لا يختار الناس أسماءهم، ولا أسماء عائلاتهم، فهم يولدون بها، وتشكل جزءاً أساسياً من هويتهم، وكينونتهم. لكنّهم في بعض الأحيان، يصطدمون بأسمائهم، وخصوصاً على الصعيد الإجتماعي، ما يؤثر فيهم نفسياً. فالخجل والإحراج، صفتان ملازمتان لأصحاب الأسماء الغريبة. ولعلّ أمثلة عن أسماء عائلات مغربية، من قبيل طارو، والحنش، والمعزة، والذيب، والسطل، تكشف الكثير من هذا الإحراج، بطرافتها وغرابتها. ومع ذلك، نجد حامليها، يتعايشون معها، على الرغم من سخرية البعض منها. لكن البعض يسعى إلى تغييرها بالطرق القانونية اللازمة، بسبب ما قد ينشأ عنها من ضرر.
وتختلف ألقاب العائلات المغربية، الغريبة تلك، فبعضها يؤدي معنى سيئاً لشيء ما أو صفة، كلقب طارو، الذي يعني صندوق القمامة، والصكع الذي يعني عاق الوالدين. وهناك ما يأتي من عالم الحيوان، ومنها المعزة، والحنش، والذيب.
تبديل الاسم
من هؤلاء، محمد المعزة (عامل بناء في نهاية عقده الرابع) الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ اسم العائلة حوّل حياة أبنائه الصغار إلى جحيم لا يطاق، بسبب السخرية التي يتعرضون لها في الشارع والمدرسة، من جانب رفاقهم، الذين يشبّهونهم بالماعز. يضيف أنّه لم يكن يتعرض للتهكم، من رفاقه، عندما كان صغيراً، بسبب لقب العائلة، كما يتعرض أبناؤه اليوم. ويرى أنّ سبب ذلك يعود إلى تغير بعض القيم، في المجتمع المغربي، ومنها احترام الآخر "فقد بات عدم الاحترام سائداً اليوم، بعدما كان عيباً كبيراً في ما مضى".
في المقابل، هنالك بعض أسماء العائلات، التي تحمّل صاحبها، صفات سيئة، تقارن بين سلوكه واسمه. وإبراهيم الذيب (موظف حكومي) يختبر ذلك يومياً. يقول إنّ معاناته مع لقب العائلة، تكمن في محاولة البعض السخرية منه عبر مناداته باسمه الثاني فقط "الذيب"، دون اسمه الأول إبراهيم. وذلك بقصد التعبير عن صفات سيئة، يتهمونه بها، كالخبث والمكر، اللذين يتصف بهما الذئب.
ويشير إبراهيم، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنّه بات يشعر بالظلم والغبن، من جراء تعمد البعض إهانة كرامته، بالقول، على سبيل المثال، "إنك فعلا ذيب". وهذا ما دفعه إلى السعي، بشكل قانوني، لدى الإدارة المدنية المكلفة بتسجيل الأسماء، من أجل تغيير اسم العائلة، باسم جديد، لا يحمل مثل هذه السلبية.
وتتلقى مصالح الحالة المدنية، في مختلف مناطق المغرب، العديد من طلبات تغيير الأسماء الشخصية والعائلية، بسبب عدم رضى أصحابها عن أسمائهم تلك. ويتطلب الأمر، تقديم طلب إلى اللجنة العليا للحالة المدنية، يتضمن تحديد الأسباب التي تستوجب تغيير الاسم، وانتظار قرارها في هذا الشأن، الذي غالباً ما يكون إيجابياً.
خلف الأسماء
من جهته، يؤكد أستاذ علم الاجتماع عمر إبوركي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الاسم الشخصي يجسد دلالة رمزية، في تحديد شخص ما. أمّا الاسم العائلي فهو العلامة التي تجمع بين مجموعة من الأفراد، قد ينتمون لعائلة، أو أسرة واحدة.
وأفاد إبوركي أنّ الإسم يمارس شكلا من أشكال الضغط الثقافي، والاجتماعي، على حامله، إيجابا أو سلبا. ويرتبط ذلك بتفاعل الآخرين معه. ويشير إلى أنّ الأسماء تعبّر عن مدى الوعي الفردي، لدى رب الأسرة، الذي يمارس سلطته الأبوية، في تحديد هذه الأسماء، خاصة في المجتمعات العربية، التي تفرض فيها الأسماء فرضاً، في كثير من الأحيان.
وقال الباحث إنّ "هناك أسماء غير محببة اجتماعيا حتى من قبل أصحابها، ويمكن أن تسبب حرجا لهم". ويدعو، في هذا الإطار، إلى"إعداد معجم للأسماء والألقاب، وإمكانية تعديلها إداريا، حتى يتسنى لمن يكره اسمه العائلي، أن يصلح الخطأ، الذي تتحمله الإدارة والمواطن معا".
وسجل إبوركي وجود بعض الأسماء الاجنبية المتداولة في المغرب، والتي ترتبط بالفترات الاستعمارية. ويقول إنّ ذلك يعود إلى "انتشار الأمية، من جهة، والجهل بأهمية الاسم العائلي من جهة أخرى".
ويلفت إلى أنّ بعض الموظفين الإداريين المكلفين بالأسماء، يخطئون أحياناً، ويعطون المواطنين أسماء غير سليمة لغوياً، ما يجعلها مبهمة المعنى.
ويخلص إبوركي إلى أن كلّ "هذه العوامل تساهم، إلى جانب حيثيات أخرى، في تداول بعض الأسماء الشخصية، أو العائلية، الغريبة، في المغرب". ويشير إلى أنّ بعض الأسماء ليست سوى "ألقاب ألصقت بأصحابها، دون دراية بمعناها الحقيقي، بل أنّ منها ما بات يثير السخرية، من صاحبها، داخل المجتمع".