معضلة ولي العهد السعودي

29 أكتوبر 2018
+ الخط -
اعتقد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أنه يملك تفويضا أميركيا مطلقا لاتخاذ القرارات التي تحلو له، بدون رقيب ولا حسيب، حتى وصلنا إلى قضية مقتل الكاتب جمال خاشقجي التي تجاوزت كل الخطوط الرئيسية التي تؤطر السياسة الخارجية، من قبيل الديمقراطية وحرية التعبير والإجراءات القانونية السليمة، بل إن عملية قتل خاشقجي تثير أسئلة ذات علاقة بسياسة براغماتية، لا تعترف بالقيم والأخلاق والمشاعر، كما أنها قاسية، ولا تعرف الرحمة.
لقد تمنّى ولي العهد وتمنى قبلها معركة خاطفة في اليمن، سرعان ما تحولت إلى محرقة حقيقية، كما اعتبر انهيار قطر لن يتجاوز بضع ساعات، إذ سعى في حصارها إلى تأسيس معارضة، وقلب نظام الحكم فيها لكي يملي سياسته.. وأراد في لبنان أن ينتزع حزب الله في إطار صراعه معه، مستثمرا ورقة سعد الحريري. وذلك كله لكي يعلن نفسه، وبكل سذاجة، السيد المطاع في جزيرة العرب ومضاربها، لكنه فشل فشلا ذريعا، وصُدم بالواقع العصي، وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه بحدة: بعد كل الذي كان؛ هل المملكة ذات الأهمية الاستراتيجية الحيوية ستكون بخير تحت ولايته؟
يمكن تفهم وضعية محمد بن سلمان المقلقة، سيما وأنّه لم يكن ليؤخذ على محمل الجد عندما ظهر على مسرح الأحداث، ولم يتمكّن من فرض نفسه إلا بمعركة تكسير العظام التي استهدفت تصفية مراكز القوة المنافسة، ما خوّله السيطرة التامة على الجيش، وبات الشخص الذي لا يمكن تجاوزه في كل صغيرة وكبيرة، وهو لا يملك عصبية أسرته، وخصوصا إخوته الأمراء المهمشين، فهو وحيد بدون دعم على رأس الهرم، ليس له بعد أبيه الملك، إلا بطانة نكرة بدون امتداد تدين له بالولاء المطلق، وجماعة من التكنوقراط المنتفع، تخوض معارك قائدها المتضخمة الأنا نيابة عنه، وقد اعتقد وجماعة تسويق "التحديث" المزيف أن التدابير "التجميلية"، على غرار قيادة المرأة السيارة وفتح دور السينما والمسارح، كفيلة بتدشين عهد جديد في المملكة، وأن القاعات التي تعرض أفلام هوليود وديزني قد تخفف من وطأة مشكلات هيكلية، وأنّ هدر المقدارت والثروات لأجل تلميع صورته خارجيا في محاولة ناجحة لتثبيت أركان انقلابه داخل القصر الملكي بدت متصدّعة، على الرغم من أنه كان للعربية السعودية متسع من الوقت، وما يكفي من الأموال لتحويل نفسها إلى دولة حديثة، تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لكنها تجنبت هذا الاختيار عن قصد.
من المتوقع أن يتم الدخول فيما تسمى "لعبة العروش"، ويتطور صراع السلطة داخل عائلة آل سعود إلى مواجهة دموية، إذا لم يتم تدارك الوضع بسرعة، سيما وأن من الضروري استخلاص شيء ما مما جاء في تصريح ولي العهد السعودي، بأنه لا يوجد شيء سيحول بينه وبين الوصول إلى العرش سوى "الموت"، أي أن محمد بن سلمان جاء ليبقى، وأن الطريقة الوحيدة للتخلص منه تبقى دراماتيكية.
إذا كان آل سعود الذين تفاخروا وقتا طويلا بأنهم، وبخلاف الإمارات والسلطنات السابقة التي حكمت الجزيرة العربية، تجنبوا الصراعات الدموية على السلطة فيما بينهم، فإن الوضع تغير الآن، فمؤامرات القصر الصامتة التي كثيراً ما تكون جزءاً من تدبير جماعة آل سعود، اندلعت وأصبحت معروفة علنا، حتى أضحى لكل معارضة تخرج من السعودية علاقة بصراع الأمراء السعوديين، إذ يوجد جيش كامل من أمراء آل سعود (محمد بن نايف وآخرون) تم تهميشهم. والخطير في أنه لا توجد ميكانزمات معيارية أو غيرها تمنع ظهور صورة طبق الأصل من محمد بن سلمان، قادرة على أن تستأثر بمجموع السلطات وتضر بمصالح المملكة.
لم يَدَع ولي العهد مجالاً للشك في أن صراعاً حقيقياً على السلطة يدور الآن، ليس فقط ذلك الذي دار في أروقة فندق الريتز كارلتون، والذي كان من أبرز سجنائه رجل الأعمال الثري الأمير، الوليد بن طلال، بل ويدور أيضاً أخيرا في سجن الحائر سيء الذكر، حيث يقبع فيه آلاف السعوديين الذين عادة ما يسجنون بدون ضمانات قضائية، أو محاكمات عادلة، لقد أضحى محمد بن سلمان يحكم بقبضةٍ حديدية، بعد أن تمّ التمنع على توظيف وسائل أخرى أكثر سلاسة، فهو لا يلتفت إطلاقا لإجماع عائلته ولا لإقرار المجتمع.
بعد أن فقد ولي العهد دعما كثيرا يسمح له بالحكم من دون اللجوء إلى القوة المباشرة، أوجد لنفسه مزيدا من الأعداء بين أقاربه. لذلك من غير الواضح كيفية معالجة أي تصدّع من دون اللجوء إلى مزيد من القمع، في ظل الفشل السياسي في إدارة الأزمات، والترنح المكشوف الذي أبان عن انعدام الوضوح في الرؤية.
في الماضي، ظهرت بوادر أمل لدى بعض المواطنين، وبعض أفراد العائلة المالكة، عن أشكال جنينية وأولية للتمثيل السياسي، لكن الدعوات إلى إرساء نظام ملكي مضبوط دستوريا، ألقت مؤيديها في غياهب السجن. وفي هذه الأثناء، الرغبة في استبدال، محمد بن سلمان، والانتقال نحو نظام ملكي دستوري قد يبدو أقرب إلى التفكير بالتمنّي البعيد عن الواقعية والعقلانية، فهل هناك، مع ذلك، أمل في التغيير؟
BD18E02B-405D-45C5-BA93-662A6CBCE4D5
BD18E02B-405D-45C5-BA93-662A6CBCE4D5
محمد مونشيح (المغرب)
محمد مونشيح (المغرب)