مفقودو البحر.. تونسيون اختفوا قبالة سواحل إيطاليا

01 ديسمبر 2014
بعضهم وصل وآخرون ماتوا وغيرهم اختفوا (فيليبو مونتيفورتي/فرانس برس)
+ الخط -


تعيش تونس على واقع اختفاء شبابها من المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا. ولا يتوقف الكثير من الأهالي عن البحث عن أيّ دليل يوصلهم إلى أبنائهم. من هؤلاء آسيا، التي وصلت في بحثها عن ابنها حسن، إلى مقبرة السلطانية في مدينة صفاقس (340 كلم عن العاصمة). هناك دفن الغرقى الذين لفظهم البحر، من دون أيّ إشارة إلى هويتهم.

عام 2011، هاجر حسن الذي لم يكن قد تجاوز 20 عاماً، بشكل غير شرعي. ركب في أحد مراكب الموت، مع 130 شاباً من منطقة صفاقس على أمل الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. لكنّ أخبارهم انقطعت منذ أكثر من 3 أعوام.

تطول قائمة أسماء المفقودين. وخلف كلّ اسم حكاية عائلة تنتظر أيّ خبر عن ابنها.
يقول حامد الرحيمي، وهو والد أحد المفقودين، لـ "العربي الجديد": "أغلقت دكاني في العاصمة وتفرغت للبحث عن معلومات تقودني إلى ابني وسام". ويتابع: "تجار الموت هم من أضاعوا ابني، ولن يهدأ لي بال قبل الزج بهم في السجن".

ويضيف أنه بصدد جمع المعطيات والمعلومات التي تتعلّق بالمهاجرين غير الشرعيين والمفقودين في إيطاليا. كذلك يلتقي بشكل مستمر بأهالي المفقودين. ويقول حامد إنّ ابنه لم يتعد 20 عاماً، وهو بطل رياضي في المصارعة الحرّة. وتحصل على العديد من الميداليات، قبل أن يتلاعب به تجار الموت ويستغلون حالة اليأس التي كان يمرّ بها ويغرونه بالسفر إلى إيطاليا.

يروي حامد قصة ابنه، فيقول: "سئم العمل في مجمع النفايات، بخاصة بعد الثورة التونسية". ويضيف: "اتصل بوالدته بتاريخ 29 مارس/ آذار 2011 ليقول لها إنه في محافظة صفاقس وإنه امتطى قاربا ليتجه إلى لامبيدوزا، لكنّ أخباره انقطعت في تلك الرحلة الغامضة، التي أصبحت تعرف بالرحلة اللغز. فقد تم إنقاذ 56 مهاجرا، ومات 30 من بينهم أطفال ونساء، وما زال البقية في عداد المفقودين".

تنقّل حامد من محافظة إلى أخرى، ومن وزارة إلى وزارة بحثاً عن أيّ أمل. وينوي السفر إلى ليبيا في سبيل ذلك. وتعرّف بالكثير من الأهالي. يشعرون أحياناً بالأمل، وأحياناً أخرى باليأس. لكنّ ما يزيد لوعتهم هو شعورهم، أنّ السلطات التونسية تتعامل بقسوة معهم، ولا تريد بحث القضية.

يقول حامد: "ما بعث الأمل لدينا، بث القنوات الإيطالية شريط فيديو يظهر فيه مهاجرون غير شرعيين على متن قارب كان راسيا قرب السواحل الإيطالية. وكان أبناؤنا على متنه".
ويؤكد حامد أنّ زوجته تخضع اليوم لعلاج نفسي، وتتعاطى أدوية أعصاب، بسبب غياب ابنها. ويشير إلى أنّ منظم الرحلة استفزها بسبب تحرّكات العائلة الأخيرة والتي قادته الى السجن فحكم عليه بـ 3 أشهر. وبعد خروجه من السجن قال لها: "وسام مات في البحر. لا تنتظريه وأقيمي عزاءه". يومها حاولت المرأة حرق نفسها. ومنذ ذلك الحين وهي طريحة الفراش.

في منطقة الجبل الأحمر في العاصمة، ارتفاع كبير لنسبة البطالة، بالترافق مع التهميش. هناك كثير من شهداء الثورة. ومن هناك أيضاً غادر عشرات الشبان باتجاه إيطاليا "الجنة الموعودة". نجح بعضهم في الوصول إلى لامبيدوزا، فيما مات غيرهم، وفقد آخرون.

تقول هندة البكوش، وهي والدة أحد المفقودين، لـ "العربي الجديد": "ابني كان يبلغ من العمر 17 عاماً عندما هاجر في سبتمبر/ أيلول 2012 وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين". وتضيف المرأة التي بات منزلها تجمعاً لكلّ أمهات المفقودين في الحي: "لن أستسلم حتى أجد ما يقودني إلى حقيقة ابني ومصيره وهل هو حي أم ميت".

تؤكد هندة أنها سافرت إلى إيطاليا سابقاً، في رحلة البحث عن ابنها. وانها جمعت الكثير من المعطيات عن المركب الذي قيل إنه غرق في البحر، لكن لم يتم العثور على أي بقايا له. وتضيف: "سأسافر مجدداً إلى إيطاليا قريباً، رفقة محام لمعرفة مكان ابني. لديّ معلومات إلى أنّه على قيد الحياة، ولن أعود قبل الكشف عن هذا الملف".

التقت هندة في رحلتها الأولى إلى إيطاليا بفتاة تعمل في إحدى الجمعيات. وحصلت من خلالها على معلومات فيها وصف دقيق لابنها، ومن ضمنها وصف لوشم في كتفه. وقالت لها الفتاة إنّه نقل إلى مستشفى إيطالي مع مجموعة أخرى من الشبان. وتتابع هندة أنّ المعلومات تشير إلى تعرّض ابنها لصدمة جعلته يفقد الذاكرة، لينقل بعدها إلى عاصمة صقلية باليرمو.

وتكشف أنّها ذهبت إلى عدد من المعتقلات في إيطاليا، لكنّها منعت من الدخول بحجة عدم حملها ترخيصاً من الدولة التونسية.

من جهتها، تقول سميرة الطرودي، جارة هندة، إنّ المأساة توحّد أمهات المفقودين. وتضيف: "فقدت ابني رشدي. لم يخبرني أنه سيهاجر بطريقة غير شرعية، لكنه وعدني بتوفير مصاريف العلاج لكليتي المريضة فقد كان هاجسه الوحيد مرضي". وتضيف: "أتذكر أنه قال لي: لا أريدك أن تموتي أمام عينيّ".

تشير سميرة إلى أنّ اتصالاً خارجياً وردها. وسمعت فيه صوت شخص أجنبي وكان بجانبه شخص يبكي، أخبرها حدسها أنّه رشدي. لكنّ الاتصال انقطع. وتضيف: "وردني اتصال أخيراً من امرأة تعيش في الخارج، قالت لي إنّ رشدي موجود في إيطاليا رفقة مجموعة من الشباب وهم أحياء، لكنهم فقدوا الذاكرة".

سناء الزاوي أيضاً اختفى ابنها الذي لم يتعد 20 عاماً. تقول: "إحساسي كأم يخبرني أنه حي، لقد وردني اتصال بعد 6 أشهر. وسمعت كلمة آلو. ثم انقطع الاتصال، ولم أسمع أيّ خبر بعدها". وتضيف سناء أنّ الأمل الذي يتشبثون به "ليس مجرّد وهم، كما تروج السلطات الرسمية. وستظهر الحقيقة ذات يوم".

بدورها، تقول رئيسة جمعية "الخضراء" في إيطاليا ربح كرّيم إنّ لدى الجمعية معطيات تثبت أنّ عددا من المفقودين التونسيين أحياء، وموجودون في إيطاليا، بخاصة من هاجروا في 21 و29 مارس/ آذار، و29 أبريل/ نيسان، و6 سبتمبر/أيلول 2011.

وتضيف أنّ نائب السفير التونسي في إيطاليا رضا عزيز، أشار في يوليو/تموز 2011، إلى وجود ما لا يقل عن 1577 تونسيا مفقوداً. وتعلّق: "نتوقع أن تكون الأرقام قد ارتفعت خلال هذه الفترة، إذ هاجر العديد من الشبّان في 2012 و2013 و2014".

المساهمون