معركة رئاسة مجلس الأمة الكويتي: سوق المرشحين وتفكك التحالفات

09 نوفمبر 2016
عُرضت رشى على نواب في 2012 (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
بعد إقفال باب الترشيح واقتراب موعد الانتخابات التشريعية الكويتية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وبينما ينشغل المرشحون في المفاوضات والمساومات مع قواعدهم الانتخابية لتحصيل الدعم في المعركة الانتخابية، ينشغل مرشحون آخرون في مفاوضات مختلفة، تتعلق برئاسة مجلس الأمة (البرلمان)، التي يتم الإعداد لها مبكراً في العادة. في هذا الإطار، تحظى رئاسة البرلمان بأهمية مضاعفة هذه المرة، في ظلّ غياب شبه تام لرموز وأقطاب البرلمان السابقين، بوفاة رئيسه لدورات عدة، جاسم الخرافي، ومقاطعة أحمد السعدون الذي ترأسه مرات عدة أيضاً، آخرها رئاسته لمجلس عام 2012 الذي أبطلته الحكومة.

ويخضع منصب رئيس البرلمان في الكويت لاعتبارات دقيقة جداً وشروط خاصة تضعها الحكومة الكويتية عرفياً، كون المنصب هو الأهم في الكويت بعد مناصب أمير البلاد وولي العهد ورئيس الوزراء، التي يُشترط أن يتولاها أبناء الأسرة الحاكمة. وطوال ستين عاماً من الحياة السياسية الكويتية، سيطر التجار الكويتيون المتحدرون من أصول نجدية على سدة كرسي البرلمان، وتجمع هؤلاء الرؤساء صفات مشتركة عدة، أهمها تحدُّرهم من عائلات قديمة في الكويت، وأن يكونوا من كبار السن نسبياً. كما يُشترط أن توافق الحكومة عليهم لامتلاكها أكثر من ثلث الأصوات في الاقتراع لرئيس المجلس (يصوت أعضاء مجلس الوزراء كنواب في مجلس الأمة وفق الدستور الكويتي).

لكن ظروف البرلمان الحالي تختلف عن السياقات التاريخية لمجلس الأمة، إذ أن انسحاب العديد من الأقطاب البرلمانية، التي كان من المتوقع مشاركتها في هذه الدورة الانتخابية، ومن ثم في انتخابات رئاسة البرلمان، قد طرح تساؤلات عديدة في الشارع حول سبب هذه الانسحابات ومصير رئاسة البرلمان.

في هذا السياق، كان النائب السابق، محمد الصقر، قد سافر إلى فرنسا أثناء فترة الترشح، مختفياً عن الأنظار. كما انسحب المرشح الآخر لأن يكون رئيساً محتملاً، عادل الخرافي، من السباق البرلماني من دون إبداء أي سبب للانسحاب. بدوره امتنع رئيس مجلس الأمة في 2012، علي الراشد، عن الترشح للانتخابات، على الرغم فرصه في الفوز، بسبب خسارته رئاسة المجلس عام 2013، أمام مرزوق الغانم، ليستقيل من المجلس بعد أشهر عدة، احتجاجاً على الخسارة.



في ظل هذه التطورات، بقي مرشحان لرئاسة المجلس المرتقب، هما الغانم، رئيس المجلس المنحل، والذي أثرت علاقاته العائلية بالخرافي، وممثل التجمع السلفي، الجناح الإسلامي الموالي للحكومة، أحمد باقر. ويتحدر الغانم من أسرة ذات باع كبير في السياسة والتجارة، إذ أن جده هو التاجر محمد ثنيان الغانم، بينما عمه هو رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد الغانم، وهو أحد المشاركين الرئيسيين في كتابة الدستور الكويتي، وخاله هو جاسم الخرافي.

لكن شعبية مرزوق الغانم تعرضت للتآكل بسبب انقلابه على المعارضة التي كان جزءاً منها، وقراره بالترشح للانتخابات لسد الفراغ السياسي الذي خلّفه الخرافي. كما أن شعبيته تعرضت للنقص بعد دفاعه عن قرارات الحكومة غير الشعبية، وأبرزها قانون رفع سعر الوقود وإيقاف دعم السلع، وقانون البصمة الوراثية، الذي أعاد أمير البلاد النظر فيه لاحقاً بعد ضغوط كبيرة من المنظمات الدولية لانتهاكه خصوصيات الأفراد.

وعلى الجانب الآخر يأتي المنافس الوحيد لمرزوق الغانم والمرشح المحتمل الثاني لرئاسة البرلمان، أحمد باقر العبدالله وهو وزير سابق للعدل والأوقاف والتجارة، ونائب في البرلمان لفترات متعددة، ممثلاً عن التجمع السلفي، وعلى العكس من مرزوق الغانم، فإن أحمد باقر لا ينحدر من أسرة سياسية كبيرة، لكنه استطاع التقدم بخطوات ثابتة في المجال السياسي بفضل انتمائه إلى الكتلة السلفية التي انقسمت فيما بعد لتيار موال للحكومة بقيادته وتيار آخر معارض.

ويعول مرزوق الغانم في حال وصوله لقبة البرلمان على أصوات النواب القبليين المستقلين والموالين للحكومة، وعلى أصوات المنتمين للتحالف الوطني (تيار ليبرالي)، وكذلك على أصوات النواب الشيعة، فيما يعتمد أحمد باقر على أصوات نواب كتلته السلفية الموالية.

ويبقى الرهان الأكبر على مَن ستصوت المعارضة العائدة بقوة إلى البرلمان، حيث تشير المصادر إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحركتها السياسية (حدس) وهي العدو اللدود لأحمد باقر وكتلته السلفية طوال أربع سنوات من الحراك الكويتي السياسي المعارض، قد تصوت لصالحه لاعتبارات سياسية جديدة، بسبب تخطيط الإسلاميين لتوحيد كلمتهم هذه المرة بعد انقسامهم لفترة طويلة.

لكن الرهان الأكبر يقع على الحكومة التي تملك جزءاً لا يستهان به من الأصوات، لأن أحمد باقر لم ينه عزلته السياسية التي استمرت خمس سنوات، إلا بعد حصوله على وعد من مسؤولين رفيعين في الحكومة الكويتية بالحياد في انتخابات رئاسة البرلمان، بينما أفادت مصادر مطلعة بأن الحكومة ستترك لكل وزير فيها حرية التصويت كما حدث في مجلس الأغلبية المعارض عام 2012.

ولوحظ بدء الحملات المتبادلة لتشويه صور المرشحين لانتخابات الرئاسة بالظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت في هذا الصدد فجأة مقاطع قديمة لتصريحات أحمد باقر تجاه فئة "البدون"، وتجاه قضايا شعبية عارضها سابقاً، أبرزها قضية إسقاط القروض، وظهرت مقاطع أخرى لتصريحات مرزوق الغانم حول قانوني البصمة الوراثية ورفع سعر الوقود.

في هذا السياق، اعتبر العضو السابق في اتحاد طلبة جامعة الكويت ناصر الملا لـ "العربي الجديد"، أن "ما يحدث الآن هو مجرد جس نبض من قبل الأطراف المشاركة في الانتخابات، إذ أن المعركة الحقيقية ستبدأ فور ظهور النتائج وسيستخدم فيها كل شيء".

وأضاف أنه "في مجلس عام 2012 المبطل، قال بعض النواب إنه عُرض عليهم رشى وصلت إلى 500 ألف دينار (1.5 مليون دولار تقريباً) للتصويت لمرشح دون آخر. وتم تصوير هذه المبالغ من قبل بعض النواب وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك، فكل شيء وارد هنا. ومن الممكن أن تكون هناك انقلابات داخل التيارات السياسية عند التصويت، خصوصاً أن الأوراق غير مكشوفة وظاهرة. ومن المتوقع أيضاً أن تنفك تحالفات ويتم التضحية ببعض الأشخاص، كما حدث عام 2013، حين قامت الحكومة بالتضحية بعلي الراشد لصالح مرزوق الغانم في انتخابات الرئاسة مما أدى لاستقالة الأول من البرلمان".

دلالات