خلال بداية الثورة التونسية، أعربت مؤسسات المجتمع المدني عن خوفها في ظل استمرار التعذيب في السجون ومراكز الاعتقال. لكن أخيراً، وبهدف مساعدة ضحايا التعذيب وذويهم، أعلن عن افتتاح أوّل معهد لتأهيل الناجين من التعذيب، علماً أنه المؤسسة الأولى من نوعها في مجال إعادة دمج ضحايا التعذيب والتكفّل بهم. وتعد هذه المؤسسة فضاء للإصغاء والتوجيه من خلال متابعة الحالة النفسية والاجتماعية لضحايا التعذيب وعائلاتهم.
وقدّرت "المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب" عدد الحالات التي عانت جراء التعذيب بـ 400، فيما قالت "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" إن عدد الحالات وصل إلى نحو 280. وأعلنت 24 منظمة تونسية عن استمرار التعذيب في البلاد بعد الثورة.
تجدر الإشارة إلى أن حالات التعذيب أودت بحياة البعض، فيما ما زال آخرون يعانون في مراكز التوقيف أو السجون. كذلك، يعاني البعض بسبب تعرضهم للضرب، عدا عن التعذيب النفسي (شتائم وإهانات).
كثيرون من الذين تعرضوا للتعذيب باتوا قادرين على التوجه للمنظمات والجمعيات لتقديم الشكاوى ورفع الدعاوى في المحاكم للمطالبة بمحاسبة كل من تورط في تعذيبهم. وفيما عملت بعض الجمعيات على الدفاع عن هؤلاء، اختارت أخرى العمل على تأهيل هؤلاء، وخصوصاً الناجين منهم.
في السياق، تقول المتخصصة في علم النفس أنيسة بو عسكر إن "80 في المائة من ضحايا التعذيب يعانون من آثار ما بعد الصدمة، على غرار الاضطرابات النفسية. كذلك، يعاني 40 في المائة منهم من الاكتئاب الناتج عن التعذيب". تلفت إلى أن التعذيب عبارة عن "عملية تدمير شاملة من الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية".
من جهة أخرى، توضح بو عسكر أن مساعدة ضحايا التعذيب وإعادة دمجهم في المجتمع لممارسة حياتهم بشكل طبيعي يتطلب تضافر جهود الأطباء النفسيين والباحثين الاجتماعيين، بالإضافة إلى وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية ومكونات المجتمع المدني لإنجاح إدماجهم، والتخفيف من المشاكل النفسية والاضطرابات التي يعانون منها.
تضيف أن "غالبية ضحايا التعذيب يعانون من الخوف والاكتئاب وقلة الثقة في النفس، ما يجعل عملية دمجهم في الحياة العائلية والمهنية والاجتماعية صعبة، ويصبح غالبيتهم غير قادرين على التعامل مع الآخرين، بخاصة في سوق العمل".
في السياق، يقول أحد الموقوفين الذين تعرضوا للتعذيب إثر إيقافه بتهمة بيع الكحول، نضال بلقاسم أصيل (من منطقة سيدي حسين في العاصمة التونسية)، إنه تعرض للضرب على رأسه بالإضافة إلى إحراق جسده بالسجائر، ليدخل في غيبوبة استوجبت نقله إلى المستشفى، حيث مكث نحو أسبوع. ويوضح والد نضال محمد أنه قصد إحدى المنظمات المعنية بتأهيل ضحايا التعذيب، مضيفاً أن ابنه لم يعد قادراً اليوم على العمل والعودة إلى حياته الطبيعية بسبب الضرب الشديد، بالإضافة إلى الشتائم. كذلك، بات جسده ضعيفاً ولم يعد قادراً على العمل.
من جهتها، تقول مسؤولة "معهد كرامة" الدنماركي في تونس (المسؤول عن تمويل المشروع) لمياء لويز الشابي لـ "العربي الجديد"، إن "فكرة إنشاء المعهد انطلقت منذ عام 2012 مع مجموعة من خبراء الصحة وممثلي المجتمع المدني الناشطين في مجال تأهيل ضحايا التعذيب". وتشير إلى أن المعهد يعد استكمالاً للوحدة النموذجية للتأهيل، التي تمكنت من تقديم خدمات إصغاء وتوجيه لأكثر من 50 ناجياً من التعذيب بدءاً من يونيو/حزيران عام 2013 ولمدة عام. تتابع: "اليوم، جرى توسيع عمل هذه الوحدة من خلال إطلاق معهد يضم مجموعة من الخبراء الذين سيسعون إلى إعادة تأهيل الناجين من التعذيب ودمجهم في المجتمع".