تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "لا يمكن الفصل بين الكاتب والمترجم في داخلي حيث ينعكس معجمي اللغوي على نص المؤلف" يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
بدأت حكايتي مع الترجمة بالصدفة، حينما كنت سنة 2008 أعمل مدرّساً للغة العربية في قسم تدريس العربية المعاصرة، التابع لقنصلية فرنسا في وسط القاهرة، حيث كنت أدعو الطلّاب الفرنسيين الى زيارة الآثار المصرية معي في أيام الإجازات، فجاء إليّ المدير ذات يوم يسألني، عن مدى استعدادي لترجمة كتاب "الفن المصري القديم" لـ كريستيان زيغلر وجان لوك بوفو، والأولى كانت في ذلك الوقت مديرة القسم المصري في اللوفر. وافقت على الفور، وظهر الكتاب فعلاً في ضمن سلسلة "مصريّات" عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب".
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجماتي المنشورة كانت لدى "دار آفاق" وهي رواية "الدهشة" للكاتب الفرنسي بلاز سندرار، وهو شبه مجهول في الأدب العربي، وقد سبق أن ترجمتُ له مع نفس الدار العام الماضي رواية "المغامرة". أما الرواية التي أعمل على ترجمتها حالياً فهي رواية "البازار الأسود" للكاتب الكونغولي الفرنكوفوني آلان مابانكو، وذلك بالاتفاق مع "المركز الثقافي الفرنسي" بالقاهرة، وقد سبق أن ترجمت له ضمن سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب رواية "زجاج مكسور" سنة 2012.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
أبرز العقبات في اعتقادي هي عملية النشر، فالجهات الرسمية في مصر، مثل "المركز القومي للترجمة"، و"الهيئة المصرية العامة للكتاب"، يصعب تقديم أعمال من خلالها بسبب كثرة عدد المترجمين حالياً، وسيطرة العلاقات الشخصية. أنا كنت سعيد الحظّ بترجمة كتاب "الفن المصري" سنة 2008، وكتاب "قاموس عاشق لمصر" في "المركز القومي للترجمة" سنة 2011، وكان لديّ حماس كبير لاستئناف الترجمة في هذا الموضوع، لأني أعرف مفرداته، بفضل حصولي على دبلوم دراسات عليا في الآثار، وعملي مرشداً سياحياً لمدة ربع قرن، لكني لم أجد أي استجابة من أي مسؤول، وبالتالي تحوّلت إلى ترجمة الروايات، والنشر في القطاع الخاص.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
مشكلة المحرّر معقّدة جداً، فأغلب المحرّرين الذين تعاملت معهم، لا يجيدون قواعد اللغة العربية، ويضيفون إلى النصوص أخطاء لم تكن موجودة بها، ثم يقولون لك إنهم تخرّجوا في كلية الآداب قسم اللغة العربية، لكن كثيرين منهم مثل غيرهم من خريجي الجامعات المصرية، لم ينجحوا في أغلب الأحوال إلا بالغش، ولم يعيّنوا في وظائفهم إلا بالواسطة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
كنت سعيد الحظ بالتعامل مع دار نشر خاصة هي "آفاق"، فهم يثقون في قدراتي كمترجم، وكقارئ للأدب الفرنسي، بحيث إنهم نشروا لي روايتين لبلاز سندرار، ورواية لبوريس فيان بعنوان "العشب الأحمر". وباستثناء مشكلة بعض الأخطاء اللغوية، لا توجد بيني وبين "آفاق" أي مشاكل أخرى. ثم إنهم نشروا لي كذلك ثلاثة كتب في تاريخ الأديان، دون أن يراجعوني في أي موضوع بها، رغم وجود بعض الآراء الجريئة فيها، بخصوص التشابه بين المعتقدات الدينية الوثنية، في بلاد الشرق الأدنى القديم، وبين الديانات السماوية.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
لا ليست هناك أيّ اعتبارات سياسية في اختياري للكتب التي أترجمها. هناك في رواية آلان مابانكو، بعض الهجوم على تاريخ فرنسا الاستعماري في أفريقيا، وأنا أتفقّ معه في آرائه. الغريب هو أن "المركز الثقافي الفرنسي" في القاهرة، هو الذي اتفق معي على ترجمتها.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أعتقد أنه لا يمكن الفصل بين الكاتب والمترجم في داخلي. ولا شكّ في أن أسلوب ترجمتي يتأثّر بأسلوبي أنا في كتابة مؤلّفاتي، ويتأثّر بمفردات معجمي اللغوي، وهذا شيء طبيعي، ولهذا السبب ستجد اختلافات بين الترجمات المختلفة لنفس الرواية، على يد مترجمين مختلفين.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
لا أنظر إليها على الإطلاق، ولا تعنيني البتّة، وأعتقد جازماً أن كل الجوائز الأدبية تحمكها المصالح المتبادلة. وهو شيء طبيعي جداً ومألوف في عالمنا العربي.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
لا أعتقد أن هناك الآن في مصر، مشاريع مؤسّساتية في مجال الترجمة، رغم نجاح مشروع مثل "الألف كتاب"، في نسخته الأولى في ستّينيات القرن الماضي، و"الألف كتاب" الثانية في الثمانينيات والتسعينيات، إلا أنه عدا ذلك فالمسائل كلها عشوائية اعتباطية، تقوم على الواسطة والمصالح والعلاقات الشخصية، ولست على دراية بالمشاريع المؤسّساتية في غير مصر من البلاد العربية، حتى أستطيع أن أحكم عليها.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
عاداتي في الترجمة هي أنني أصوّر الكتاب بالفوتوكوبي صفحة صفحة، مع تكبير الحروف إلى أقصى حدّ ممكن، ثم أبدأ بترجمة الكتاب كله بخط اليد في كرّاسات، بحيث أستوعب كل ما فيه، ثم أجلس لكتابته على الكومبيوتر حيث أستطيع أن أعيد اختيار بعض الكلمات، ثم أراجع النصّ المكتوب على الكمبيوتر لتصحيح الأخطاء الإملائية أو اللغوية.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على ترجمة أي نصّ من النصوص العشرة التي ترجمتها حتى الآن.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
حلمي كمترجم هو زيادة إمكانيات النشر، في سلاسل كتب منتظمة، تشرف عليها مؤسّسات رسمية، على غرار "سلسلة الجوائز" لنشر الروايات المترجمة، وسلسلة "مصريات" المختصّة بعلوم مصر القديمة.
بطاقة
طبيب ومترجم مصري من مواليد 1953. تنوّع تحصيله الجامعي بين الطب وعلم الآثار والأدب الفرنسي. من ترجماته: "الفن المصري" (2008) لـ كريستيان زيغلر وجان لوك بوفو، و"قاموس عاشق لمصر" (2011) لـ روبير سوليه، و"زجاج مكسور" (2012) لـ آلان موبانكو، و"العشب الأحمر" (2019) لـ بوريس فيان. كما صدرت له مؤلفات أخرى، منها: "فخ البراءة" (2014)، و"شارع الهرم وفرق موسيقى الشباب في السبعينات" (2015).