معك حق دولة الرئيس
يطالب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بضبط دولي للحدود السورية العراقية. معك حق مائة بالمئة. من يختلف معك، سيد عبادي، في طلبٍ كهذا؟ لا أحد، إلا الدواعش، ومن لفَّ لفَّهم. آمل أن ترفع صوتك في هذا الموضوع أعلى، مثلما فعلتَ بخصوص القوات التركية التي انتهكت السيادة العراقية، وتمركزت "بلا إحم أو دستور" داخل الأراضي العراقية. وإن كان اختلف معك بعض الذين لا يهتمون بما للسيادة من أهميةٍ في المنطقة العربية، هذه الأيام، ولا يرفعون التراب الوطني إلى مستوى القدسية، فإن قلةً ستختلف معك في هذا الطلب. وقد تكون هذه "القلة" من "أهلك" و"عشيرتك": أقصد التحالف الوطني والحشد الشعبي. لكن، من يهتم لهذه القلة إذا كان معك الشعب كله، والعالم العربي كله، وربما العالم كله. فكيف ستنتصر على "داعش" والحدود مفتوحة مع "تنظيم الدولة"، والمدد متواصل من معين البغدادي الذي لا ينضب؟ فها نحن نرى كيف تسوء الأمور، عندما تبدو أنها تتحسن. فما إن تتمكن القوات العراقية، والنفير الشعبي الذي يلتف حولها، من تحرير منطقةٍ، أو مدينة، من قبضة "داعش" حتى تعود الأخيرة، وتستولي على ما تمَّ تحريره! شيء غير معقول، بل شيء مستفزّ. يعني أن كل التضحيات البشرية والمادية تذهب هباءً منثوراً. لماذا؟ لأن لا أحد يضبط الحدود السورية العراقية.
سمعتك تقول هذا (أعني شيئاً يشبهه) مع رئيس الوزراء الأسترالي الزائر، على الرغم من أن هذا رفض طلباً أميركياً برفع مستوى انخراط قوات بلاده في "التحالف الدولي" ضد داعش، ولكنك لم تترك المناسبة تمرّ. استفدت منها جيداً، فرئيس وزراء أستراليا هو، بعد كل شيء، حليف وثيق للغرب، وربما يعتبر بلاده غرباً، على الرغم من أنها تقع في أقصى الشرق. ولهذا، فإن أي كلام في حضرته ستسمعه واشنطن ولندن وباريس وبرلين وغيرها. لكن، هناك مشكلة واحدة سيد عبادي. ربما أكثر من مشكلة. ولكن، دعنا نبدأ بواحدة واضحة فاتتك تماماً، يبدو أنها انزلقت من ذهنك، وأنت تطالب العالم بالمساعدة في ضبط الحدود مع سورية. لقد نسيتَ أن الحدود ليست في اتجاه واحد، فهناك أيضا الحدود السورية مع العراق. ماذا بشأنها؟ لم أسمعك تأتي على ذكرها قط. ألا يعبر هذه الحدود، براً وجواً، المدد العسكري الإيراني، والمليشياوي التي لا يقلُّ تدفقه على بشار الأسد من تدفق الدواعش على البغدادي؟ غريب كيف نسيت ذلك. فإذا كانت المناطق السورية المحاذية للعراق تمدُّ البغدادي بجنوده وانتحارييه، فإن أعماق العراق وإيران وأفغانستان (ناهيك عن لبنان) تمدّ الأسد بأسباب بقائه. وهذا يعني المزيد من موت السوريين بالبراميل والقذائف والغازات.. وأخيراً بالتجويع. وأنا لا أستثني أحداً في سورية. ولا أفرِّق بين منطقة مجوَّعة وأخرى مجوَّعة، بصرف النظر عن الشعارات المرفوعة على مقابر هذه المناطق. تلك شعارت لا تسمن ولا تغني من جوع. وهذا واضح.
نحن معك مائة بالمائة في مطالبتك العالم (رغم ما في ذلك من انتهاك بعض الشيء للسيادة الوطنية!) بضبط الحدود التي يأتي منها الدواعش. ولكن، عليك أن تضبط الحدود التي تأتي منها المليشيات، إن كنا نريد نهاية قريبة للمأساة السورية التي انعكست (وستظل تنعكس) على العراق. ثمّ كأنك نسيت أنك عضو في تحالف آخر، مختلف عن الذين تطالبهم بضبط الحدود مع بلادك. ألست عضواً في التحالف الإيراني الروسي الأسدي ضد الإرهاب؟ أم أن هذا، على الرغم من براميله وصواريخه البالستية، غير قادر على ضبط الحدود؟ عليك أن تقرّر سيد عبادي. لقد استبشر العراقيون خيراً بعهدك، لكنك لم تمض في وعودك الوطنية والسيادية (على غير صعيد وليس في مواجهة الأتراك فقط) قدماً. قرِّر سيد عبادي. أعد حساباتك. توجَّه إلى الشعب العراقي الذي سئم الموت والدمار والعيش في الدرجة صفر على مستوى الخدمات الأولية، في بلد قد يكون الأغنى في العالم العربي. قرِّر. احسم أمورك. توجَّه إلى الناس الذين استبشروا بك. وانظر إلى الحدود من جانبين.