مفكرة المترجم: مع نزار عيون السود

13 يونيو 2020
نزار عيون السود
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "على المترجم أن يعيش الحالة النفسية الانفعالية والذهنية التي عاشها المؤلف عند كتابته العمل"، يقول المترجم السوري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت حكايتي مع الترجمة من محبتي، في المرحلة الثانوية، للغة الفرنسية واللغة العربية، واللغات عموماً، وللشعر الفرنسي، وتحديداً لمجموعة جاك بريفيير الشعرية الرائعة "PAROLES"، فقد ترجمت له قصيدته الرائعة "من أجلك يا حبّي" ونشرتها عام 1962 في مجلة "الخمائل" الأدبية الأسبوعية الحمصية لصاحبها الأستاذ والأديب الكبير المرحوم محي الدين الدرويش، وكنت في الصف الحادي عشر- الفرع الأدبي. وبعد إيفادي إلى الاتحاد السوفييتي وعودتي من الدراسة الجامعية الأولى عام 1970، ترجمت عن الروسية كتاب "نقد علم الاجتماع البرجوازي المعاصر" للعالم السوفييتي بوبوف (دار دمشق، 1973) ولاقى نجاحاً كبيراً، لدرجة أنّ الناشر أصدر منه ثلاث طبعات خلال عامي 1973- 1974. لا شك في أنّ هذا النجاح شكّل بالنسبة لي حافزاً كبيراً.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟


- آخر ترجماتي منذ عام 2016: "ليس للحرب وجه أنثوي" للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش (2016)، "القصة القصيرة الروسية الساخرة- لمجموعة من المؤلفين" الطبعة الثانية الموسعة- من تقديمي وإعدادي وترجمتي (2016)، "شخصية دوستويفسكي" للناقد الأكاديمي الكبير بوريس بورسوف (2017) وهو عمل ضخم يقع في 900 صفحة وسيصدر قريباً في طبعة ثانية، "زمن مستعمل- نهاية الإنسان الأحمر" لسفيتلانا ألكسييفيتش- الفائزة بجائزة نوبل (2018)، "كل جيش الكرملين– موجز تاريخ روسيا المعاصرة" للكاتب والصحافي ميخائيل زيغار (2018). وأترجم الآن "دراسات نقدية في أدب تولستوي" لناقد روسي معروف.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- تختلف هذه العقبات بحسب اللغة التي يُترجِم عنها المترجم. ومن هذه العقبات؛ إيجاد الكتب الصالحة للترجمة والمناسبة للقارئ العربي والحصول عليها، وعدم توفر القواميس والمعاجم المتخصصة، والعثور على دور النشر المنصفة لعمل المترجم والتي لا تُبخسه حقه، وعدم وجود تغذية راجعة موضوعية للترجمة، وأعني بذلك؛ عدم وجود نقد موضوعي للترجمة، وعدم وجود أسس عامة مُتعارَف عليها في عملية الترجمة لأنّ الترجمة لا تزال حتى الآن عندنا مشروع أفراد وليس مشروع مؤسسات، فلا يوجد ترجمات معتمدة للأسماء الأجنبية ولا للمصطلحات العلمية والفلسفية والأدبية وغيرها، فنحن نعيش في فوضى الترجمة. وأخيراً وليس آخراً لا بد من الانتقال في الترجمة من مشروع أفراد إلى مشروع مؤسسات، لنتخلص من فوضى الترجمة ولتحقيق شيء من التنسيق في أعمال الترجمة التي هي بأمس الحاجة إليه.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- أنا على قناعة تامة بضرورة وجود المحرر أو المراجع، على الأقل، لكلّ كتاب مترجم. ولكن للأسف، المشكلة ليست مشكلة المترجم، بل مشكلة دور النشر العربية التي درجت على عدم المراجعة وعلى عدم اللجوء إلى محرر يقرأ الكتاب المترجَم قبل نشره. بعض دور النشر المحترمة تلتزم بدور المراجع مثل سلسلة عالم المعرفة، وهذه حالة نادرة. فالمسرحية التي نشرتها في عالم المعرفة "الجزيرة القرمزية" للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف (أيار/مايو 1994) قام بمراجعتها د. نديم معلا.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟


- عادة أنا أختار الكتاب للترجمة، وأنا أعرض كتابي المترجَم على دور النشر العامة أو الخاصة، أو أقترحه لتوقيع عقد معها. لأنّني لا أفضل أبداً ترجمة كتاب لا أقتنع بفائدته وضرورة ترجمته ولا أتفاعل معه. ولم تحدث أية مشاكل مع دور النشر العامة أو الخاصة بهذا الخصوص. قد تحدث في بعض الأحيان إذا ما التزمت العمل مع مؤسسة ما، أن تطلب مني ترجمة كتاب ما، غير مقتنع بصلاحيته وضرورته للترجمة أو لا أراه مناسباً. وفي هذه الحالة، يمكنني أن ألغي التزامي مع هذه المؤسسة على أن تفرض عليّ ترجمة هذا الكتاب.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- هناك اعتبارات سياسية ومواقف وخطوط فكرية عامة أراعيها عند اختياري للأعمال الفكرية والسياسية التي أترجمها، متجنّباً قدر الإمكان الانتماءات الحزبية الضيقة، مع الاحترام الكامل لحرية الكاتب؛ أما بالنسبة للأعمال الأدبية فهنا السياسة والفكر يوظفهما الكاتب كما يريد، ولا أتدخل إطلاقاً في ذلك، بل أعبّر في ترجمتي عن وجهة نظره، وعمّا كتبه بدقة، حتى في حال عدم موافقتي على ذلك، وإن احتاج الأمر قد أضع ملاحظة توضيحية على الهامش.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- بما أنّ الترجمة بالنسبة لي هي هواية أصلاً وليست مهنة، فمن الطبيعي أنّ الكتاب الذي أختاره للترجمة، أختاره لإعجابي بمؤلفه، ولتقديري لأفكاره وإبداعه. وبعض الكتب التي أختارها وأترجمها، وبخاصة دوستويفسكي على سبيل المثال لا الحصر، أتماهى مع مؤلفها، وأعيش أفكاره ووجوده أثناء كتابته لهذا الكتاب الذي أترجمه. إنّني أرى أن يعيش المترجم الحالة النفسية -الانفعالية والذهنية التي عاشها المؤلف عند كتابته لهذا العمل الذي عزم المترجم على ترجمته.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- لدي خمسة كتب من تأليفي، منها "نشوء وتطور الفكر النفسي- الاجتماعي عند العرب" وقد صدر في طبعتين (1995، 2009) وعشرات البحوث العلمية المنشورة في الدوريات العلمية، باعتباري أستاذاً وباحثاً في علم النفس. أرى أنّ الاثنين (الكاتب والمترجم) عندي يكمل أحدهما الآخر، ومن هنا كثرة الكتب التي ترجمتها في مجالات علم النفس والأدب والتفكير والإبداع والفلسفة. ففي الترجمة أستفيد من أعمالي بالكتابة والتأليف والعكس صحيح.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- أراها ظاهرة إيجابية، وإن جاءت متأخرة، مقارنة بالدول الأخرى، وهي تسعى إلى تعويض المترجم ومكافأته، ورفع الغبن عنه من دور النشر الخاصة والعامة، وبالتالي تشكل أكبر حافز له للترجمة الجيدة والجادة، وتوفير كافة معايير الجودة في ترجمته، وتعتبر عاملاً مشجعاً لكافة المترجمين في هذا الإطار.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- نعم الترجمة بدأت عندنا كمشاريع مترجمين أفراد، وتطورت على هذا الأساس، وحققت إنجازات كبيرة. بيد أنّ هذه المشاريع الفردية لا بد لها من دعم مادي ومعنوي من المسؤولين عن الثقافة والمهتمين بالترجمة. لأنّ الإمكانات الفردية تبقى محدودة. أما بالنسبة لمشاريع الترجمة المؤسساتية، فبعضها ناجح وقد حقق إنجازات كبيرة على صعيد الترجمة الجيدة والمتميزة. بيد أنّ بعضها الآخر يشكو، في أحيان كثيرة، من سوء اختيار العناوين. وهنا أقترح على العاملين في هذه المؤسسات، أن يراسلوا قبل اعتماد خطتهم السنوية، عدداً من المترجمين المعروفين عن كلّ لغة، طالبين اقتراحاتهم بأفضل الكتب التي يرون ضرورة ترجمتها إلى العربية، وبعد ذلك يعتمدون خطة الترجمة السنوية لمؤسساتهم.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- لا توجد قواعد محددة، أو عادات معينة. فكلّ كتاب أنوي ترجمته يفرض القواعد والعادات الواجب اتباعها بخصوص ترجمته، ويحدد الجو المناسب الواجب توفيره له، كتجهيز المراجع المرتبطة به. وعموماً، عند عزمي على ترجمة كتاب، لا بد من أن أهيئ نفسي لهذه الترجمة، وأستعد لها نفسياً ومعرفياً وذهنياً. بالطبع هناك عادات وشروط عامة لا بد منها لممارسة عملي في الترجمة، كالهدوء والتركيز، والتفرغ إلخ...


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم أندم على ترجمة أي كتاب قمت بترجمته، لأنّه جزء من ذاتي وتجربتي كمترجم.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أتمنى للترجمة إلى اللغة العربية أن ترقى إلى مستوى المؤسسة الثقافية العلمية المسؤولة، ذات الصلاحية، القائمة على أسس موضوعية، تنسق بين جميع الجهات ودور النشر المهتمة بالترجمة في الوطن العربي، كي تترجم وبصورة سريعة أهم ما يصدر في العالم من أمهات الكتب العلمية والآداب العالمية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن تقوم بالتنسيق لمنع التكرار ولمعرفة ما يُترجَم في كلّ منها، والأهم من ذلك أن تعمل لتلافي السرقات والطبعات المختصرة والمشوهة على صعيد الترجمة، ولمحاسبة المسيئين والمزورين وآكلي حقوق المؤلفين والمترجمين.

بطاقة
كاتب ومترجم وأكاديمي سوري، مواليد حمص 1945. أنهى الدراسات العليا في لينينغراد وموسكو وحصل على الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي. درّس في كلية التربية بجامعة دمشق وجامعات عربية أخرى.

صدر له ما يزيد عن خمسين كتاباً، بين ترجمة ومؤلفات. من ترجماته: "نقد علم الاجتماع البرجوازي المعاصر" (دار دمشق، 1973)، و"دراسات في الأدب والمسرح" لمجموعة مؤلفين (وزارة الثقافة، 1976)، و"دوستويفسكي- دراسات في أدبه وفكره" (وزارة الثقافة) وصدر في طبعتين (1979 ثم 2010)، و"مذهب التحليل النفسي والفلسفة الفرويدية الجديدة وصدر في طبعتين عن دار الفارابي ودار الوثبة، و"التنويم المغناطيسي" (دار يعرب، 1996)، و"الإيروس والثقافة- فلسفة الحب والفن الأوروبي" (دار المدى، 2010)، "سيكولوجية العلاقات الأسرية" (دار كنعان) وصدرت في ثلاث طبعات، ورواية يوري بونداريف "اللعبة" (وزارة الثقافة، 1990)، و"التفكير والإبداع" (وزارة الثقافة، 2011)، و"سيكولوجية الجسد" (دار كنعان، 2014) وصدر في ثلاث طبعات.

ومن ترجماته الأخيرة: كتاب "شخصية دوستويفسكي" (وزارة الثقافة، 2017)، و"القصة القصيرة الروسية الساخرة" وصدر في طبعتين عن وزارة الثقافة ودار المدى. و"ليس للحرب وجه أنثوي" لسفيتلانا ألكسييفيتش (دار ممدوح عدوان، 2016)، و"زمن مستعمل- نهاية الإنسان الأحمر" لسفيتلانا ألكسييفيتش (دار ممدوح عدوان، 2018).

المساهمون