهتها إليه قيادات سابقة بارزة في الجماعات المسلحة ورفاقه السابقون في الجبال.
يعتبر دروكدال، المدرج على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن الدولي، أكثر قائد لتنظيم إرهابي ينجح في التخفي طويلاً، إذ ظل يتخذ من المحور الممتد بين جبال منطقة بومرداس وتيزي وزو القريبة من العاصمة الجزائرية إلى منطقة جيجل وباتنة شرقي البلاد مركزاً له وللمجموعات التابعة له، لكنه بدأ يخسر هذه الجيوب تدريجياً منذ عام 2014 بسبب تركيز قوات الجيش على ملاحقته وتفكيك وضرب المجموعات الصغيرة التي كانت متبقية معه من جهة، وتمرد بعض المجموعات الأخرى التي سحبت عام 2014 موالاتها لـ"القاعدة" وبايعت "داعش"، ما دفعه إلى التحرك جنوباً نحو الصحراء، لدى حلفائه من تنظيم "أنصار الدين"، حيث ظلّ في إطار علاقة شبكات الإرهاب وتداخلها مع شبكات الجريمة والتهريب والمخدرات والتلاعبات الدولية، مهتماً بمنطقة الساحل والصحراء، وحريصاً على استمرار العلاقة مع المجموعات المسلحة في المنطقة لضمان التمول بالسلاح. وفي عام 2018، زكّى إعلان مجموعات مسلحة إقامة تحالف "أنصار الإسلام" في الساحل وشمال مالي بقيادة المالي إياد غالي، ما وفّر له قاعدة خلفية انتقل إليها في الفترة الأخيرة، من دون أن يعرف انتقاله هذا على نطاق عام حتى إعلان مقتله على يد القوات الفرنسية. ورجحت مصادر جزائرية تحدثت إلى "العربي الجديد" أن تكون العملية قد تمت في منطقة قريبة من منطقة تل خندق، التي تبعد 20 كيلومتراً فقط عن الحدود الجزائرية، ومدينة تيمياوين على الحدود مع شمال مالي، خصوصاً أن نشطاء وشهود عيان في تيمياوين أبلغوا بسماع أزيز طائرات ودوي انفجارات في المنطقة.
"برخان".. نجاح أم إخفاق؟
وتضاعف قوة "برخان" الفرنسية لمكافحة "الجهاديين" منذ أشهر عملياتها في منطقة الساحل، في محاولة لوقف دوامة العنف التي ترافقت مع نزاعات بين المجموعات السكانية وأسفرت عن سقوط 4 آلاف قتيل في مالي والنيجر وبوركينا فاسو العام الماضي. وفي هذا الإطار، أكد مصدر مطلع لـ"فرانس برس"، أن الجيش الفرنسي "حيَّد نحو 500 جهادي في منطقة الساحل خلال الأشهر الأخيرة، بينهم العديد من الشخصيات المهمة من زعماء دينيين وقادة ومسؤولين عن التجنيد وخبراء في الشؤون اللوجستية". وأكد مصدر مقرب من الاستخبارات الفرنسية للوكالة أن دروكدال "كان يملك القدرة على تمويل شبكات الساحل، والقيام بدور قيادي حقيقي، على الرغم من الاعتراضات المتزايدة".
وكانت بارلي قد أكدت، يوم الخميس الماضي، أن باريس "تراقب عن قرب الدينامية التي تتحرك بها المجموعات الجهادية" في المنطقة، وذلك أمام البرلمان الفرنسي، مؤكدة أن جميع عمليات قوة "برخان" تجرى حالياً بالتعاون مع القوات المحلية. وتعتبر استقلالية هذه القوات شرطاً أساسياً لفك انخراط باريس في المنطقة، لكنه شرط مستحيل حالياً، خصوصاً لجهة إمكانية سيطرة هذه القوات على مساحات الأراضي التي يجرى استرجاعها من الجماعات المتطرفة. وفي السياق، لا يجرى الحديث فقط عن تجاوزات للقوات المحلية، وتصفيات خارج نطاق القانون، كما تقول الأمم المتحدة، بل عن التأثير "الجهادي" على القاعدة السكانية، والنزاعات العرقية والإثنية والقبائلية.
وتأتي القمة المرتقبة مع توالي التهم الموجهة إلى عناصر القوات المالية والبوركينية والنيجرية المشاركة في مواجهة المتطرفين في منطقة الساحل، لناحية ارتكابها تجاوزات بحق السكان المحليين، ما يثير قلقاً أممياً. لكنه قلق يترافق أيضاً مع عدم قدرة المجتمع الدولي على التوفيق بين تحديات الإرهاب ودعم القوة لوجستياً ومادياً، رغم تعهدات مالية من دول حليفة لفرنسا (مثل السعودية والإمارات)، علماً أن هذه القوة تطالب أيضاً بتفويضها أممياً في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما تعارضه واشنطن. وحتى الآن لم تقدم الأمم المتحدة سوى الدعم التشغيلي واللوجستي من خلال بعثة حفظ السلام في مالي.