معركة جرابلس: حدود تركية بلا "داعش" ولا مليشيات كردية

24 اغسطس 2016
عمليات تحرير المدينة ستكون على يد المعارضة السورية(عبدالرحمن السيد/الأناضول)
+ الخط -
يُنتظر أن تكون الساعات المقبلة حاسمة لناحية انطلاق عمليات إنهاء سيطرة تنظيم "الدولة" (داعش) على مدينة جرابلس، في ريف حلب الشمالي، على الحدود التركية. عملياً جميع المؤشرات تؤكد أنها ستكون على يد المعارضة السورية المسلحة، إما بدعم مباشر من القوات التركية النظامية، عبر قوات خاصة تساهم في الاقتحام، أو بالحد الأدنى من خلال غطاء ناري مدفعي تركي، بدأ بالفعل منذ يومين، وهو مستمر في استهداف نقاط "داعش" في المدينة. بكلا الحالتين، فإن تركيا ترغب، من خلال جرابلس كمحطة أولى ربما تتمدد إلى باقي مناطق غربي الفرات، في حدود خالية من "داعش" ومن المليشيات الكردية بدليل قصف مواقع هؤلاء في منبج بموازاة ضرب قواعد "داعش"، وبطبيعة الحال من قوات النظام السوري البعيدة عن تلك المنطقة منذ فترة طويلة.


وزاد الجيش التركي تدابيره الأمنية على الحدود، وتجديد المعارضة السورية المسلحة نيتها التقدم باتجاه مدينة جرابلس (120 كيلومتراً شمال شرق حلب) وخاصة إثر توارد أنباء عن قيام تنظيم "الدولة"، الذي يسيطر عليها منذ أوائل عام 2014، بإخلائها من عائلات مقاتليه بعد هزيمته في مدينة منبج، التي كانت أهم معاقله في شمال شرق حلب، وتقع جنوبي جرابلس بنحو 40 كيلومتراً. وكان المقدم أبو حمود، وهو أحد القادة الميدانيين في الفرقة 13 التابعة للجيش السوري الحر، قد أكد لـ "العربي الجديد" أن فصائل تابعة للمعارضة السورية بدأت التحرك بالفعل من بلدة الراعي (غرب جرابلس) التي سيطرت عليها الأربعاء الماضي باتجاه مدينة جرابلس، من أجل انتزاع السيطرة عليها من التنظيم، حتى أن تقارير عديدة أشارت إلى وصول مئات المقاتلين السوريين من الفصائل المسلحة إلى داخل الأراضي التركية استعداداً لاقتحام جرابلس.


وحاولت قوات "سورية الديمقراطية"، التي تسيطر عليها ميليشيا الوحدات الكردية، خلط الأوراق من خلال تشكيل مجلس عسكري تابع لها شبيه بالمجلس الذي شكلته مع بدء معركة منبج. ولكن قائد مجلس جرابلس العسكري، عبد الستار الجادر، لقي يوم الإثنين مصرعه، بعد ساعات من ظهوره في بيان مصور حذر فيه تركيا "من مغبة ممارساتها ضد الأراضي السورية، ومكوناتها، وخاصة في منطقتنا، جرابلس"، وفق البيان، واصفاً تصرفات تركيا بـ "العدوانية". ولم تتضح بعد أبعاد عملية تصفية الجادر، إلا أن مصادر مطلعة أشارت إلى أن العملية تمت ضمن أراض تقع تحت سيطرة مليشيات كردية، وأن عملية القتل جاءت على خلفية خلافات شخصية، في حين أشارت مصادر كردية إلى دور تركي في تصفيته. وأكدت مصادر من مدينة جرابلس أن الجادر خالف إرادة أهالي منطقة جرابلس (ذات الغالبية العربية الساحقة) من خلال تحالفه المعلن مع مليشيات كردية تسعى إلى السيطرة على المدينة لضمها الى إقليم كردي، تعمل على تشكيله على طول الشريط الحدودي الشمالي لسورية.


على صعيد الاستعدادات العسكرية، أكد المقدم أبو حمود أن التحضيرات لمعركة تحرير جرابلس باتت "في مراحلها النهائية"، مشيراً إلى إصرار فصائل المعارضة على انتزاع السيطرة على المدينة، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد" أن أغلب فصائل المعارضة الفاعلة في شمال سورية ستشارك في العملية، ومنها: الفرقة 13، وصقور الجبل، والجبهة الشامية، والجبهة الشمالية، ونور الدين زنكي، وفرقة السلطان مراد، وسواها من الفصائل. ولم ينكر أبو حمود صعوبة المعركة المقبلة، وخصوصاً أن التنظيم قام بتلغيم البلدة بشكل كامل، مؤكداً أن الفرق الهندسية التابعة للجيش السوري الحر مستعدة للتعامل مع الألغام مع بدء معارك السيطرة على جرابلس. وكانت مصادر محلية قد ذكرت لـ "العربي الجديد" أن التنظيم قام بضرب طوق من الالغام حول المدينة، مشيرة الى أنه زرع نحو 20 ألف لغم على الشريط الحدودي، وعلى سرير نهر الفرات، إضافة إلى حفر أنفاق كثيرة داخل المدينة، على مدى أكثر من عامين. وأكدت المصادر أن الجيش التركي نشر عددا من الدبابات وكاسحات الألغام على الحدود المقابلة لمدينة جرابلس، في استعداد واضح لمعركة انتزاع السيطرة على آخر منفذ بري للتنظيم على الحدود التركية.

ولا تخفي أنقرة نيتها مساعدة قوات المعارضة السورية في طرد التنظيم من جرابلس، وربما ما هو أبعد من ذلك، وهو ما تكرر على لسان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، أخيراً، على قاعدة عزم أنقرة جعل حدودها آمنة من "داعش" ومن المليشيات الكردية. ويؤكد متابعون أن قذائف مدفعية الجيش التركي كانت إيذاناً ببدء المعركة، التي تشير كل المعطيات إلى أنها لن تتأخر، حيث اكتملت استعداداتها لـ"قطع الطريق" أمام مساعي المليشيات الكردية، التي تتمركز إلى الجنوب من جرابلس بنحو 15 كيلومتراً للاستحواذ عليها. من جانبه، يؤكد محمود العلي، وهو رئيس مجلس جرابلس المحلي، أنه لم يبق داخل المدينة سوى خمسة آلاف مدني، مشيراً إلى أنهم يعيشون ضمن ظروف إنسانية مزرية على حد تعبيره، إذ "يتخذهم التنظيم دروعاً بشرية". ويوضح العلي أن "داعش" أجبر الأهالي في الأحياء الشمالية المقابلة للحدود التركية على إخلاء منازلهم، حيث باتت منطقة عسكرية يتمركز فيها مقاتلوه. وأشار العلي إلى أن المدينة كانت تضم قبل استيلاء التنظيم عليها نحو خمسين ألف مدني، وآلاف النازحين من المدن السورية، ولكن أغلبهم اضطروا إلى الدخول إلى تركيا أو التوجه إلى المخيمات في إثر سيطرة التنظيم على المدينة في بداية عام 2014. وشدد على أن معظم البنى التحتية للمدينة "مدمرة بشكل شبه كامل"، حيث لا كهرباء ولا ماء، ولا أفران، ولا مدارس، ولا مراكز صحية، مناشدا المنظمات الدولية المساعدة في "إعادة تأهيل المدينة" بعد انتزاع السيطرة عليها من التنظيم.