06 نوفمبر 2024
معضلة بوتين السورية
يبدو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في المرة الثانية التي يعلن فيها سحب الجزء الأكبر من قواته من سورية (كانت الأولى في مارس/ آذار 2016)، أكثر ثقةً بأن أهداف حملته العسكرية، أو معظمها، قد تحققت، إذ وأد أحلام التغيير في سورية، واستتباعاً في المشرق العربي، وقرّر أن لا ثورة هنا تصل أصداؤها إليه هناك. لكن الرجل الذي يؤمن "بفضائل" القوة واستخداماتها، وقد استخدمها في سورية بكيفيةٍ استعراضية، وهمجية أيضاً، إرضاءً لغروره الذي ثلمه الأميركيون في أوكرانيا، بدأ يدرك أن للقوة حدوداً فيما تستطيع تحقيقه، وأن نصره السوري "المبين" مهدّد بالضياع، لا بل يمكن أن يتحول إلى مصيدة، إذا هو لم يتمكّن تثميره سياسياً، وهو على ما يبدو هدف جولته الشرق أوسطية الراهنة.
بدأ بوتين من حيث أراد أن ينتهي بزيارة غير معلنة إلى القاعدة العسكرية التي بات يملكها في سورية، ومنها أعلن انتصاره في "الحرب على الإرهاب"، بطريقة نكهتها الأميركية ظاهرة (قارن إعلان بوش الابن "إتمام المهمة" بعد سقوط بغداد). وعلى الرغم من أنه وجه رسائل في مختلف الاتجاهات، فإن رسالته الأهم هنا كانت إلى الداخل الروسي الذي يستغل بوتين عطشه إلى أمجاد ضاعت في خضم الانهيار الكبير، والهزيمة المذلة أمام الغرب في الحرب الباردة، وتوظيف صوره واقفاً على حطام السوريين للفوز بشعبيةٍ على أبواب انتخابات رئاسية مهمةٍ العام المقبل.
لكن هذا كله، ومعه المكاسب الاستراتيجية الأخرى قد تضيع، إذا لم يستطع بوتين تحويل "إنجازاته" الميدانية إلى حالةٍ مستقرة مقبولة سورياً واقليمياً، لأن البديل هو استمرار الاستنزاف العسكري المرهق مادياً وبشرياً والمكلف سياسياً وشعبياً. لذلك، يغدو قرار الانسحاب هنا عديم المعنى، إذا كانت تستتبعه عودة القوات، في كل مرة، لحماية النتائج المتحققة، كما أشار بوتين، في خطابه أمام جنوده المغادرين في قاعدة حميميم. من هذا الباب، يستكمل الرئيس الروسي جولته في المنطقة بزيارة القاهرة وأنقرة، حيث يحاول تحقيق هدفين أساسيين: الأول، إقناع مصر المساهمة في تشكيل قوة حفظ سلام، لتكريس التهدئة في مناطق خفض التوتر التي جرى التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأنها في أستانة في مايو/ أيار الماضي. والمعروف أن بوتين أشرك القاهرة (بوكالة سعودية) في التوصل إلى اتفاق خفض التصعيد في منطقتين رئيستين، الغوطة الشرقية في دمشق وريف حمص الشمالي، وهو يريد من ثم إقناعها بإرسال قوات حفظ سلام إلى هاتين المنطقتين، وحاول بوتين إغراء مصر المتمنعة، بموافقته على استئناف العلاقات السياحية والرحلات الجوية معها، والتي توقفت عقب تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وكان بوتين سمح لتركيا بإرسال جيشها في أكتوبر الماضي لإقامة نقاط مراقبة لتنفيذ اتفاق خفض التصعيد الذي جرى التوصل إلى تفاصيله في إدلب في شهر أيلول الماضي.
أما الهدف الثاني الذي يسعى بوتين إلى تحقيقه من زيارته الشرق أوسطية، التي طغت عليها المسألة السورية، فهو تأمين دعم إقليمي لإقناع المعارضة السورية المشاركة في مؤتمر سوتشي للحوار الوطني الذي جرى تأجيله مرتين بسبب رفضها له، وهو يعد جزءًا من خريطة الطريق التي يأمل بوتين نجاحها لتأمين استثماراته السورية.
يؤمن بوتين أن نصره السوري معلقٌ، بشكل مطلق، بمدى قدرته على تحقيق حل سياسي ما للصراع، فهو لا يستطيع خوض هذه المعركة إلى ما لا نهاية، وإلا فإن سورية تتحول من رافعة لنفوذه الإقليمي والدولي إلى ساحة استنزاف كبرى، وبوتين الذي عاصر حرب أفغانستان أكثر من يدرك معنى ذلك. كما يدرك أن سورية ليست الشيشان، حيث تقف الجغرافيا في صفه. الحدود هنا مفتوحة على دول عديدة، واللاعبون كثيرون وطامحون. لذلك لا بد من حل سياسي، ينهي الصراع، يعود على روسيا بنتائج تتناسب مع حجم استثماراتها، ويحدّ من طموحات إيران التي ترجو اليوم انسحاب روسيا من سورية، بعد خطاب "إتمام المهمة" في حميميم، كما كانت تنتظر انسحاب أميركا من العراق، بعد خطاب "إتمام المهمة" من على ظهر حاملة الطائرات، أبراهام لينكولن.
بدأ بوتين من حيث أراد أن ينتهي بزيارة غير معلنة إلى القاعدة العسكرية التي بات يملكها في سورية، ومنها أعلن انتصاره في "الحرب على الإرهاب"، بطريقة نكهتها الأميركية ظاهرة (قارن إعلان بوش الابن "إتمام المهمة" بعد سقوط بغداد). وعلى الرغم من أنه وجه رسائل في مختلف الاتجاهات، فإن رسالته الأهم هنا كانت إلى الداخل الروسي الذي يستغل بوتين عطشه إلى أمجاد ضاعت في خضم الانهيار الكبير، والهزيمة المذلة أمام الغرب في الحرب الباردة، وتوظيف صوره واقفاً على حطام السوريين للفوز بشعبيةٍ على أبواب انتخابات رئاسية مهمةٍ العام المقبل.
لكن هذا كله، ومعه المكاسب الاستراتيجية الأخرى قد تضيع، إذا لم يستطع بوتين تحويل "إنجازاته" الميدانية إلى حالةٍ مستقرة مقبولة سورياً واقليمياً، لأن البديل هو استمرار الاستنزاف العسكري المرهق مادياً وبشرياً والمكلف سياسياً وشعبياً. لذلك، يغدو قرار الانسحاب هنا عديم المعنى، إذا كانت تستتبعه عودة القوات، في كل مرة، لحماية النتائج المتحققة، كما أشار بوتين، في خطابه أمام جنوده المغادرين في قاعدة حميميم. من هذا الباب، يستكمل الرئيس الروسي جولته في المنطقة بزيارة القاهرة وأنقرة، حيث يحاول تحقيق هدفين أساسيين: الأول، إقناع مصر المساهمة في تشكيل قوة حفظ سلام، لتكريس التهدئة في مناطق خفض التوتر التي جرى التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأنها في أستانة في مايو/ أيار الماضي. والمعروف أن بوتين أشرك القاهرة (بوكالة سعودية) في التوصل إلى اتفاق خفض التصعيد في منطقتين رئيستين، الغوطة الشرقية في دمشق وريف حمص الشمالي، وهو يريد من ثم إقناعها بإرسال قوات حفظ سلام إلى هاتين المنطقتين، وحاول بوتين إغراء مصر المتمنعة، بموافقته على استئناف العلاقات السياحية والرحلات الجوية معها، والتي توقفت عقب تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وكان بوتين سمح لتركيا بإرسال جيشها في أكتوبر الماضي لإقامة نقاط مراقبة لتنفيذ اتفاق خفض التصعيد الذي جرى التوصل إلى تفاصيله في إدلب في شهر أيلول الماضي.
أما الهدف الثاني الذي يسعى بوتين إلى تحقيقه من زيارته الشرق أوسطية، التي طغت عليها المسألة السورية، فهو تأمين دعم إقليمي لإقناع المعارضة السورية المشاركة في مؤتمر سوتشي للحوار الوطني الذي جرى تأجيله مرتين بسبب رفضها له، وهو يعد جزءًا من خريطة الطريق التي يأمل بوتين نجاحها لتأمين استثماراته السورية.
يؤمن بوتين أن نصره السوري معلقٌ، بشكل مطلق، بمدى قدرته على تحقيق حل سياسي ما للصراع، فهو لا يستطيع خوض هذه المعركة إلى ما لا نهاية، وإلا فإن سورية تتحول من رافعة لنفوذه الإقليمي والدولي إلى ساحة استنزاف كبرى، وبوتين الذي عاصر حرب أفغانستان أكثر من يدرك معنى ذلك. كما يدرك أن سورية ليست الشيشان، حيث تقف الجغرافيا في صفه. الحدود هنا مفتوحة على دول عديدة، واللاعبون كثيرون وطامحون. لذلك لا بد من حل سياسي، ينهي الصراع، يعود على روسيا بنتائج تتناسب مع حجم استثماراتها، ويحدّ من طموحات إيران التي ترجو اليوم انسحاب روسيا من سورية، بعد خطاب "إتمام المهمة" في حميميم، كما كانت تنتظر انسحاب أميركا من العراق، بعد خطاب "إتمام المهمة" من على ظهر حاملة الطائرات، أبراهام لينكولن.