معمر الأطرش (42 عاما) كان يعيل أسرة مكونة من سبعة أبناء، أربعة من الذكور، وثلاثة إناث، أكبرهم (17 عاما)، أُسر منذ أربعة أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل خلال مواجهات كانت اندلعت مع الاحتلال في منطقة باب الزاوية بمدينة الخليل، وقبيل استشهاده كان يبحث عن محامٍ كي يدافع عن نجله الأكبر خلال جلسة محاكمته المقررة الأسبوع المقبل في معتقل (عوفر).
لم يستيقظ عزيز الأطرش (71 عاما) وهو والد الشهيد من هول الصدمة بعد سماعه نبأ استشهاد معمر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يعرف أن ابنه كان في طريقه لكي يرافق شقيقه الذي يعيش بالقرب من الحرم الإبراهيمي في رحلة العمل بمصنع قريب للأحذية.
يحاول الرجل المسن أن يستجمع قواه خلال حديثه مع "العربي الجديد" وهو يروي هول ما رأى لدى مشاهدته مقاطع الفيديو التي انتشرت لجنود الاحتلال عقب إطلاقهم نحو عشر رصاصات باتجاه جسد نجله وتركه ملقى على الأرض، من دون تقديم المساعدة الطبية اللازمة له حتى فارق الحياة، وأعلن عن خبر استشهاده.
يقول الأطرش، إنّ "معمر المحبّ للحياة، صاحب الطموح والأحلام الكثيرة، كان في طريقه إلى عمله، لا لينفذ عملية طعن، إذ إنه تجاوز حاجز أبو الريش العسكري الذي يقيمه الاحتلال عند مدخل شارع الشهداء، وهذا الحاجز معروف عنه بدقة التفتيش".
في كل نقطة بجوار الحرم الإبراهيمي ثمة انتشار كبير لجنود الاحتلال، مهمتهم تنغيص حياة الفلسطينيين المارة هناك، وبالأخص أهالي شارع الشهداء والبلدة القديمة. يتساءل الوالد المصدوم "كيف يتذرع الاحتلال بعملية الطعن وحاجز "أبو الريش" لا يمر منه مسمار صغير، فكيف بسكين".
رحل الابن والصديق والجار يقول الوالد. يعيش معمر بجوار منزل والده، وكان دائما الصديق له، ويحرص في كل لحظة على مساعدته وتأمين بعض احتياجاته، كما كان يخبره بشكل متواصل عن أحلامه في بناء بيوت لأبنائه وتأمين مستقبلهم ورغبته في تحدي ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة.
"حتى اللحظة لم نصدق أن معمر قد مات"، كلمات مغموسة بالألم يقولها والد الشهيد، كون الجثمان ما زال محتجزا عند جنود الاحتلال. والداه وأطفاله السبعة يحاولون استعادة بعض الذكريات التي تركها خلفه قبل رحيله، بينما يبدو المشهد قاتماً، إذ أصبح البيت العتيق الذي يعيش فيه معمر حالك الظلمة، غابت عنه ابتسامات أبنائه وانتظار موعد عودته لاحتضانه من جديد.
في منزله يعلو ضجيج الحزن على فراق معمر الشهيد الهادئ المتواضع المحبوب من قبل الجميع، صاحب القلب الطيب كما يقول والده، بينما ينتظر العشرات من أقاربه أن يسلم جنود الاحتلال جثمانه.