رغم كل ما يشهده البلد وسكانه من تدمير وحرق وخراب، ها هو "اتحاد الناشرين السوريين"، الذي ما يزال نشطاً في كنف النظام السوري، يدعو إلى إقامة معرض للكتاب في دمشق إثر إلغاء "معرض الكتاب العربي" (أو "معرض دمشق الدولي للكتاب") بسبب "الأوضاع الأمنية السائدة" وكذلك بسبب رفض العدد الأكبر من دور النشر المشاركة فيه.
ولا يمكن النظر إلى المعرض المصغّر إلا بوصفه واحداً من إنتاجات بروباغندا النظام السوري الذي ما فتئ، منذ ثلاثة أعوام، يروج لشعار "سوريا بخير". من هنا يأتي سعي النظام، عبر "اتحاد الناشرين السوريين"، إلى "نتظيم معرض للكتاب على أرض حديقة السبكي في دمشق"، كما ورد في بيان أصدره الاتحاد حول هذا الشأن. وأبقى الاتحاد، في بيانه، موعد افتتاح المعرض الفعلي معلقاً بين تاريخي العشرين من آب/ أغسطس الجاري والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل.
وكان يمكن لهذه المبادرة، بحسب متابعين، أن تترك انطباعاً مختلفاً لدى الناشرين وعموم السوريين لو لم تكن من تنظيم الاتحاد المرتبط بالسلطة، الذي تأسس عام 2005، والذي روج لنفسه في البداية على أنه مؤسسة "أهلية" مستقلة، فيما كان أداؤه على أرض الواقع يحاكي ممارسات السلطة لجهة تشديد الرقابة على الكتاب والترويج للفكر اليميني الديني.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، وصف أحد الناشرين السوريين الدعوة بأنّها في الدرجة الأولى "تمجيد للنظام، ومحاولة لإثبات مقولة "سوريا بخير" التي تروج لها السلطة ومن لفّ لفّها". ويضيف: "ثمّة بالتأكيد مصلحة تجارية لإطلاق معرض كهذا، ولكن يجب ألا ننسى أن من بقي من الناشرين في سوريا هم التجار الدمشقيون، وهؤلاء يبيعون لوناً واحداً من الكتب"، في إشارة إلى المطبوعات التي تتناول مواضيع غيبية ودينية تحظى برضا النظام.
الناشر، الذي تحفّظ على إيراد اسمه لدواع أمنية، نفى أن تكون بين يديه أرقام دقيقة عن مدى تمثيل الاتحاد الحالي للناشرين السوريين، مشيراً إلى أنّ نسبة ذلك "تبقى أقل من 50%". يقول: "الكثير من دور النشر التنويرية انتسبت إلى الاتحاد في بداياته كمحاولة لتغيير العقلية السائدة فيه، ولكنها اكتشفت في النهاية أنّ المهمة صعبة جداً، ما أدى إلى انسحاب أغلب هؤلاء الناشرين لاحقاً، من دون حتّى أن يدفعوا اشتراكاتهم. ومن بقي الآن هم مجموعة من التجار فقط، ولا علاقة لهم بالنشر والكتاب". ووصف الناشر المكتبَ التنفيذي للاتحاد بأنّه "يدير ما تبقى من هذه المؤسسة بعقلية المنابر الخاضعة مباشرة للنظام".
وسبق لناشرين سوريين أن اشتكوا في "معرض الكتاب العربي" في دمشق، عام 2008، خلال احتفالية "دمشق عاصمة للثقافة العربية"، من تدخل الاتحاد المذكور للتحريض على منع بعض العناوين، والتطاول باقتحام عدد من الأجنحة، وسحب الكتب عن الرفوف بعد بدء المعرض، تغوّلاً من قبل التيار المسيطر داخل الاتحاد، المتمثّل في هيئة دور نشر يمينية محافظة، تُعنى بالترويج للكتب الدينية، ولا تكاد منشوراتها تحوي عملاً أدبياً أو فنياً واحداً.
من جهة أخرى، قوبلت نشاطات "معرض الكتاب العربي" في السنوات الأخيرة بمقاطعة واسعة من دور النشر المحلية والعربية والدولية. وكانت الجمعية العمومية في "اتحاد الناشرين المصريين" في 2012 قد أصدرت بياناً أعلنت فيه نيّتها عدم المشاركة في المعرض احتجاجاُ على العنف الدائر في البلاد، والذي كان من آثاره مذبحة الحولة (بين حمص وحماة) التي أسفرت عن مقتل 108 أشخاص بينهم نساء وأطفال.
أمّا معرض عام 2011 (السنة التي اندلعت فيها الاحتجاجات ضد النظام القائم)، فقد انخفض عدد دور النشر المشاركة فيه إلى 250 داراً بحسب الأرقام الرسمية، بعد أن بلغ عددها نحو 400 داراً في 2010. وخلا المعرض حينها من مناسبات توقيع الكتب والندوات والمحاضرات العامّة، وغابت عنه بلدان عربية مثل مصر والعراق والجزائر والمغرب.
ولا يخفي محدّث "العربي الجديد" قلقه على حال النشر والكتاب في سوريا اليوم، والذي "يشبه وضع البلد بشكل عام" حسب تعبيره. ويقول: "ثمة مَن غادر من الناشرين، مبقياً على الحد الأدنى من عمله، وثمة من أوقف عمله كلياً داخل سوريا. هناك كثير من الناشرين الذين نقلوا مستودعاتهم إلى خارج البلاد، إلى مصر، والإمارات، ولبنان. ومن لم يستطع فعل ذلك؛ فقد أوقف نشاطه تماماً، إلا من بعض المشاركات الخجولة في معارض خارجية تعتبر رابحة، بقصد تغطية الحد الأدنى من المصاريف".
أّمّا عن تحول العاصمة اللبنانية إلى متنفس لصانعي الكتاب السوريين، فيعلق الناشر بالقول: "يمكن أن تصح هذه المقولة في حال وجود رأس مال، ولكنّها تُشكّل، بدون ذلك، استنزافاً لأي ناشر سوري في هذه المرحلة".