مفاوضات "النهضة" تراوح مكانها: مجموعة فنية وترحيل ملء الخزان

17 مايو 2018
اتفاق على استمرار الاجتماعات (ميناسي وينديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -
انتهت، أمس الأربعاء، جولة جديدة من الاجتماعات التساعية بين وزراء الخارجية والري والمخابرات في مصر والسودان وإثيوبيا، حول قضية سد النهضة، بإصدار وثيقة من 5 اتفاقات رئيسية بهدف تقريب وجهات النظر المتعارضة بين مصر من جهة، والسودان وإثيوبيا من جهة أخرى، حول أخطار سد النهضة وعملية ملء خزان السد، وهي المشكلة الرئيسية التي تتناقض فيها الرؤى حول التقرير الفني الاستهلالي الذي أودعه المكتب الاستشاري الفرنسي المحايد، والذي أكد أن مصر ستتضرر بشكل كبير من انفراد إثيوبيا بإجراءات ملء السد لمدة 7 سنوات حسب مقترح أديس أبابا.

وقالت مصادر فنية ودبلوماسية مصرية، إنه من دون تقدّم ملحوظ يُذكر باستثناء الاتفاق على آلية تضمن الاجتماع مجدداً، انتهى اجتماع اللجنة التساعية على مستوى وزراء خارجية ومياه ومدراء مخابرات مصر والسودان وإثيوبيا حول أزمة سد النهضة، بعد جلسة استمرت لأكثر من 15 ساعة، بعدما بدأت متأخرة عن موعدها ساعتين لأسباب قيل إنها فنية.
وبحسب المصادر، فإن الجلسة التي عُقدت في العاصمة الإثيوبية "لم تسِر على أفضل ما يرام، واستمر التعنّت الإثيوبي تجاه المطالب المصرية"، متابعة "لكن المفاوضين المصريين كانوا أمام مهمتين أساسيتين، وهما ضمان استمرار آلية الاجتماعات والمفاوضات مفتوحة، والثانية هي إحداث اختراق في الموقف الإثيوبي بشأن المطالب المصرية".

وتؤدي البنود المتفق عليها بشكل عام إلى تأجيل حسم النزاع حول مسألة ملء الخزان إلى يوليو/ تموز المقبل على الأقل، فأهم بندين من البنود المتفق عليها ينصان على أن يقدّم الرئيس الحالي للجنة الفنية المشتركة لوزراء الري في الدول الثلاث إلى المكتب الفني الاستشاري قائمة بالتساؤلات والاستفسارات والاعتراضات والملاحظات التي تساور كلاً من إثيوبيا والسودان، انطلاقاً من حقيقة أن التقرير الاستهلالي لم يحظ بإجماع الدول الثلاث.

وبعد تلقي المكتب الاستشاري مجموعة التساؤلات، يودع تقريراً مكتوباً بالرد عليها خلال ثلاثة أسابيع، وسيرسل إلى الدول الثلاث، بما يتوافق مع العقد الموقّع مع المكتب منذ عامين، وكذلك مع الاتفاق الثلاثي حول السد الموقّع بين رؤساء الدول الثلاث في مارس/ آذار 2015. وبعد أسبوع من رد المكتب الاستشاري، يُعقد اجتماع تساعي جديد في القاهرة يومي 18 و19 يونيو/ حزيران المقبل، بحضور ممثلي المكتب الفني، ويتم خلال الاجتماع استعراض تقرير اللجنة الفنية المشتركة حول الرد الفني على التساؤلات والملاحظات السابق تقديمها.

وفي بند آخر، اتفق المجتمعون على تشكيل ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية"، على أن تُشكل المجموعة من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة، وتختص المجموعة بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف.
ومن المقرر أن تعقد المجموعة الجديدة 9 لقاءات كل منها على مدار ثلاثة أيام بالتبادل بين العواصم الثلاث، على أن تُقدّم تقريراً نهائياً لعملها في منتصف أغسطس/ آب المقبل، للمساعدة في تقريب وجهات النظر وتقديم حلول عملية لمشكلة ملء السد.


وجاء هذا الاتفاق تطويراً لمقترح مصري كانت "العربي الجديد" قد انفردت بنشره في يناير/ كانون الثاني الماضي، بتشكيل لجنة فنية - قانونية لإعادة تحليل اتفاق المبادئ الذي تم إبرامه في مارس/ آذار 2015، وكذلك إعادة تحليل الدراسات الفنية التي تم إنجازها حتى الآن، للمشاركة في صياغة الحلول النهائية التي تضمن لكل طرف حقوقه المائية كاملة، علماً أن إثيوبيا كانت قد رفضت هذا المقترح من قبل باعتبار أن الاتفاق ليس في حاجة لأي دراسات أخرى، وأن كل قراراتها تلتزم به.
واتفق المجتمعون على بند آخر بشأن إنشاء ما يسمى "صندوق البنية التحتية الثلاثي"، وتم الاتفاق على أن يُستخدم الصندوق لدعم الأغراض التنموية في كل دولة، على أن يعقد الاجتماع الأول بشأنه في 3 و4 يوليو/ تموز المقبل في القاهرة برئاسة رؤساء الدول والحكومات.

وعلى المستوى السياسي، وتفعيلاً للاتفاق بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والسوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ميريام ديسالين، تم الاتفاق على عقد قمة ثلاثية بين الدول الثلاث كل 6 أشهر في عاصمة من العواصم الثلاث، بصورة دورية عادية، حرصاً على تطوير العلاقات المشتركة وتصفية الأجواء والتغلب على الخلافات بشأن سد النهضة.

وتعكس هذه البنود تطوراً بطيئاً في مجريات التفاوض، إذ كانت إثيوبيا قد رفضت كل المقترحات المصرية في الاجتماع التساعي السابق في إبريل/ نيسان الماضي، وعلى رأسها وضع معايير لاختيار هيئة محايدة للتحكيم بين الدول والمكتبين الاستشاريين اللذين أعدا الدراسات الفنية، وذلك بعدما كانت إثيوبيا والسودان ترفضان سوياً إشراك البنك الدولي بصفة خاصة كجهة محايدة للتحكيم. وكانت مصر قد أعطت مساحة للدولتين الأخريين لترشيح جهات أخرى، لكن الجانب الإثيوبي بعدما كان يثير شكوكاً حول الخبرات المتاحة للتحكيم لدى البنك الدولي وغيره من الجهات الأفريقية الرسمية، عاد بالأمس وذكّر بأن الاتفاق الثلاثي لم يتطرق إلى مسألة الدراسات الفنية من الأساس، ولكنه وضع قواعد محددة، وأن أديس أبابا لن تخالف هذه القواعد في أي ظرف.

لكن الإرجاء الدائم لوضع حلول جذرية للقضية تضمن عدم الإضرار بمصلحة مصر، ما زال يقلق الدوائر الحكومية في القاهرة، فالاجتماع التساعي في أديس أبابا لم يتطرق بصورة مركزة للخلاف حول ملء الخزان، بل أحاله إلى اجتماعات لاحقة للتعليق على التقرير الجديد المنتظر من المكتب الاستشاري. وبالتالي تم إرجاء حسم مقترح كانت تداولته اللجنة الفنية لوزراء الري يتضمن أن تشارك مصر في تحديد الكميات التي سيتم تخزينها بشكل ربع أو نصف سنوي قبل فترة الملء الكلي، وأن يكون لها الحق في مراقبة دقة تنفيذ ذلك الجدول، ولا يكون لمصر أو السودان حق تغيير تلك الكميات خلال العام، ولا يكون لهما الحق في طلب وقف ملء الخزان في أي مرحلة.

وقالت مصادر إعلامية مصرية إن الدائرة الخاصة بالسيسي، والتي يديرها اللواء عباس كامل، مدير المخابرات العامة ومكتب رئيس الجمهورية وأحد أعضاء الوفد المصري في الاجتماع، أصدرت تعليماتها لوسائل الإعلام الموالية للنظام بالترويج لنجاح هذه الجولة وإشاعة أجواء إيجابية بشأن قرب التوصل إلى اتفاق يراعي حقوق مصر المائية، وذلك لامتصاص القلق والغضب الشعبي الذي تولّد بعد إقرار البرلمان قانوناً يفتح الباب لمنع زراعة أصناف معينة من الأرز والقصب وباقي المحاصيل المستهلكة لكميات كبيرة من المياه، الأمر الذي أصاب المجتمع بالإحباط من احتمال استسلام النظام للأمر الواقع الذي تحاول إثيوبيا فرضه.
وكان السيسي قد صرح في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سد النهضة" بعد اجتماع في أديس أبابا مع البشير وديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي، مخالفاً بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم لمواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، في ظل استمرار أعمال بناء السد التي وصلت إلى 65 في المائة، بحسب المسؤولين الإثيوبيين.