مقترحات المرشحين التونسيين لتعديل الدستور: وعود تتجاوز الممكن

04 أكتوبر 2019
يلقي خبراء اللوم على نظام الاقتراع (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يقدم المرشحون للانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس تعديل الدستور ضمن برامجهم الانتخابية، ويطرحونه كأحد الحلول لتغيير الأوضاع العامة، وكوَعد من وعود الحكم، في وقت تقف عقبات قانونية وسياسية أمامه. وتختلف مواقف المرشحين، سواء للرئاسة التونسية أو لعضوية البرلمان، بخصوص تنقيح الدستور وتعديل بنوده وأحكامه، في وقت تحدث سياسيون آخرون عن ضرورة الإبقاء عليه والمحافظة على مواده. ويعد متصدر السباق الرئاسي في جولته الأولى، أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، أهم الداعين لفكرة تعديل الدستور، إذ اعتبر في تصريح صحافي أن "التنقيح لا بد منه من أجل تحقيق مبدأ السلطة للشعب بضمان الآليات القانونية لذلك". وأكد سعيد في أحاديث إعلامية أنه سيُقدم مبادرة "من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي بهدف دعم الحكم المحلي والتنمية المحلية"، رابطاً مبادرته بـ"أهمية الانتقال من الحكم المركزي إلى الحكم المحلي، ومنح تمثيلية حقيقية للجهات (المناطق) عبر إنشاء مجالس محلية بحساب نائب عن كل عمادة" بهدف "الحدّ من الفساد". وأوضح أنه في حال عدم المصادقة على مبادرته، "فسيتم تحميل المسؤولية السياسية لكل طرف"، مشدداً على أن "عصر الوصاية وتقديم البرامج انتهى".


ويفترض تعديل الدستور وفق ما هو مطروح من قبل متصدر نتائج الانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى بـ18 في المائة، إحداث برلمانات جهوية وانتخاب برلمانيين محليين، ليتجاوز عدد البرلمانيين أكثر من ألفي نائب بحسب عدد العمادات في مختلف محافظات البلاد، مقابل 217 نائباً حالياً في مجلس الشعب المنصوص عليه في الدستور.

من جهته، يرى النائب السابق الذي شارك في المجلس التأسيسي، أستاذ القانون رابح الخرايفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تعديل الدستور يطرح شروطاً قانونية وسياسية، فمعلوم أن البند 143 من الدستور يمنح اختصاص المبادرة بتعديل الدستور لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب (73 نائباً)، كما يعطي الأولوية في النظر والمصادقة لرئيس البلاد على البرلمانيين، غير أنه يشترط في المقابل ثلاث عقبات يجب أن يضعها المرشحون الذين يطرحون التعديلات في برامجهم الانتخابية في عين الاعتبار.

وتتمثل الشروط الثلاثة بحسب الخرايفي، في موافقة المحكمة الدستورية التي يعرض عليها كل تعديل دستوري لتنظر في مدى استجابته ومطابقته لما يجوز وما لا يجوز تعديله، ثم يجب أن يوافق البرلمان في مرحلة أولى بأغلبية مطلقة (109 نواب على الأقل) على مبدأ التعديل، وإذا اجتاز التغيير الدستوري هاتين العقبتين، فيجب المصادقة على إقرار التعديل بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، أي 145 صوتاً على الأقل بحسب ما يذكره البند 144 من الدستور.

ووصف الخبير القانوني التعديلات المطروحة بـ"غير الواقعية وغير القابلة للتمرير"، لاعتبار غياب المحكمة الدستورية أولاً، وضرورة حصول توافقٍ عريض يتجاوز الثلثين على أي تعديل، ما يصعب تجميعه، الى جانب ما أفرزته الانتخابات الأولية من نتائج بيّنت أن المرشح قيس سعيّد لا يملك حزاماً برلمانياً يمكنه من تنفيذ وعوده بالتعديل وتغيير نظام الحكم، كما أن القانون الانتخابي الحالي بنظام النسبية يستحيل معه حصول أغلبية برلمانية لأي طرف أو حزب سياسي.

ولم تتوانَ أحزابٌ وقوائم أخرى مترشحة للانتخابات التشريعية في طرح رؤيتها لتعديل الدستور ضمن برامجها الانتخابية. وفي هذا الإطار، تطرح قوائم "عيش تونسي" التي كانت تنشط في إطار جمعية "خفية" قبل الدخول في غمار الانتخابات التشريعية، كبديل سياسي يحمل شعار إلغاء الامتيازات والحصانة على المسؤولين وفي مقدمهم النواب، وهو ما يحتاج ضرورة تعديل في الدستور للبند الذي ينص على حماية البرلمانيين ورئيس الجمهورية والقضاة بالحصانة الدستورية.

ويطرح "الحزب الحر الدستوري" بدوره تغيير نظام الحكم بتعديل دستوري يعيد التوازن بين السلطات، وخصوصاً على مستوى السلطة التنفيذية. وعلى الرغم من خسارة رئيسته عبير موسي في الجولة الرئاسية الأولى، لا يزال الحزب يطرح تعديلات دستورية لـ"تفادي اختلال نظام الحكم"، معتبراً أن النظام السابق كان نموذجاً أفضل لتونس باعتبار أن مرجعيته مستمدة من حزب "التجمع" المنحل وغالبية قياداته التي تحسب على فلول "التجمع"، الحزب الحاكم زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

ويعد رئيس حزب "تحيا تونس" رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي خرج من سباق الرئاسة في جولته الأولى، من بين الذين خاضوا في مسألة تعديل الدستور. وإن كان الشاهد لا يعتبر تنقيح الدستور أولوية للحزب، فإنه يرى بأن النقطة التي تستحق مراجعة هي إلغاء الحصانة البرلمانية.

وتتقاسم قوائم حزبي "تيار المحبة" و"الرحمة" والقائمة المستقلة "الشعب يريد" وقوائم أخرى ذات مرجعية إسلامية، طرح حلول من الشريعة الإسلامية لحلّ الإشكاليات والأزمات التي تعترض التونسيين، على غرار إحداث ديوانٍ للمظالم. وتعتبر بعضها أن تونس فوتت فرصة تضمين الشريعة كمصدرٍ أساسي للتشريع. وعلى الرغم من عدم مطالبتها صراحة بتعديل الدستور، فإنها تطرح حلولاً لا يمكن تنفيذها إلا بالتراجع عن بنود فيه، من بينها المتعلقة بمدنية الدولة وحرية الضمير وحرية المعتقد. 

وتختلف القوائم الحزبية والمستقلة المترشحة في طرحها لتعديل الدستور كوعد ومادة انتخابية، إذ يطرح حزب "الأمل" تعديلاً يعيد التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وخصوصاً بين رأسي السلطة التنفيذية، حيث خلق تداخل الصلاحيات نزاعاً بين رئيسي الحكومة ورئيس الجمهورية.

وتعتبر قوائم مستقلة أن منظومة الحكم أثبتت فشلها بسبب الدستور الجديد من جهة تضمنه ثغرات كثيرة ظهرت خلال السنوات الخمس الأولى. من جهتها، تعتبر حركة "النهضة" أن المشكلة لا تكمن في الدستور التونسي الفتي. ويؤكد رئيسها، والمرشح على رأس قائمتها في العاصمة، راشد الغنوشي، في تصريحات صحافية، أن الحركة ليس لديها أي مشروع لتغيير الدستور، معتبراً أن دستور 2014 لم ينل الفرصة الكاملة ليتم تنزيله وتطبيقه. ويرى رئيس "النهضة" أنه لا يمكن اليوم تغيير دستور لم ينل حظه، ولم يستكمل تركيز مؤسساته وتنزيل أحكامه.

وتعارض "النهضة" بشدة تعديل الدستور لاعتبارات أنه كان لها دور كبير إلى جانب أحزاب أخرى ثورية في كتابته، وهو حظي بتوافق واجماع غالبية مكونات الطيف البرلماني والحزبي التونسي بعد الثورة، على الرغم من الاختلافات العميقة بين مكونات البرلمان والأزمة التي مرت بها البلاد في العام 2013.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، علّق الباحث في القانون الدستوري خالد الدبابي على الدعوات لتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي بأنها غير ذات معنى، نظراً لعدم مرور الوقت الكافي لتطبيقه واكتشاف نواقصه. ووصف الدبابي مقترح التعديل الذي يرفعه المرشح للرئاسية قيس سعيّد بغير الواقعي، معللاً ذلك بأن المقترح يرمي الى تغيير جذري في النظام السياسي من المحلي نحو الوطني، ليصبح البرلمان منتخباً بطريقة غير مباشرة عبر مجالس جهوية ومحلية. وبحسب رأيه، فإن ذلك يخلق انعدام توازن بين السلطات، إذ تكون السلطة التنفيذية في ما يتعلق برئيس الجمهورية منتخبة مباشرة من الشعب ولها المشروعية الشعبية الكاملة، مقابل سلطة تشريعية منتخبة بطريقة غير مباشرة، في حين تقتضي الديمقراطية توازناً وتماهياً في الشرعية بين السلطتين. 

واعتبر الباحث القانوني أن المرشح سعيّد قدم مقترحاً "لا نظير له في الأنظمة المقارنة، ولا يمكن تطبيقه عبر الآليات الدستورية الحالية"، إذ إن الدستور لا يسمح لرئيس الجمهورية بالقيام بالاستفتاء الشعبي مباشرة لتطبيق مقترحه وتغيير النظام السياسي جذرياً، بل يضع جملة من الإجراءات، من بينها مصادقة البرلمان على مبدأ التعديل بأغلبية مطلقة، ثم التعديل نفسه بأغلبية الثلثين، ثم المرور إلى الاستفتاء. 

أما في ما يخص المقترحات الأخرى التي ترمي إلى تعديل النظام السياسي، فيرى الدبابي أنها لا تستقيم بدورها، فلم تقع تونس في مآزق دستورية ذات أهمية، ولم يمر من الوقت الكافي لاختبار ذلك. وأشار إلى أن الإشكال لا يكمن في النظام السياسي في حد ذاته، وإنما في نظام الاقتراع القائم على التمثيلية النسبية، ما أدى لفشل النظام البرلماني وأضرّ بالمشهد الحزبي في تونس، التي أصبحت تعيش مرحلة حكم الأحزاب وباتت الدولة رهينتها. 

ونبّه الخبير القانوني الى أن دولاً أخرى تعتمد نظاماً برلمانياً نجح في بعضها وفشل في الآخر نتيجة نظام الاقتراع، مشيراً الى المثالين البريطاني والإيطالي، فـ"الأول تكون فيه الحكومة مستقرة نظراً لأنه يقوم على نظام اقتراع بالأغلبية المطلقة التي تمكن الحزب الفائز من الحكم وتنفيذ برنامجه، أما في إيطاليا فعلى الرغم من وجود الأحكام والمؤسسات ذاتها، فإن النظام يتميز بالهشاشة وانعدام الاستقرار نتيجة اعتماد اقتراع مبني على التمثيلية النسبية المشابه لتونس". 

المساهمون