معركة درنة: هل يتعظ حفتر من تجربة القذافي؟

07 فبراير 2018
هل تستعيد درنة سيناريو بنغازي (عبد الله دومة/فرانس برس)
+ الخط -
لليوم الثالث على التوالي، يتواصَلُ قصف مدينة درنة، شرق ليبيا، من قبل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، استعداداً لتنفيذ عملية اقتحام وشيكة للمدينة المحاصرة. وفيما يستعد مقاتلو "مجلس شورى مجاهدي درنة" للمواجهة، تبرز تساؤلات عدة حول إمكانية نجاح عملية حفتر، والعراقيل التي تواجهها، والسيناريوهات المحتملة، فضلاً عن الدور المصري المُلتبس فيها.

ولا تزال الاشتباكات المتقطعة تدور حول مدينة درنة بين قوات حفتر ومقاتلي "مجلس شورى مجاهدي درنة"، وسط تقارير عدة تفيد باستعدادات حثيثة لقوات حفتر لبدء عملية عسكرية في المدينة خلال الأيام المقبلة، على غرار حروب بنغازي.

وأكدت الغرفة العسكرية التابعة لحفتر، والمُحاصرة للمدينة منذ ما يقارب السنتين، في منشورات على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، أنها قصفت بالمدفعية الثقيلة المدخل الغربي لمدينة درنة، بالإضافة إلى وقوع اشتباكات مسلحة مباشرة في الظهر الحمر، جنوب المدينة، بين الطرفين.


وفي مقابل هذا الإعلان، أكد "مجلس شورى مجاهدي درنة" استعداد مقاتليه لصدّ أي هجومٍ متوقع على المدينة المحاصرة، والبدء بنشر نقاط تفتيش داخل درنة، بحثاً عن خلايا نائمة مؤيدة لحفتر.

وتطرح التصريحات المتبادلة بين الطرفين، وعمليات القصف المتواصلة لدرنة، السؤال حول جدية هذه العملية العسكرية، والدور المصري فيها، خصوصاً أن القاهرة لم تخفِ أهمية درنة بالنسبة لها، واعلنت مراراً عن قصف مقاتلاتها الجوية للمدينة بشكل رسمي.

وفي أول تصريحٍ له بعد إعلان قيادة قوات حفتر عن عمليتها العسكرية المرتقبة، قال آمر "غرفة عمليات عمر المختار" المُحاصرة لدرنة، اللواء سالم الرفادي، إن "تحرير درنة أصبح قريباً"، مؤكداً أن قوات الغرفة لن تمهل مسلحي درنة، وأن مرحلة التفاوض انتهت.

وخلال تصريحٍ له إلى تلفزيون محلي ليل أمس الثلاثاء، أكدّ الرفادي أنه تمّت عمليات رصدٍ دقيقة لمواقع مسلحي درنة داخل المدينة التي سيتمُّ استهدافها، وهي تصريحات تشير الى وجود متعاونين مع قوات حفتر في الداخل.

وعن الدور المصري، أكد أنه لن يتجاوز رفع حالة الطوارئ لحماية الحدود فقط، دون التدخل في العملية العسكرية.

وتعليقاً على الأحداث في درنة، قال الخبير الأمني السابق في جهاز الأمن الخارجي في العاصمة الليبية طرابلس، محيي الدين زكري، إن "عملية حفتر لن تكون سهلة، ويجب عليه أن يستذكر عمليات القذافي الفاشلة في المدينة حين كان الأخير في أوج قوته".

وأوضح زكري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القذافي داهم المدينة في عام 1996، بعد حصارها، بحثاً عن معارضيه، وتحولت عمليته إلى الجبال المتاخمة لدرنة، ورغم قوته فشل"، مضيفاً أنه "يجب على حفتر أن يعلم أن هؤلاء الرافضين لحكمه ولحكم القذافي من قبله، هم أنفسهم الموجودون في درنة".

وأكد الخبير الأمني السابق، أن "شماعة الإرهاب لم تعد تنطلي على أحد"، مشدداً على أن "ثوار درنة الحالية هم من طرد داعش في غضون أسبوعين من المدينة، وذلك بخلاف دور حفتر المشبوه في السماح لهم بالهروب في أرتال واضحة إلى سرت ليكونوا شوكةً في خاصرة ثوار مصراتة، خصومه غرب البلاد"، متسائلاً "من يدعم الإرهاب الآن ومن يقاتله؟".


وحول تركيبة القوات المُحاصِرة لدرنة حالياً، قال زكري إن "كل المتابعين في ليبيا يعلمون أنها مليشيات قبلية من عين مارة وقبائل منصور وغيرها من المحيط القبلي، وقد لعب حفتر على وتر الخلافات التاريخية بينهم وبين سكان درنة"، مستدركاً أن "ما يعلمه حفتر أن لهذه القبائل امتدادات داخل المدينة، ولن تسمح له بالسيطرة الكاملة عليها، ولن تمكنه من تكرار ما فعله مع إخوته من قبيلة العواقير في بنغازي، حين استخدم أبناء هذه القبيلة ثم أقصاهم".

وأوضح زكري أن "مضاعفات ستحصل حتى بعد دخول قوات حفتر، فالدور المصري الذي يحضر له اليوم سيكون مقتصراً على القصف الجوي الذي سيطاول بكل تأكيد بأضراره مصالح هذه القبائل وامتداداتها بالداخل، وعلى حفتر أن يستعد لردود فعل هذه القبائل التي تحسب للدم ألف حساب، كما عليه أن يستعد للأضرار المحتملة نتيجة قتال هذه القبائل مع خصومها التاريخيين داخل المدينة، وأغلبهم من ذوي أصول قادمة من غرب البلاد"، واصفاً عملية حفتر بــ"الألاعيب، فتركيبة درنة وظروفها هي ذاتها تركيبة بنغازي وظروفها، حيث يستغل حفتر الخلافات التاريخية بين قبائل الشرق والسكان ذوي الأصول القادمة من غرب البلاد، ويدعي أنه يمتلك جيشاً نظامياً".

اما بالنسبة إلى أوضاع المدينة الداخلية، فأكد مسؤول الملف الأمني في المجلس المحلي لدرنة، العميد يحيى الأسطى عمر، أن "الأوضاع تشهد هدوءاً حذراً، لكن الجبهات على أتم الاستعداد لصدّ أي هجوم"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مليشيات حفتر بدأت في تشديد الحصار ومنع دخول أي إمداد إنساني كعاملٍ لإضعاف قوة المدينة".

وتشكل مدينة درنة، التي تقع بين بنغازي وطبرق، أهميةً استراتيجية بالرغم من وقوعها في رقعة صغيرة محصورة بين جبال وساحل بحري، إذ إن امتداداتها عبر سلاسل الجبال وكثرة "الخلجات"، تشكل حماية طبيعية لها، وتسهل عمليات مرور المقاتلين والسلاح عبرها، وهو ما يستلزم غطاء جوياً كثيفاً وأسلحة متطورة قد يتلقاها حفتر من حلفائه المصريين، إن لم تحصل مشاركة مصرية مباشرة بسبب عدم تدرب مقاتليه على السلاح المتطور.