مفكرة المترجم: مع أحمد حسّان

14 نوفمبر 2017
(أحمد حسان، العربي الجديد)
+ الخط -
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. هنا وقفة مع المترجم المصري أحمد حسّان الذي يرى في حديثه مع "العربي الجديد" أنّ غياب التخصص والافتقار إلى سياسات تضبط عملية الترجمة عيب أساسي يؤخذ على مشاريع الترجمة المؤسساتية في العالم العربي.


كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- لم أقرر أبداً أن أكون مترجماً أو أن تكون صنعتي الترجمة وما زلت. أول كتاب ترجمته كان مجموعة قصائد للوركا نقلتها عن الإنكليزية. كنت أحب لوركا وقمت بالترجمات لكي يطلع عليها أصدقائي الذين لا يقرأون بلغات أخرى. آنذاك جمع الصديق وصاحب دار "الفكر المعاصر" عبد السلام رضوان القصائد من أصدقائي ونشرها في كتاب. ثم في أواخر السبعينيات ترجمت مجموعة شهادات للجنة المكارثية مع الأدباء وأخذها رضوان إلى بيروت ونشرت هناك. لست في وضع احتراف إلى الآن، أقوم بعمل الشيء الذي أحبه فقط.

ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ترجمة هي كتاب بودريار عن أميركا، وحالياً أعمل على جيل دولوز. ليس كتاباً لدولوز ولكن فيديو تحدث فيه 8 ساعات. بعد تفريغ الفيديو أعمل على ترجمته وقد يصدر في كتاب، وقد اخترت ترجمة هذا الفيديو لأن دولوز صعب ولأنه في الفيديو "دمه خفيف".

ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- لا حصر لها. حال المترجم مثل عازف يسير بين البيوت يعزف ولا أحد يلتفت، إلا أنه يفعل ذلك ليسعد الناس. المشكلات كثيرة، بعضها له علاقة باللغة، نحن لا نترجم من لغة إلى أخرى بل من عقل لديه مرجعياته وطريقة تفكيره وتاريخه إلى عقل آخر لديه مرجعيات أخرى ولغة وطريقة تفكير مختلفة. المشكلة الثانية لها علاقة بالناشرين، لا يوجد قانون يحمي المترجم ويحدد قيمة الترجمة ويوحدها، حين تأسس مشروع الترجمة في المركز القومي اعتقدنا أن لجاناً متخصصة ستساعد المترجم على الاختيار، وفقاً لخطة أو استراتيجية ما، لكن الأمر لم يكن كذلك. لم يكن هناك خطة، يمكن أن تطبع ألف كتاب ضمن سلسلة ما، لكن ما هي هذه الكتب؟ أما المشكلة الكبرى فهي التخلف في مفاهيم العلوم الإنسانية التي تتجدد وتتطور في العالم، بينما تظل شبكة المفاهيم باللغة العربية فقيرة وقديمة. ثمة ورطة مخيفة في ما يخص المفاهيم.

هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- لا يوجد محرر في دور النشر العربية، وإن وجد أشترط ألا يقترب من عملي؛ المحرر في دور النشر العالمية يشترط فيه التخصص في المادة التي يعمل عليها، وهو يناقش الكاتب في أمور يعرفها جيداً في علم الاجتماع أو الفلسفة أو الأدب، وفقاً لموضوع الكتاب. في دور النشر العربية المحرر هو المصحح اللغوي، وهو شخص لديه صورة ثابتة عن الفصحى ويريد أن يحيل كل النصوص التي يقرأها إلى هذه الصورة.

كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- لم يختر لي أحد عنواناً من قبل، أنا من أختار ما أريد ترجمته.

هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- ليست سياسية فقط. نحن يساريون، لكن المعيار في انتقاء الكتب وترجمتها ليس سياسياً فقط، قد أترجم كتاباً في علم النفس والكلام المتقدم في علم النفس هو سياسة أيضاً، وقد أختلف معه أو أتفق، لو كان ثمة كاتب يميني مثلاً تفيد ترجمته أو نقل أفكاره لتوضيح مسألة ينبغي توضيحها فلِمَ لا، لكن عموماً هؤلاء "دمهم ثقيل". الترجمة لا بد أن يكون فيها اقتناع ورأي ترغب في نقله، فالمترجم يعمل لأشهر طويلة على نص، ستكون محنة كبيرة إن لم يكن يحب النص الذي يترجمه.

كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- أدرس عقل الكاتب لأشهر قبل أن أبدأ بترجمته. مثلاً دولوز الذي أعمل عليه حالياً أدرسه منذ ثلاثة أعوام لكي أتمكن من تقديمه بشكل جيد.

كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- المترجم خادم، أنا أترجم لأصدقائي، أحب أن أنقل إليهم معارف تستحق الوقوف عندها، هذا هو الأساس عندي. الكاتب يتفاعل مع الفكرة والأسلوب والطريقة وكيف قيلت الأشياء. ومن واجب المترجم أن ينقل صوت الكاتب الأصلي والخلفية التي يكتب منها، فكما قلت نحن ننقل من حضارة وثقافة وطريقة تفكير إلى دماغ مختلف.

كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لا علاقة لي بها، لا أعرف عنها ولا أسأل. أنا أقوم بما يخص ترجماتي وأطلع عليها أصدقائي.

الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- غياب التخصص، والافتقار إلى سياسات تضبط عملية الترجمة أمر أساسي، كما لا يوجد مقابل واضح للترجمة ولا ثمن واضح لدى هذه المؤسسات يقابل جهد المترجم، المعايير تعتمد على العمر مثلاً؛ فهذا مترجم شاب وهذا مترجم قديم، المفترض أن المعيار الأساسي إن كانت الترجمة جيدة أم لا.

ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- طبعاً لدي عادات لكني لا أود الحديث عنها. لكن بشكل عام لكي أصل لقرار ترجمة هذا النص أو ذاك فإن الأمر يأخذ وقتاً طويلاً جداً، أشهراً أحياناً، تتوقف الحياة ويصبح محورها هذا النص وما يتعلق به وبقرار ترجمته.

كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- كل مترجم لديه هذا الكتاب، نعم لديّ كتاب ندمت على ترجمته، لن أذكر عنوانه لأني أتمنى أن يُنسى، كانت المشكلة الأساسية في هذا الكتاب هي المصطلحات، فمن السبعينيات وحتى التسعينيات تقريباً لم يكن هناك اتفاق على المصطلحات وترجمتها، وأنا كنت أتحاشى التعريبات المغاربية، وأريد أن أضع مقترحات أخرى، وكان هذا الأمر مشكلة.

ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- حلمي ألا تكون الترجمة شخصية، أتمنى لو توجد صيغة ما تجمع المترجمين في حقل معين في ورش، فعند كل مترجم ثمة كتاب يحلم بنقله ولا يملك الوقت، وأفضل كتاب ينقله المترجم هو ذلك الذي هو متولّه به. أتمنى أن يجد المترجمون صيغة تضامنية تتيح نقل هذه الكتب التي يحلمون بها، يصححون لبعضهم يراجع كل منهم شغل الآخر، يتفقون على المصطلحات، لا يهم العمر، قد يصحح الشاب للكبير منهم، العمل الجماعي على الترجمة ثم محاولة إيجاد وسيلة نشر جماعي خارج ماكنة النشر الحالية المتعبة. الترجمة عذاب وهذه الحالة الجماعية قد تكون وسيلة لإنجاز ونشر ترجمات أفضل.

بطاقة: قدم أحمد حسّان (1945) مع زميله المترجم بشير السباعي كتباً أساسية من بينها "الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية" لإدواردو غاليانو و"استعمار مصر" لـ تيموثي ميتشيل.

ومن ترجماته البارزة "صناعة الجوع: خرافة الندرة" لفرانسيس لابيه، وفي الأدب ترجم أعمالاً للوركا وبريخت وفوينتوس وبولانيو وجيجيك وبنيامين وكذلك "كيف يمكن أن نحيا.. مقدمة لفلسفة جيل دولوز" لتود ماي.

دلالات
المساهمون