وبدأ رئيس الوفد وزير الخارجية محمد جواد ظريف، مناقشاته بلقاءات ثنائية مع ممثلين عن الوفود المفاوضة، فاجتمع، أمس الخميس، مع منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، قبل أن ينضمّ الوفد الإيراني إلى طاولة أميركية يترأسها مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز. وستمهّد لقاءات أمس للجولة الحقيقية، اليوم الجمعة، على أن تستمرّ المحادثات بعدها لأيام عدة، وتُستكمل الأسبوع المقبل على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من انتقاده السياسات الأميركية التي استمرّت بفرض العقوبات على إيران، حتى مع تعليقها بموجب اتفاق جنيف الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، إلا أنه ألمح لمقترحات إيرانية جديدة قد يطرحها على طاولة المفاوضات. ففي الوقت الذي نقلت فيه التصريحات الأوروبية سابقاً قلقاً من مفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل، قال ظريف إن "إيران مستعدة لإجراء بعض التغييرات في قلب المفاعل".
وتنتج منشأة "آراك" البلوتونيوم، الذي تكفي كمية قليلة منه لامتلاك سلاح نووي، وهو ما يخشاه الغرب، وهو ما يُشعل الخلاف في هذه المرحلة، تحديداً في حال دار النقاش حول كمية البلوتونيوم التي يحقّ لطهران امتلاكها أو حول نسبة تخصيبه، وهو ما سيُعقّد الأمر أكثر حسب خبراء.
وأما عن الخلاف الآخر الذي علّق التوصّل إلى اتفاق سابق، فيتعلّق بعدد أجهزة الطرد المركزي، التي تمتلكها إيران وترفض تخفيضها بالمطلق، إذ أشار ظريف إلى أن "بلاده أصبحت تمتلك 19.8 ألف جهاز طرد، وهي الأجهزة التي تقوم بعملية تخصيب اليورانيوم". ولفت إلى أن "العدد زاد خلال سنوات الحظر"، في إشارة إلى أن طهران لن تتنازل عن هذا الشرط على طاولة نيويورك.
من جهة ثانية، تختلف طهران مع الولايات المتحدة تحديداً، بسبب إصرار واشنطن على مناقشة موضوع المنظومة الصاروخية التي تمتلكها طهران على طاولة المحادثات، وهو ما نقله نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في وقت سابق، بينما قال ظريف إن "مواضيع كهذه، لاعلاقة لها ببرنامج طهران النووي".
وأضاف أن "الخلاف حول موقع بارتشين لن يُطرح كذلك"، فهو الموقع الذي تقول عنه إيران، إنه عسكري بحت، فيما يشكّك الغرب باختبارات تحاكي تفجيرات نووية أُجريت هناك، فبتت طهران بالأمر وجزمت أنها لن تفتح باب بارتشين، الذي زاره مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرتين في السابق وأخذوا عيّنات منه أيضاً.
ومع وجود كل هذه الخلافات الفنية والتقنية على طاولة الحوار بين إيران والسداسية، لا يراهن الداخل الإيراني، لا رسمياً ولا شعبياً على أي اتفاق أو أي تقارب كبير في وجهات النظر هذه المرة، ومن المستبعد بالنسبة للجميع إحراز أي تقدّم ملموس يستطيع إلغاء الحظر المفروض على إيران خلال هذه الفترة.
في السياق، كتبت الصحافة الإيرانية عن أمرين يتعلقان بالظروف الدولية والإقليمية، وهي التي تضع بصماتها على ملف إيران النووي بشكل أو بآخر، وتعقّد التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب.
يتعلّق الأمر الأول بالخلاف الأخير بين طهران وواشنطن حول رفض أن تكون إيران جزءاً من التحالفات التي شكلت لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مما زعزع جو التفاؤل الذي كانت طهران تسوّق له خلال جولات المفاوضات السابقة، وجعلها تتعامل مع الأمر بواقعية أكثر.
وعلى الرغم من تبنّي حكومة الرئيس حسن روحاني خطاب الاعتدال والانفتاح، غير أن التقارب مع واشنطن يبقى مقيّداً بالنسبة لإيران الآن، بحسب تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي، ويدلّ تحالف واشنطن مع دول في المنطقة لا ترغب بإصلاح العلاقات مع إيران، على السعي الأميركي إلى إيجاد مبرّر وغطاء لضرباتها العسكرية في العراق أو حتى سورية، وهي التي تحمل أهدافاً بعيدة المدى تتعلق بتوجيه ضربات لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما تتخوّف طهران.
هذا بالنسبة إلى الأمر الأول، أما الأمر الثاني الذي سيعرقل الاتفاق على ما يبدو، فهو التوتر بين روسيا والولايات المتحدة، التي شددت عقوباتها عليها بسبب الأزمة الأوكرانية، وهذا ما سيجعل المحادثات مع إيران تأخذ طابع التكتلات خلال هذه المرحلة. وتحاول طهران هنا، بحسب محللين إيرانيين، الاستفادة من هذه الفرصة للحصول على الدعم الروسي على طاولة الحوار، في وقتٍ تواجه فيه معسكراً غربياً تتزعمه واشنطن.