مفقودو إطفاء بيروت... قصّة ثلاثة شبّان غدرت بهم نخوتهم

11 اغسطس 2020
مفقودو إطفاء بيروت شربل كرم ونجيب وشربل حتّي (العربي الجديد)
+ الخط -

شربل كرم ونجيب وشربل حتّي، ثلاثة شبّان لبنانيين ما زالوا في عداد مفقودي انفجار مرفأ بيروت، والشبّان الثلاثة تربطهم قرابة، فالأول صهر الثاني وخال الثالث، والثاني ابن عم الثالث، وثلاثتهم عملوا في فوج إطفاء بيروت، وتنتظر عائلاتهم منذ أسبوع معرفة مصيرهم الغامض منذ 4 أغسطس/ آب الماضي، وهو يوم وقوع الانفجار المشؤوم.

يسرد والد نجيب، بشارة حتّي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، كيف أنّ ابنه تطوّع قبل 10 سنوات في الدفاع المدني في بلدته قرطبا، شمالي بيروت، وكان عمره وقتها 15 سنة، قبل أن ينتقل إلى فوج إطفاء بيروت قبل نحو ثلاثة أعوام، حيث يخدم زوج شقيقته شربل كرم، منذ ما يقارب 15 سنة، في حين أن ابن شقيقه، شربل حتّي، التحق بالفوج ذاته قبل ثلاثة أعوامٍ، وكان عمره حينها 18 سنة.

ويتذكر الأب ما تحلّى به الشبّان الثلاثة من حماس، إذ كانوا يندفعون للقيام بمهام الإنقاذ والإسعاف، رغبةً منهم بمد يد المساعدة، والتدخّل لتلبية أي نداء إنساني أو استغاثة. يضيف: "كانوا يقضون معظم أوقاتهم معاً، ويخافون بعضهم على بعض، حتّى شاء القدر أن نفقدهم معاً. إنّهم كالإخوة، حتّى أنّهم يتشابهون في الأخلاق، وفي النخوة والإقدام، وفي غيرتهم على وطنهم وشعبهم".

وأضاف: "المسؤولون عن الفوج يتفادون عادةً تكليفهم مع بعضهم بالمهمة نفسها، كونهم أقارب. كان من المفترض أن يكون نجيب مع شربل ابن عمّه في مهمّة مرفأ بيروت، قبل أن يطلب صهره شربل كرم من سائق سيارة الإسعاف أن يتركه يحل مكانه لأنّه أكثر معرفة بالمرفأ. التبليغ الذي وصل إلى فوج إطفاء بيروت كان حول نشوب حريق بحاوية مفرقعات، لكن المهمّة تحولت إلى مهمّة غدرٍ وقع ضحيّتها الشبّان الثلاثة من كثرة اندفاعهم".

كان الشبّان الثلاثة يندفعون للقيام بمهام الإنقاذ والإسعاف، رغبةً منهم بمد يد المساعدة، والتدخّل لتلبية أي نداء إنساني أو استغاثة

يفتقد الوالد ابنه البكر نجيب (26 سنة)، وابن أخيه البكر أيضاً شربل حتّي، ويتحسّر كذلك على صهره شربل كرم، والذي ترك طفلتين، الأولى بعمر سنتين ونصف، والثانية عمرها 11 شهراً، آملاً أن يسمع قريباً خبراً يضمّد لوعة الانتظار.

وقالت وفاء كرم، شقيقة شربل كرم وخالة شربل حتّي، عن شقيقها الوحيد، إن البسمة لم تكن تفارق وجهه، ويتداول الجميع محبّته لأهله وشقيقاته الثلاث وأهل بلدته قرطبا وأبناء شعبه، وتوضح لـ"العربي الجديد": "شربل مثال الأخ الحنون والكريم، فالأولوية في حياته لأهله وعائلته، وكان شديد الحرص على والديّ، وترك سكنه في مدينة جبيل، وانتقل للعيش مع أهله بعد أن قام بتجديد المنزل، وذلك باعتباره الابن الوحيد".

الصورة
مفقودو إطفاء بيروت شربل كرم ونجيب وشربل حتّي (فيسبوك)

 

وتتابع: "كان يردّد دوماً، إذا تركت لبنان لدقيقة واحدة أختنق وأموت. لم يؤذِ أحداً طيلة حياته، وكان يتفادى المشاكل، ويحرص على توطيد أواصر المحبّة. الكل يبكيه، حتّى الزبائن الذين عرفوه قبل أعوامٍ خلال فترة عمله في محلٍ بمنطقة عوكر".

تغص عينا وفاء بالدموع، وتقول: "كان سندنا في العالم، وكان فرحة ابنتيه أنجيلينا وكاترينا، كان يقضي أيام عطلته في اللّعب معهما، ومنحهما كل ما أمكن من غنجٍ ودلال، كما كان ناشطا على صعيد بلدته، ويندفع بحماسةٍ لتقديم المساعدة والدعم في أي مناسبة، ومثله نجيب وشربل حتّي. كان الشبّان الثلاثة على الدوام من أوائل الذين يستجيبون لأي نداء إنساني، كما رفعوا صليباً كبيراً قبل أعوامٍ قليلة عند مدخل البلدة".

 

وعن ابن أختها شربل حتّي، تقول: "منذ صغره تعلّق بخاله شربل، واعتبره مثله الأعلى، ورافقه في المصير الأخير. أخي حاول المستحيل ليكون ابن أختنا معه في الفوج نفسه، حتّى يحرص على سلامته، وقد عُرض على شقيقي منذ نحو عامين الاهتمام بالشؤون الإدارية في الفوج، غير أنّه رفض قائلاً: بدّي ضل ع الأرض، بدي ضل أنقذ أرواح. أرادوا لاحقاً تكليف ابن أختي بهذه المهام الإدارية، فرفض بدوره، قائلا: أريد البقاء مع خالي".

وتواصل القول عن شقيقها: "تم اختياره للسفر إلى فرنسا، وخضع لدورة تدريب، وتحدث بعدها عن مدى اهتمام فرنسا بسلامة رجال الإطفاء، على عكس دولتنا التي ترميهم بوجه النيران. والدي في حالة قهر بسبب ما حدث، إنّها مصيبة كبيرة على الجميع، فالأرواح لا تُعوّض، ونطالب بمحاسبة المسؤولين، ولن نقبل أن تذهب دماء شبابنا سدًى، ولن نسمح بأن يستمر التمادي في إهمال شباب وشابّات الإطفاء. لقد خسرنا أحبّتنا، ولا نريد أن تحترق قلوب المزيد من الأمّهات والإخوة كما احترقت قلوبنا".

المساهمون