مع من أريد الذهاب للعيش؟

01 أكتوبر 2015
"خرفان/ هواتف"، جان لوك كورنيه
+ الخط -

تسلّل
أوجد بعيداً عن بيتي بسبب التزامات مهنية. أستطيع الدخول إلى بيتي من هاتفي المحمول بفضل برنامج معلوماتي وكاميرات وضعتها في الغرف. زيارة صالوني الخاص بهذه الطريقة السرية، هي بمثابة التوغّل في جمجمتي دون أن أعي ذلك. أفكاري وهواجسي (ليس سهلاً التمييز بين الأولى والثانية) هي أثاثي وكتبي ومدخنتي والأشياء الموزّعة هنا وهناك.

أقصد أن أفكاري ليست لي، إذ إن كل البيت مؤثث بأثاث من ماركة إكيا. لم أرَ بكل وضوح قط أن بعيداً عن التفكير يوجد أحد يفكر بي. وللمفارقة، مَن يفكر بي هو رئيس شركة سويدية، وأنا لم أزر ذلك البلد أبداً. من أي أمكنة غريبة تأتينا الأفكار التي نتخذها كما لو كانت ملكنا؟.

في البيت، يظهر ظل، وسريعاً يظهر الجسم الذي يعكسه. إنها صديقةٌ طلبتُ منها الذهاب إلى بيتي بين الفينة والأخرى لتلقي نظرة عليه وتسقي النبات. الفتاة لا تعرف أنني أربط الاتصال من غرفة فندق، لا تعرف أنني أراقبها. لسبب غير معروف، تجول الفتاة في الصالون بعد أن خلعت ملابسها وبقيت بالملابس الداخلية وهي تلمس كتبي وأشيائي وأثاثي، أي أفكاري. لكن أظن أنها فكرتي الخاصة (أو ربما هاجس من هواجسي)، أنا أعطيتها مفاتيح الشقة. كنت أعرف أن النساء يتجوّلن عاريات داخل جمجمتي ولكن ليس في بيتي.

أتيقّن بارتباك أن بحوزتي أفكاراً قليلة وكلها أفكار تعاني الفقر المدقع. صديقتي ليست سويدية هي من مقاطعة إكستريمادورا، لكنها تلائم كثيراً أثاث ماركة إكيا. جلسَت الآن على الأريكة التي جمعتها أنا شخصياً بصبر رجل يجمع نظاماً فلسفياً، وفتحت تلفازي الهولندي من ماركة فيليبس. وبدأت الشابة بالاستمناء، ساعتها خرجت بسرعة قصوى من جمجمتي (أم كان هذا بيتي؟)، وبقيت مندهشاً، كأنني لست أنا.

 

مناورة
حينما قرّر والداي الانفصال سألاني "مع من أريد الذهاب للعيش؟"، لكنني كنت بلغت الثلاثين من عمري وظننت أنه الوقت الأنسب لأستقل. إضافة إلى أنني لم أكن أريد أن أجرح مشاعر أحد إنْ اخترت بينهما.

بهذه الطريقة، ذهب كل واحد منّا إلى حال سبيله بعد تمزّق عائلي نادر الحدوث لم يكن يخطرعلى بال أحد. استأجرت شقة تدخلها الشمس من كل صوب وتوجد فيها شرفة كبيرة لأستطيع أخذ أصص زرع أمي، التي قالت إنها لا تريد رؤيتها مجدداً. كنت أسقيها بالعناية نفسها التي رأيت أمي تخصّصها لتلك النباتات وأتكلم مع أوراقها.

في الليل، كنت أطوف المنزل مراجعاً مفتاح الغاز وقواطع التيار الكهربائي بسحنة أبي التي تعكس تركيزه قبل ذهابنا للنوم. كان كل شيء يسير على ما يرام إلى أن قدم أبي إلى البيت ذات يوم بعد مرور بضعة أشهر على الانفصال.

وبعد فترة من اللف والدوران، اعترف لي أنه عاد لربط علاقته بأمي. الظاهر أنهما منذ الأسبوع التالي لانفصالهما أصبحا يلتقيان كل يوم ويخرجان لتناول الطعام معاً، لم يخطر على بالهما أخذي إليها قط.

إضافة إلى أنهما كانا يتردّدان على قاعات السينما والمسرح، وفي أكثر من نهاية أسبوع سافرا إلى باريس كأنهما شابان متهوّران يعيشان قصة حب غير مناسبة من كل الجوانب. قصارى القول، بينما كنت أسقي زرع أمي وأمارس وساوس أبي، الذي كان مهووساً بألّا أترك ضوء الممر مفتوحاً بعد ذهابي إلى النوم، كانا يعيشان الحياة التي كنت أستحقها أنا. عالم مختل الموازين.

استحييت أن أقول إنني أيضاً أريد الذهاب للعيش معهما، وبقيت وحيداً كأنني غريق في أعالي البحار. والأسوأ أنني أفكر كل الوقت أن كل ما جرى كان مجرّد مناورة من قبلهما لطردي من البيت. لو كان بيدي لتزوجت لكنني لا أعرف كيف تجري تلك الأشياء. نباتات الغُرانِق بحال جيدة، لكن المياه تتسرّب من سيفون المرحاض.


* ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي

* Juan José millas كاتب وصحافي إسباني ولد سنة 1946 في مدينة بلنسية. من أبرز أعماله رواية "العالم"


اقرأ أيضاً: صباحاً باكراً

المساهمون