تعيد جريمة اغتيال الأسير الفلسطيني السابق لدى سلطات الاحتلال، عمر النايف، ملف مقاتلي الثورة الفلسطينية بمراحلها كافة، وخصوصاً ممن لم ينخرطوا، بعد تحريرهم، في مؤسسات السلطة الفلسطينية أو الأطر القيادية لفصائلهم وتنظيماتهم.
اقرأ أيضاً: الشهيد عمر النايف... 26 عاماً من مراوغة الاحتلال
مقاتلون قدموا كل شيء من حياتهم الشخصية للقضية التي اعتبروها الأسمى، وحاول عدد منهم، بعد انتهاء أدائهم المهام العسكرية، جمع أنفسهم في أطر وتجمعات لعلّ أبرزها "رابطة مقاتلي الثورة الفلسطينية القدامى" التي تأسست في العام 1993.
ولا تزال أحداث الثورة الفلسطينية التي انطلقت شرارتها في عام 1965 تراود ذاكرة الحاج الفلسطيني محمود دياب، الذي انخرط في صفوف الثورة منذ شبابه قبل أن يعتقله الاحتلال الإسرائيلي لنحو عقد من الزمن، بتهمة تنفيذ عدة عمليات فدائية استهدفت المستوطنين والجنود الإسرائيليين في قطاع غزة.
ويستذكر الحاج محمود البالغ من العمر (65 عاماً) لحظات تكليفه بتنفيذ عملية فدائية تستهدف خطوط إمداد قوات الاحتلال الإسرائيلي الواصلة ما بين مدينة المجدل المطلة على البحر المتوسط وصحراء سيناء المصرية التي احتلتها إسرائيل خلال حرب 1967.
ويقول دياب لـ "العربي الجديد" إنه في خضم الحرب التي كانت دائرة بين القوات المصرية والإسرائيلية جاءتنا أوامر من القائد خليل الوزير (أبو جهاد) باستهداف الطرق البرية التي يستخدمها الاحتلال لنقل معداته وأسلحته إلى جبهات القتال المشتعلة.
وبعد ساعات من صدور الأوامر، تمكّن دياب برفقة بضعة مقاتلين من تفجير أجزاء من جسر بيت حانون شمال قطاع غزة، باستخدام إحدى العبوات الناسفة. ونتيجة للانفجار، توقفت عمليات الإمداد لثلاثة أيام متواصلة، الأمر الذي اعتبره دياب دليلاً على نجاح العملية كما كان مخططاً لها.
ويشعر الحاج محمود بالفخر لما قدّمه الثوار من تضحيات وعمليات فدائية كسرت شوكة جنود الاحتلال، رغم قلة المتاع والعدة التي كانت بحوزتهم آنذاك. إلا أن غصة تبقى في قلبه بسبب حالة التهميش التي يعاني منها نحو ألفي مقاتل فلسطيني يصنفون كـ"محاربين قدامى".
وفي محاولة لصون حقوق المحاربين القدامى، تعاون دياب مع مجموعة من رفاقه على تشكيل ائتلاف يضم المقاتلين كافة تحت اسم "رابطة مقاتلي الثورة الفلسطينية القدامى" التي أعلن عن تشكيلها رسمياً في عام 1993.
ويعد المحارب القديم محمد الغزاوي أول رئيس للرابطة، التي اتخذت من مدينة غزّة مقرّاً رئيسياً لها، قبل أن يتولى العقيد إسماعيل الناقة (65 عاماً) مهمة رئاسة الرابطة عام 2005 حتى الوقت الجاري.
ويذكر الناقة لـ "العربي الجديد" أنه بعد إفراج الاحتلال عن مئات المقاتلين الذين شاركوا في الثورة الفلسطينية، بدأ التفكير في إنشاء مؤسسة وطنية تهتم بالمقاتلين وترعى شؤونهم المختلفة، مبيناً أن فكرة تأسيس الرابطة نالت إعجاب ودعم الزعيم الراحل ياسر عرفات.
ويوضح العقيد إسماعيل أن الرابطة ضمت في السنوات الأولى لتأسيسها ثلاث شرائح، تتعلق الأولى بمجموعات الفدائي مصطفى حافظ التي نشطت في منطقة سيناء لمحاربة الجنود الإسرائيليين، وضمت الثانية عناصر جيش التحرير الفلسطيني، والأخيرة ضمت المقاتلين القدامى الفلسطينيين.
ويصف الناقة أوضاع المحاربين خلال الفترة الحالية كـ"حال الذين تقطعت بهم السبل وأصبحوا على قارعة الطريق"، موضحاً أن الانقسام الفلسطيني الداخلي والأزمات الحياتية التي تعصف بقطاع غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي عليه صيف عام 2007 ساهمت في تعزيز حالة التهميش.
وتعتمد الرابطة على اشتراكات الأعضاء في تنفيذ أنشطتها المحدودة التي لا تتجاوز غالباً تقديم المساعدات الغذائية والتموينية لعائلات المحاربين القدامى، فضلاً عن تقديم بعض الخدمات الصحية والعلاجية للمحاربين القدامى.
ويبدي المحارب القديم رفيق شبات إعجابه بتطور أداء فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكداً في الوقت نفسه على أهمية عودة مختلف الفصائل إلى العمل المسلّح وتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الاحتلال.
ويقول الحاج شبات لـ "العربي الجديد" إن "أهم ما اكتسبه المقاوم الفلسطيني في الحروب الإسرائيلية الثلاثة التي شنت على غزة هو معرفة طبيعة الجندي الإسرائيلي بأنه مقاتل جبان يخشى الاشتباك والمواجهة ولا يستحق أن يطلق عليه لقب جندي".
وتأكيداً لقوله، يضيف شبات: "في عام 1971 حاصر الاحتلال مجموعة من المقاتلين في إحدى أحراش بلدة بيت حانون، وخلال عملية المحاصرة تمكن أحد الجنود الإسرائيليين من معرفة مكان المطاردين، ولكنهم خرجوا عليه بالأسلحة وهددوه بالقتل إن أفصح عن مكانهم".
ويتابع رفيق: "خرج الجندي الإسرائيلي مهرولاً تجاه قائده لكي يخبره بأنه لا يوجد شيء داخل الأحراش الزراعية، وعلى إثر ذلك انسحب الجنود كافة من المنطقة دون أن يتمكنوا من الوصول إلى المقاتلين الفلسطينيين".
وتشارك إدارة رابطة "مقاتلي الثورة الفلسطينية القدامى" في الاجتماعات الدورية التي يعقدها الاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب، كما تمتلك الرابطة عضوية في الفيدرالية العالمية للمحاربين القدامى التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرّاً لها وتمثل كل دول العالم.