معطيات جديدة في "ثورة السكاكين"

08 نوفمبر 2015
من كان يتوقع أن تأتي الردود بهذه القوة(فرانس برس)
+ الخط -
أثناء إبعاده إلى مرج الزهور، في جنوب لبنان سنة 1922 – 1993، أطلق الباحث الفلسطيني، الدكتور بسام جرار، مقولته الشهيرة المحددة لنبوءة زوال دولة إسرائيل في عام 2022، والتي أقامها على جملة من الاستقراءات القرآنية والتاريخية، المتوسلة في كثير من محاورها وموادها بالاستقراء العددي لآيات القرآن وحوادث التاريخ.


كان من الطبيعي أن تختلف الأنظار في تقييم بحث الدكتور جرار، سواء أكان بموافقته على نتائج بحثه، أو مخالفته فيها، فالقضية محل البحث عارية عن قواطع الأدلة، ولا يمكن القطع بتاريخ محدد لتحقق تلك النبوءة الواردة في أوائل سورة الإسراء.

حتى إن الدكتور جرار نفسه وهو يشرح ويفصل أدلته لم يجزم بما يقول، وإنما قدم رؤيته بناء على استقرائه وتحليله ومقارنته، التي قادته إلى تلك النتيجة بحسب غلبة الظن بناء على ما تحصل لديه من توافقات وتطابقات عجيبة في التواريخ والأرقام القرآنية والتاريخية.

في خطبة له، تناول الداعية الفلسطيني، المقيم في النمسا، عدنان إبراهيم، المعروف بنقده الشديد للنسق الديني السائد، موضوع نبوءة زوال دول إسرائيل محدداً هو الآخر سنة 2022 موعداً لتحققها، مستشهداً بما نسبه إلى وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر من أنه قال في تصريحات صحفية سنة 2012 (New York Post) "إن دولة إسرائيل لن تكون موجود بعد عشر سنوات" ما نصه بلغته الأصلية " In 10 years, there will be no more Israel".

من وجوه النقد الموجهة لمقولة جرار، استبعاد وقوع تحولات كبرى تدفع باتجاه تهيئة المناخات والأسباب لتحقق تلك النبوءة في فترة زمنية محدودة، في ظل أبجديات التفكير السُّنني الذي يربط النتائج بمقدماتها وظروفها الموضوعية، واستحضار ميزان القوى في المنطقة، إذ كيف يمكن تصور رجحان ميزان القوى لصالح الفلسطينيين والعرب والمسلمين، في ظل ما تمتلكه دولة إسرائيل من آلة عسكرية هائلة، مدعومة بدعم أميركي مفتوح ومتواصل، وضعف عربي رسمي لا يملك استقلالية رسم سياساته، واتخاذ قرارته؟

غالباً ما تُقام الحسابات المادية بناء على معطيات الراهن المادي، مع استبعاد تام لأية عوامل أو معطيات غير منظورة يستبعد الذهن وقوعها في المدى المنظور، مع أنها قد تكون قيد التشكل والتخلق بصمت في عالم الغيب، لتظهر فجأة أمام الناس، قالبة سائر معادلاتهم، ومربكة جميع حساباتهم، ولتحملهم قسراً على إعادة النظر في أحكامهم وتقييماتهم.

ظهر ذلك جلياً في أحداث ووقائع الهبّة الشعبية الفلسطينية الحالية، أو ما بات يسمى بــ"الانتفاضة الثالثة" أو "انتفاضة الأقصى"، فمن كان يتوقع أن تأتي ردود أفعال شباب فلسطين بهذه القوة والجسارة والشجاعة؟ وهل كانت دولة الاحتلال نفسها تحسب أنها ستواجه هذا اللون من المواجهة المستميتة، التي يفرضها عليها الشباب الفلسطيني بأعمال ارتجالية فردية؟

إن أغلب هذا الشباب الفلسطيني المتوقد حماسة، والمشتعل غضباً، والذي يفرض إيقاعه على المواجهات الدائرة، نشأ وعاش في ظل سلطة "أوسلو"، بنسقها الثقافي الانهزامي، وسلوكها السياسي التصالحي مع العدو الصهيوني، فلم يتشكل وعي أولئك الشباب على ثقافة المقاومة والمواجهة، ولم يشهد مرحلة عنفوان الثورة بتفاعلاتها وتأثيراتها في الأوساط الفلسطينية المختلفة، فمن أين انفجرت كل براكين الغضب في دواخل الشباب، ليتحول الواحد منهم إلى أسد مفترس يبحث عن طرائده لينقض عليها طعناً ودعساً وقتلاً؟

شباب كان يحسبهم الناظر إليهم بحسب مظاهرهم الخارجية، واهتماماتهم الحياتية، أنهم ليسوا جيل الثورة، ويفتقرون إلى روح النضال والكفاح والمواجهة، فإذا بأفعالهم البطولية تقلب المعادلات، وتغير سائر الحسابات، وتحمل العدو الصهيوني على مراجعة تقديراته، وإعادة  النظر في سياساته، والسعي الحثيث سياسياً ودبلوماسياً للالتفاف على هذه الروح النضالية المتدفقة التي سرت في الشباب الفلسطيني هكذا بألقها وعنفوانها الثوري المتأجج.

أليس في مثل هذه الحالة الثورية التي جاءت على خلاف كل التوقعات، في الداخل الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي، ما يعزز إمكانية اجتراح جملة أفعال تؤسس لإحداث تحولات وتغيرات تجعل ما يراه الناظر، صعب المنال، بعيد الوقوع، سهلاً ممكناً؟

قد تصدق حسابات المحددين لزوال دول إسرائيل في عام 2022، وقد لا تكون كذلك فيكذبها الواقع، لكن إرهاصات زعزعة هذا الكيان المغتصب آخذة في الازدياد، فبعد أن شاعت وترسخت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر لعقود خلت، إذا بها خرافة تتهاوى تحت وقع ضربات شباب الحجارة والسكاكين، فكيف لجنود ذلك الجيش يهربون ويفرون وهم في كامل عدتهم العسكرية، أمام شباب لا يمكلون إلا الخناجر والسكاكين؟

الصورة فضحت ذلك الجندي "الأسطورة"، وكشفت عن هشاشة عقيدته وروحه القتالية، وأظهرت في الوقت نفسه شجاعة وبسالة وجسارة الشباب الفلسطيني، وهو ما يأذن بقلب المعادلات، وإعادة النظر في سائر الحسابات، كإرهاصات بين يدي أحداث جسام لا يدري أحد متى تنقدح شرارتها على أرض فلسطين.

(الأردن)
المساهمون