مقاربات في العدل والعدالة

29 فبراير 2016
+ الخط -
العدل قلب القيم الأخلاقية والدينية، وأساس الملك، وفي معناه البسيط أن يتم التعامل مع كل الناس بطريقة عادلة، وهو ضد الجور، وهو هدف تنشده الإنسانية، ودعا له الأنبياء والحكماء والمصلحون، ودولة القانون في الفكر السياسي الحديث هي دولة العدل.
عندما يغيب العدل، يغيب السلام والاستقرار والأمن والأمان الاجتماعيان. إحساس ألمانيا بعدم العدل نتيجة معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى كان أحد الأسباب التي أدت إلى سقوط نحو خمسين مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية. لذا، عندما قامت الأمم المتحدة في عام 1945، كان إقرار العدل في المادة الأولى الخاصة بالمقاصد نصا، وفي بقية المواد والمبادئ روحا.
أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن ديباجته تبدأ في سطرها الأول بالاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام، ما يعني أن جوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكمن في الدعوة إلى العدل والكرامة، فعندما أشعل محمد بوعزيزي النار في بدنه في عام 2011، اشتعلت أشواق الملايين في العالم العربي للحرية والكرامة والانعتاق، فكان أن امتلأت الميادين بمئات الآلاف من البشر، فكانت ثورات الربيع العربي التي قهرت الخوف والظلام، ونشدت العدل الذي ضاع، وبضياعه ضاع الاقتصاد والأمن والسلام والتنمية.
في الواقع السياسي السوداني الحديث، كان مطلب العدل السياسي والاجتماعي والاقتصادي على أسنة الرماح في كل الحروب التي دارت في السودان في الخمسين عاما الماضية، فلم يخلُ أي إعلان لأية حركة حملت السلاح من الدعوة إلى العدل، منذ حركة التمرد الأولى، مرورا بجوزيف لاقو، وجون قرنق، وسلفاكير ميارديت، وفيليب عباس غبوش، ويوسف كوه، وانتهاء بمالك عقار، وعبد العزيز الحلو، وخليل إبراهيم، وعبدالواحد محمد نور.
والعدل قيمةً ومبدأ موجود في الذهنية السياسية للأحزاب السودانية، فأكثر من ستة أحزاب مسجلة في السودان ترفع شعار العدل والعدالة في اسمها الرسمي (حزب العدالة، حزب التقدم والعدالة الاجتماعية، حزب العدالة الاجتماعية، منبر السلام العادل، حزب الشرق للعدالة والتنمية.. إلخ)، أما الحركات المسلحة، فإنها تتسمى بالعدل، وتعلنه هدفا لها، ولعل حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان للعدالة، خير مثال وغيرهما العشرات من الحركات.
إخفاق الحكومات الوطنية المختلفة منذ الاستقلال في بسط العدل الاجتماعي والسياسي، قاد إلى أزمة السودان الحديث، وتجلت قمة الأزمة بفقدان السودان ثلث مساحته المعروفة في عام 2011، بانفصال الجنوب، واشتعال النار في مناطق أخرى، وإلى خسائر اقتصادية ومادية وبشرية كبيرة، تكبّدها الوطن والمواطن في الخمسين عاما الماضية.
على الرغم من الجهود التي بذلتها هذه الحكومات من أجل إقرار السلام، وفض النزاعات في السودان، ابتداء من مؤتمر المائدة المستديرة في عام 1965 والخاص بقضية الجنوب، وانتهاء باتفاقية الدوحة والخاصة بقضية دارفور في عام 2011، إلا أن تنزيل قيم العدل والمساواة، وحسن إدارة التنوع، وجعل ذلك واقعاً معاشاً، سيكون هو التحدي والمحك الذي سيرسم شكل السودان في المستقبل القريب.
17BB762F-4135-45C4-AE1D-87E9B06764B1
17BB762F-4135-45C4-AE1D-87E9B06764B1
لؤي عبد الرحمن (السودان)
لؤي عبد الرحمن (السودان)