02 نوفمبر 2024
مفقودو لبنان
لقضية المفقودين والمخطوفين في لبنان حيزٌ مسكون في الوعي الاجتماعي اللبناني، من دون ترجمة هذا الوعي إلى خطواتٍ عملية، ولا حتى إلى حالةٍ دافعةٍ باتجاه سنّ قوانين تسمح بمعرفة مصير 17 ألف مفقود تقريباً، خُطفوا على أيدي المليشيات اللبنانية والجيش السوري والمنظمات الفلسطينية وجماعات مسلّحة طوال الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، على اعتبار أن من كانوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي في أثناء احتلاله جنوبي البلاد (1978 ـ 2000)، أُطلق سراحهم على مرّ السنين، ضمن صفقات تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل بوساطة ألمانية.
لم يجد المفقودون اللبنانيون بعد من يتبنّى قضيتهم عملياً من الأحزاب الحاكمة، ولا من الجمعيات الفاعلة. الاعتبارات كثيرة، تبدأ من عدم وجود ملفاتٍ فعلية، تكشف ماذا حصل طوال سني الحرب اللبنانية، لغياب الأرشيف اللازم، ولتفلّت عناصر المليشيات، في بعض الأحيان، وعدم العودة إلى قياداتهم في عمليات خطفٍ كثيرة. كما أن عملياتٍ كثيرة حدثت لأسباب شخصية، تبدأ من محاولة السطو على منزل، أو عملية سرقة فردية، أو لأن المخطوف ينتمي لطائفة أو حزب ما مغاير للخاطفين. لم يدفع ذلك كله الدولة إلى العمل الحثيث على البتّ بهذا الملف، أو أقلّه مناقشة "مشروع إنشاء الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين" برلمانياً، والبدء به، وفق مطالب لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين، على لسان رئيستهم، وداد حلواني.
أكثر من ذلك، سمح استسهال التعاطي بقضية المفقودين بتفشّي ظاهرة الخطف في مقابل فدية في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية، وأدت إلى نشوء مجتمع قائم على الانخراط في عملية الخطف، خصوصاً أن معظم الخاطفين يتمتعون بغطاءٍ سياسي، يسمح لهم بالنجاة من فعلتهم، فضلاً عن أن الأحكام القضائية تُخفّف في أحيانٍ كثيرة، بالترهيب والترغيب. والأسوأ أن الأجهزة الأمنية تملك داتا خاصة بشبكات الخطف، لكنها لا تعمل على مواجهتها لأسباب سياسية. بالتالي، من حق اللبنانيين طرح فرضيةٍ حول ما إذا كانت الدولة غير قادرة على مواجهة عصابات الخطف، فكيف يمكنها جلاء حقيقة مصير المفقودين والمخطوفين في الحرب؟
في الواقع، يمكنها ذلك، وفقاً لاعتبارات كثيرة، من دون "تهديد السلم الأهلي" في البلاد. يمكنها ذلك إن أرادت البدء بإنشاء الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين، ثم تبدأ في العمل التشريعي والتنفيذي لذلك. كما أن على الناس الضغط أكثر في اتجاه أحزابهم، لتبني هذا الاقتراح. ويمكن للأحزاب ـ المليشيات تقديم كل ما أمكنها من معلومات. يستدعي ذلك ورشة عمل كبيرة على مستوى لبنان الصغير، فدولة لا تسأل عن مفقوديها لن تسأل عن شعبها أبداً، ومن حق الشعب حينها أن يثور عليها. في معظم دول العالم التي خاضت حروباً أهلية وقومية ودينية، سعت إلى المصارحة مع ذاتها، عبر الكشف عن مصير مفقوديها. بالطبع، قد لا تمكن معرفة مصير عديدين منهم، يكفي خوض مثل هذا العمل، من أجل تعميم ثقافةٍ مناهضةٍ للعنف، ومتصالحةٍ مع ذاتها، ومؤهلة لممارسة أفعال السلم، على الرغم من موجة العنف السياسي التي شهدها ويشهدها لبنان منذ عام 2005، إثر اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري. لا يمكن التطلع إلى مستقبل حقيقي للبنان، من دون العمل على إزالة مسبّبات نشوء خيمة للمطالبة بمعرفة مصير المفقودين في بيروت، وتتطلب إزالة الخيمة معالجة المشكلة من جذورها. أما عن تمويل عمليات البحث، فلا أعتقد أنها تكلّف أكثر من تسخير العمل الجماعي واقتطاع الأموال من رواتب الوزراء والنواب والمديرين العامّين والرؤساء الثلاثة، لمعرفة مصير الـ17 ألف مفقود ومخطوف.
يعزّز العمل على كشف مصير المفقودين منطق المصالحة، وإبعاد أي عنف مستقبلي قد يهدّد لبنان، لأسباب سياسية أو غيرها. المصارحة والمصالحة عنوانان لن يعرفا طريقهما إلى الوعي اللبناني، قبل معرفة مصائر المفقودين والمخطوفين.
لم يجد المفقودون اللبنانيون بعد من يتبنّى قضيتهم عملياً من الأحزاب الحاكمة، ولا من الجمعيات الفاعلة. الاعتبارات كثيرة، تبدأ من عدم وجود ملفاتٍ فعلية، تكشف ماذا حصل طوال سني الحرب اللبنانية، لغياب الأرشيف اللازم، ولتفلّت عناصر المليشيات، في بعض الأحيان، وعدم العودة إلى قياداتهم في عمليات خطفٍ كثيرة. كما أن عملياتٍ كثيرة حدثت لأسباب شخصية، تبدأ من محاولة السطو على منزل، أو عملية سرقة فردية، أو لأن المخطوف ينتمي لطائفة أو حزب ما مغاير للخاطفين. لم يدفع ذلك كله الدولة إلى العمل الحثيث على البتّ بهذا الملف، أو أقلّه مناقشة "مشروع إنشاء الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين" برلمانياً، والبدء به، وفق مطالب لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين، على لسان رئيستهم، وداد حلواني.
أكثر من ذلك، سمح استسهال التعاطي بقضية المفقودين بتفشّي ظاهرة الخطف في مقابل فدية في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية، وأدت إلى نشوء مجتمع قائم على الانخراط في عملية الخطف، خصوصاً أن معظم الخاطفين يتمتعون بغطاءٍ سياسي، يسمح لهم بالنجاة من فعلتهم، فضلاً عن أن الأحكام القضائية تُخفّف في أحيانٍ كثيرة، بالترهيب والترغيب. والأسوأ أن الأجهزة الأمنية تملك داتا خاصة بشبكات الخطف، لكنها لا تعمل على مواجهتها لأسباب سياسية. بالتالي، من حق اللبنانيين طرح فرضيةٍ حول ما إذا كانت الدولة غير قادرة على مواجهة عصابات الخطف، فكيف يمكنها جلاء حقيقة مصير المفقودين والمخطوفين في الحرب؟
في الواقع، يمكنها ذلك، وفقاً لاعتبارات كثيرة، من دون "تهديد السلم الأهلي" في البلاد. يمكنها ذلك إن أرادت البدء بإنشاء الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين، ثم تبدأ في العمل التشريعي والتنفيذي لذلك. كما أن على الناس الضغط أكثر في اتجاه أحزابهم، لتبني هذا الاقتراح. ويمكن للأحزاب ـ المليشيات تقديم كل ما أمكنها من معلومات. يستدعي ذلك ورشة عمل كبيرة على مستوى لبنان الصغير، فدولة لا تسأل عن مفقوديها لن تسأل عن شعبها أبداً، ومن حق الشعب حينها أن يثور عليها. في معظم دول العالم التي خاضت حروباً أهلية وقومية ودينية، سعت إلى المصارحة مع ذاتها، عبر الكشف عن مصير مفقوديها. بالطبع، قد لا تمكن معرفة مصير عديدين منهم، يكفي خوض مثل هذا العمل، من أجل تعميم ثقافةٍ مناهضةٍ للعنف، ومتصالحةٍ مع ذاتها، ومؤهلة لممارسة أفعال السلم، على الرغم من موجة العنف السياسي التي شهدها ويشهدها لبنان منذ عام 2005، إثر اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري. لا يمكن التطلع إلى مستقبل حقيقي للبنان، من دون العمل على إزالة مسبّبات نشوء خيمة للمطالبة بمعرفة مصير المفقودين في بيروت، وتتطلب إزالة الخيمة معالجة المشكلة من جذورها. أما عن تمويل عمليات البحث، فلا أعتقد أنها تكلّف أكثر من تسخير العمل الجماعي واقتطاع الأموال من رواتب الوزراء والنواب والمديرين العامّين والرؤساء الثلاثة، لمعرفة مصير الـ17 ألف مفقود ومخطوف.
يعزّز العمل على كشف مصير المفقودين منطق المصالحة، وإبعاد أي عنف مستقبلي قد يهدّد لبنان، لأسباب سياسية أو غيرها. المصارحة والمصالحة عنوانان لن يعرفا طريقهما إلى الوعي اللبناني، قبل معرفة مصائر المفقودين والمخطوفين.