معركة جرود عرسال: الطرفان يعترفان بالاستنزاف

07 يونيو 2015
معركة كرّ وفر في الجرود (فرانس برس)
+ الخط -
كثّف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إطلالاته الإعلامية، فظهر مساء الجمعة للمرة الرابعة في أقلّ من عشرين يوماً. ووراء هذه الإطلالات المكثفة توضيحات وتصويبات، وبالتأكيد الكثير من التعبئة. تراجع نصر الله، في خطابه الأخير يوم الجمعة الماضي، عن دعوته إلى استنساخ تجربة "الحشد الشعبي" لكن بالطريقة اللبنانية واستناداً إلى أبناء العشائر في البقاع (شرقي لبنان) لمواجهة "التكفيريين" في عرسال وباقي الحدود الشرقية بين لبنان وسورية. تساءل نصر الله "أين تحدثنا نحن عن الحشد الشعبي"؟ ليضيف أنّه في المرحلة الحالية "ما نحتاجه هو التضامن، المساندة الشعبية والمعنوية". يريد نصر الله حذف ما حصل خلال الأيام العشرة الأخيرة من ذاكرة اللبنانيين، مثلاً تشكيل "لواء القلعة"، وهو تجمّع عشائر البقاع المحسوبة على الحزب لحماية الحدود من الخطر "الإرهابي". أو حتى الاستعراض العسكري الذي نظمته عشيرة الحاج حسن (محسوبة على حزب الله أيضاً في منطقتي بعلبك والهرمل، شرقي لبنان)، حيث انتشر عشرات المسلحين من هذه العائلة وعبّروا عن نيّتهم المشاركة في المعارك. هذا بالإضافة إلى اشتباكات بين عشائر سنية وأخرى شيعية شهدتها مدينة بعلبك بعد ساعات من خطاب نصر الله في 24 مايو/أيار الماضي والذي أكد فيه إن "أهل بعلبك الهرمل لن يسكتوا"، الأمر الذي حرّك العشائر البقاعية ودفعها إلى تنفيذ استعراضاتها العسكرية الشكلية والفعلية.

اقرأ أيضاً: احتراق مبكر لـ"الحشد الشعبي" اللبناني 

وجاء كلام نصر الله الأخير ليضع حداً لكل الشحن الإعلامي الحاصل في المؤسسات الإعلامية الخاصة بحزب الله، أو المحسوبة عليه، حيال معركة القلمون وجرود عرسال (عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية). قال نصر الله إنّ هذه المعركة انطلقت "وستتواصل حتى تحقيق الأهداف، ولسنا ملزمين بسقف زمني، لا أحد يقول لنا ساعات وأيام وأسابيع وشهور". وأضاف أنّ "المعركة تتحدث عن نفسها وخلال هذه الأيام القليلة الماضية، تم تحرير عشرات الكيلومترات من الأراضي اللبنانية المحتلة في جرود عرسال". في هذا الوقت، ضخّت الماكينات الإعلامية للحزب، في منطق يفوق التهويل، عن قضم الحزب مساحة تفوق 45 في المئة من مساحة الجرود التي تمتد أساساً على ما يقارب 400 كيلومتر مربع. مع العلم أنّ مساحة عرسال وجرودها، مقدرة بواحد على 22 من مساحة لبنان (10452 كيلومتراً مربعاً).
ونقل إعلام حزب الله طوال الأيام الأخيرة تحرير مساحة هائلة من هذه الجرود، فتحدث عن سيطرة الحزب على جبل شعبة القلعة، وعلى سهل الرهوة، وادي الخيل، مرتفعات سرج المملحة والعمانة وأرض المنيارة، بالإضافة إلى "تحرير" رأس طلعة وادي الفختة والسيطرة على أودية ومعابر الدب والرعيان وصورة، وهي جميعها تقع داخل جرود عرسال. في حين لا يزال الطيران الحربي السوري ينفذ غارات على مناطق مختلفة من جرود بلدة نحلة البقاعية (محسوبة على حزب الله)، أي عند المدخل الجنوبي الشرقي لعرسال. كما عملت فصائل جيش الفتح (الذي تنضوي تحت لوائه جميع فصائل المعارضة السورية المسلحة في القلمون) على نشر مقاطع فيديو لاستهداف مواقع حزب الله في مناطق مختلفة من جرود نحلة والقلمون. الأمران اللذان يؤكدان أنّ هذه الفصائل لا تزال تحافظ على مواقعها المتقدمة في الجرود، وأنّ ثمة مبالغة حاصلة في مقاربة الوضع الميداني في معركة القلمون.

لم يشأ نصر الله في خطابه الأخير، كالعادة، الحديث عن الوقائع الميدانية في هذه المعركة، قائلاً: "لن أحكي تفاصيل ولن أقدم تقارير تفصيلية والمعركة تتحدث عن نفسها". وبالطبع المسؤولون السياسيون في الحزب لا يملكون الكثير من المعلومات للتحدث فيها بالصالونات والمجالس، فيرددون ما تتناوله وسائل الإعلام المقرّبة منهم. أما مصادر جيش الفتح، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المعركة لا تزال في بدايتها مع النظام وحزب الله"، مشيرةً إلى أنّ فصائلها "تخوض حرب عصابات مع الحزب الذي يحاول التقدم في الجرود". وتضيف هذه المصادر أنّ "حزب الله يسهّل عملها من خلال سيطرته على بعض التلال، باعتبار أنه يصبح مكشوفاً ويتحوّل إلى صيد سهل لصواريخنا وإخواننا".

اقرأ أيضاً: فعاليات من عرسال:دخول الجيش أو نشكّل مجموعات "أمن ذاتي"

بعيداً عن المعركة التي يخوضها الطرفان في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ ما يصدر عنهما يؤكد أنّ الحرب باتت حرب استنزاف ومعركة كرّ وفرّ. وتشير طبيعة الحروب المماثلة إلى أنّ لا حسم لأي منهما، لا اليوم ولا بعد أسبوع أو شهر، وهو الواقع الذي دفع نصر الله إلى القول إن "لا سقف زمنياً للمعركة" من جهة، ويدفع مسؤولين في جيش الفتح إلى القول إنّ "الحرب لا تزال في أولها".



مقاتلون شيوعيون
على صعيد آخر، برزت على مواقع إلكترونية عدة، أخبار عن انضمام مجموعة من الحزب الشيوعي اللبناني إلى معركة القلمون، بشقّها اللبناني، أي معركة جرود عرسال. وتم تداول هذه الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بصورة لكتيبة من المقاتلين الشيوعيين ببزّاتهم العسكرية وسلاحهم وعتادهم، بعنوان "مقاتلو الحزب الشيوعي اللبناني حزيران 2015، في البقاع" (ضمّت الصورة 21 مقاتلاً حجبت وجوههم). وتحدثت أوساط الشيوعيين المنضوين تحت لواء حزبهم عن تشكّل هذه المجموعة "من مقاتلين سابقين في صفوف الحزب وآخرين خضعوا مؤخراً لدورات عسكرية". وبينما لم يصدر عن قيادة "الشيوعي" أي بيان رسمي يتبّنى هذا الخيار، أكد أحد قياديي الحزب لـ"العربي الجديد" أنّ "شبابنا وأهالينا سيدافعون عن أنفسهم وأرضهم في المنطقة وحيث يتهددهم الخطر الإرهابي"، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى. مع العلم أنّ الاتصال بالأمين العام في الحزب الشيوعي، خالد حدادة، لتوضيح الأمر غير ممكن بسبب وجوده خارج البلاد. وإذا صحّ الأمر، يكون "الشيوعي" قد انضمّ إلى أحزاب قوى 8 آذار عسكرياً، واصطف إلى جانب حزب الله والحزب القومي وحزب البعث في الحرب السورية، مع تعريض جسمه التنظيمي لأزمة جديدة تضاف إلى أزماتهم الهائلة منذ عقود. مع العلم أنّ قيادة حركة أمل، برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، عاشت معضلة مماثلة قبل أسابيع، بفعل رفع عدد من المقاتلين في القلمون أعلام الحركة على آلياتهم، وهو ما أشار إلى مشاركة "أمل" في هذه المعارك. ولو أنّ موقف بري واضح في هذا الإطار، ويقول بضرورة الاكتفاء بحماية الحدود اللبنانية لا أكثر ولا أقل، من دون دخول الوحول السورية.