معوقات سبيل الحج[2]... وكالات وهمية تحتال على اليمنيين عبر تأشيرات المجاملة

18 اغسطس 2018
شكاوى من غياب العدالة في توزيع تأشيرات الحج (Getty)
+ الخط -
قضى الأربعيني اليمني حسين محمد 4 أشهر في انتظار الحصول على تأشيرة الحج منذ إبريل/ نيسان الماضي، بعدما تقدم بأوراقه ودفع المبلغ المطلوب إلى وكالة لتفويج الحجاج في محافظة عدن، جنوبي اليمن، لكن اسمه لم يظهر في قائمة الذين حصلوا على فرصة الحج هذا العام، رغم أن أصدقاء له سجلوا أسماءهم لدى وكالات أخرى بعده بشهرين وحصلوا على التأشيرات، ما جعله متيقنا من أنه تعرض لعملية نصب واحتيال، خاصة بعدما ذهب إلى الوكالة للتأكد مما جرى معه بالضبط، لكنه وجدها مغلقة، وبعد تحريه عنها عرف أنها غير معتمدة من وزارة الأوقاف اليمنية، كما يقول، وهو ما حذر منه وزير الأوقاف والإرشاد بالحكومة الشرعية الدكتور أحمد عطية، والذي قال لـ"العربي الجديد": "حصة اليمن من تأشيرات الحج لهذا العام 24255 تأشيرة، توزع كلها عبر 151 وكالة حج وعمرة معتمدة لدى الوزارة في عموم الجمهورية، وتم نشر الإعلانات عنها عبر وسائل الإعلام المختلفة قبل تدشين موسم الحج"، مؤكدا أن وزارته تلقت شكاوى من مواطنين تعرضوا للاحتيال من قبل سماسرة ووكالات غير معتمدة، لكنه يقول إن إحصاء الشكاوى التي تستقبلها الوزارة سيتم بعد انتهاء موسم الحج بناء على فرز وتقييم وكالات الحج والعمرة.

تأشيرات المجاملة

عملية النصب والاحتيال على المواطنين من قبل سماسرة، وأصحاب مكاتب سياحية وهمية، ظاهرة قديمة جديدة، بحسب عبدالرحمن الصعفاني، مالك وكالة الملتقى للسفريات والسياحة والحج والعمرة، الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن تأشيرات المجاملة التي تمنح عبر السفارة السعودية في كل أنحاء العالم حسب النظم واللوائح السعودية، تفتح بابا للاحتيال على المواطنين من قبل أشخاص يتاجرون بها أو يدعون حصولهم عليها، وهو ما يؤكده مدير إدارة الإعلام بوزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للحكومة الشرعية يونس الشجاع، لـ"العربي الجديد"، غير أنه شدد على أن تأشيرات المجاملة غير نظامية ويستطيع العاملون في السفارة السعودية المتاجرة بها وبيعها، قائلا إن "المواطن يتحمل مسؤولية نفسه إذا وقع فريسة لعملية احتيال، فالقانون لا يحمي المغفلين، مشيرا إلى أن الوزارة تقوم سنويا بالإعلان عن وكالات الحج المعتمدة وتنشر تحذيرات للمواطنين من عمليات الاحتيال والسماسرة".

ويتفق حسين ناصر الخولاني، رئيس قطاع الحج والعمرة بالاتحاد اليمني للسياحة (منظمة غير حكومية تنسق مع الوزارة في قضايا الحجاج)، مع الشجاع، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن تأشيرات المجاملات تمنح بحسب اعتبارات السفارة السعودية، والتي منحت شخصيات يمنية سياسية واجتماعية 250 تأشيرة مجاملة في العام 2017، دون أن تعرف عنها وزارة الأوقاف والإرشاد شيئا، ولم يتم توزيعها عبر وكالات الحج المعتمدة، مضيفا أن هذه التأشيرات تفتح بابا للفساد.

ويقول وزير الأوقاف والإرشاد الدكتور أحمد عطية، إن تأشيرات المجاملة لا تمت لقطاع الحج والعمرة التابع لوزارة الأوقاف بصلة، قائلا "لا تعنينا، ولا نعرف عددها، ولا نتحمل مسؤوليتها"، مشيرا إلى أن تأشيرات الحج الممنوحة للجمهورية اليمنية قد استنفدت كلها عبر وكالات الحج والعمرة المعتمدة وانتهى التسجيل فيها يوم 1 إبريل/ نيسان 2018، وما يتم تداوله حالياً في الشارع عن أن هناك تأشيرات يتم بيعها عبر سماسرة، أو مكاتب وهمية، وأنها تابعة لقطاع الحج والعمرة بوزارة الأوقاف والإرشاد هو كذب ومحاولة للترويج واستغفال المواطنين للحصول على أموالهم عبر النصب والاحتيال.

وحذر قطاع الحج والعمرة التابع لوزارة الأوقاف، في بيان له بتاريخ 10 يوليو/ تموز الماضي، عموم مواطني الجمهورية اليمنية من التعامل مع ما يسمى بتأشيرات الحج المجاملة تحت أي مسمى ومن أي مؤسسة أو شركة أو جهة كانت، داعيا المواطنين إلى عدم الانجرار وراء مثل هذه الشائعات وعدم الاستجابة لهؤلاء المشبوهين والإدلاء بأية معلومات عنهم، وهو البيان الذي يؤكده الدكتور عطية.


تحذيرات من سماسرة التأشيرات

تنص المادة 310 من قانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 1994 على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة، من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره، وذلك بطرق احتيالية (نصب) أو اتخاذ اسم كاذب، أو صفة غير صحيحة"، ويؤكد الدكتور عطية أن وزارة الأوقاف والإرشاد أصدرت بيانا صحافيا عند تدشين التسجيل للحج في 5 مارس/ آذار الماضي، دعت فيه المواطنين الراغبين بأداء فريضة الحج للعام 2018 للتسجيل عبر الوكالات المعتمدة لتسجيل وتفويج الحجاج من خلال إعلان صادر عن قطاع الحج والعمرة التابع لوزارة الأوقاف شدد على تسجيل الحجاج في الوكالات المعلن عنها وبشكل مباشر عبر مكاتبها الأصلية، أو الفروع التابعة لها في المحافظات، واستلام سند رسمي بكامل المبالغ المدفوعة للوكالة، المقدرة بـ6700 ريال سعودي (964 ألف ريال يمني)، شاملة كافة الخدمات، بما فيها السكن في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والإعاشة لمدة 15 يوماً، بالإضافة إلى مبلغ 1400 ريال سعودي (204 آلاف ريال يمني) رسوم النقل الدولي من وإلى اليمن والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة، محذرا من دفع أي مبالغ إضافية تتجاوز المبلغ المحدد في الإعلان.

لكن وكيل قطاع الحج والعمرة بوزارة الأوقاف والإرشاد التابعة لحكومة مليشيات "أنصار الله" عبدالله عامر، يقول لـ"العربي الجديد"، إن تسيس فريضة الحج وتسليم إجراءات الحج لمن سماهم "عملاء السعودية"، ساهم في زيادة ظاهرة الاحتيال وأعمال السمسرة، وأن أشخاصا يتبعون لحكومة هادي يستخدمون سماسرة لإدارة عملية الحج، ولا توجد لديهم حتى مكاتب رسمية في الأراضي اليمنية التابعة لنفوذهم التي يدعون أنها محررة وتورد إليهم المبالغ بطرق غير قانونية، بعيدا عن وجود حسابات بنكية رسمية، أو إجراءات تتوافق مع الأنظمة المالية والمحاسبية المعروفة.


احتيال من نوع آخر

يؤكد الخولاني أن ثلاث وكالات للحج والعمرة سجلت حجاجا أكثر من حصتها، لكن وزارة الأوقاف والإرشاد بصدد التحقيق مع تلك الوكالات، وبالرغم من هذه الخطوات لمحاسبة المخالفين، يرى وكيل قطاع الحج والعمرة التابع للحوثيين أن هناك احتيالا من نوع آخر، يتمثل في التلاعب بالحصص المخصصة لكل محافظة، بخلاف اللوائح والقوانين المتبعة والتي تقضي بتوزيع حصة معينة لكل محافظة من محافظات الجمهورية اليمنية، وبمعدل ألف حاج لكل مليون نسمة من السكان، بالإضافة إلى فرض تسعيرة باهظة لبرنامج الحج الشامل، وبزيادة كبيرة عن العام الماضي، إذ وصلت الكلفة هذا العام إلى 8100 ريال سعودي (1152000 ريال يمني)، إضافة إلى مبالغ تبتزها شركات النقل من الحجاج تضاف إلى المبلغ المعلن بحجة فرض ضريبة القيمة المضافة السعودية في ظل حرمان بعض الشركات اليمنية من نقل الحجاج الذين لا يسمح لهم خلال الرحلة بالنزول من الباصات في أي نقطة عبور للراحة، وتتم معاملتهم معاملة السجناء والمعتقلين، كما يدعي.

بالمقابل يرد الدكتور عطية بأن منظومة الحج تخضع لاتفاقيات ونظم ولوائح تنظم العلاقة بين الجانبين اليمني والسعودي، وتقوم على التأكد من استيفاء كافة الخدمات التي يجب أن يحصل الحاج عليها، من سكن ونقل وإعاشة وخدمات وخلافه، موضحا أن توزيع التأشيرات للوكالات يتم حسب الأقدمية والتقديرات التراكمية لها، مع الحرص على أن تكون الوكالات في جميع محافظات الجمهورية.


إجراءات وزارية

يسافر الحجاج اليمنيون لأداء فريضة الحج برا، عبر منفذ الوديعة البري الواقع في محافظة حضرموت (الوادي)، في رحلة تستغرق 48 ساعة، وهي وسيلة السفر المتاحة، وفقا لإعلان قطاع الحج والعمرة التابع لوزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للشرعية عن أسماء الشركات والوكالات المعتمدة للمشاركة في تسجيل وتفويج الحجاج لموسم حج 1439هـ، ويرى الخولاني أن استئثار وزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للشرعية بالعمل وصناعة القرار يؤثر أحيانا بشكل كبير على جودة الخدمات المقدمة للحجاج، مؤكدا أن علاقة الاتحاد بالوزارة والتنسيق والعمل بين الاتحاد والوزارة لمناقشة قضايا التفويج والتسكين والنقل غير مستقرة، نظرا لهذا الاستئثار بصناعة القرار.

ويعترف وزير الأوقاف والإرشاد الدكتور أحمد عطية بأن طبيعة أعمال الحج لا تخلو من المشاكل مهما بلغت درجة الاستعداد، قائلا "الوزارة تتخذ إجراءات لتحسين منظومة الحج ولمواجهة الوكالات غير المرخص لها بتفويج الحجاج لمنع الاحتيال والحد منه، ولدينا ضمانات كافية لمعاقبة أي وكالة"، مشيرا إلى أن الوزارة "لديها فروع في جميع أنحاء الجمهورية وخط ساخن وايميل رسمي خاص بالحجاج، ولجنة خاصة لاستقبال الشكاوى لتعمل على حلها، كما تتفاعل مع أي مقترحات، بالإضافة إلى العديد من اللجان الأخرى التي تعالج مشاكل الخدمات على مدار الساعة"، لكن الخمسيني أحمد علي لم يميز بين وكالات الحج والعمرة المعتمدة وبين تلك الوهمية، إذ لم يطلع على إعلان الوزارة الذي حدد الوكالات المعتمدة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه تعرض للاحتيال وفقد قرابة المليون ريال، وقدم شكوى إلى وزارة الأوقاف والإرشاد، وما زال بانتظار ما ستفعله.