باتت المعتقلات إحدى أهم المشاكل التي يعاني منها العراقيون، إذ تشير تقارير حقوقية وتأكيدات مسؤولين في الحكومة العراقية إلى أن المعتقلات تعج بالأبرياء. اعتقال المواطنين وزجّهم في السجون لا يحتاج في العراق إلى مجهود أمني كبير للتحري والتقصي عن متهم، بل يتم ذلك لأسباب أغلبها كيدية أو طائفية، كما أن المنفعة المادية تشجع المسؤولين عن المعتقلات ورجال الأمن المسؤولين عن عمليات التحقيق مع المعتقلين، في الإبقاء على المتهم سجيناً أكبر وقت ممكن، وإن كان بريئاً.
وفي اعتراف رسمي بوجود أبرياء في معتقلاتها، أعلنت السلطة القضائية العراقية، يوم الاثنين 20 يونيو/حزيران الماضي، إخلاء سبيل أكثر من 10 آلاف معتقل لم تثبت التحقيقات إدانتهم، بينهم أكثر من 3 آلاف تم إيقافهم بتهمة "الإرهاب". وقال القاضي عبد الستار البيرقدار، المتحدث باسم السلطة القضائية في بيان، إن "محاكم البلاد أفرجت خلال مايو/أيار الماضي عن 10373 موقوفاً لم تثبت إدانتهم بما نُسب إليهم، منهم 8999 موقوفاً تم إخلاء سبيلهم في مرحلة التحقيق، و1374 آخرون أُفرج عنهم خلال مرحلة المحاكمة". وأوضح البيرقدار أن "3456 موقوفاً ممن أفرج عنهم كانت قد وُجهت إليهم تهم وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب".
ويقول مسؤولون سُنّة في العراق إن غالبية أوامر الاعتقال التي صدرت وفق المادة الرابعة من "قانون مكافحة الإرهاب"، استهدفت المناطق ذات الغالبية السُنّية في وسط وشمال وغرب البلاد، مطالبين بإلغاء المادة الرابعة من هذا القانون. ووفقاً للقانون العراقي، تقع المادة 4 إرهاب ضمن خمس مواد في قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرّ عام 2005 في العراق، وهذه المادة تدور حولها أزمة في العراق منذ صدور القانون حتى الآن. وتُعتبر المادة الرابعة من القانون الأكثر رواجاً واستخداماً في القضاء العراقي، وتحتوي على بندين أطلق عليهما "العقوبات".
الأول يُعاقب بإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الأعمال الإرهابية، ويعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكّن الإرهابيين من القيام بالجريمة كفاعل أصلي. أما البند الثاني فينصّ على العقاب بالسجن المؤبد لكل من أخفى عن عمد أي عمل إجرامي أو تستر على شخص إرهابي. وبحسب مصادر قانونية، فإن المحاكم العراقية تفرج عن آلاف المعتقلين، أغلبهم اعتُقلوا وفق المادة 4 إرهاب.
معتقلون سابقون بتهمة المادة 4 إرهاب كشفوا لـ"العربي الجديد" أن ما يجري داخل المعتقلات هو عمليات انتقام طائفي، وأن لا احد يدخل من دون أن ينال نصيباً من التعذيب، على الرغم من تأكد المحققين من براءته.
عمر عبد المجيد الذي أفرج عنه منذ نحو 6 أشهر بعد اعتقال لشهرين، قال إن عملية اعتقاله جرت خلال مداهمة قريته في إحدى مناطق شمال بغداد، لافتاً إلى أن القوات المداهمة اعتقلته ضمن مجموعة من شباب القرية. عبد المجيد تعرض لتعذيب بقيت آثاره لأكثر من ثلاثة أشهر، وقد تمكن من الخروج من المعتقل بعدما دفعت أسرته مبلغاً من المال للضابط المسؤول عن التحقيق معه. فيما لفت إلى أن الشباب الذين اعتُقلوا معه بقوا كثيراً في المعتقل لأن ذويهم تأخروا في تأمين المبالغ المطلوبة. وأكد عبد المجيد أيضاً، أن "المعتقلات مليئة بالأبرياء، وأكثرهم معتقلون وفق المادة 4 إرهاب، لكنهم أبرياء وذنبهم أنهم من طائفة معينة، إذ إن الاعتقالات تتم لاعتبارات طائفية".
أما رياض النداوي، فقد سُجن لعام كامل وتنقّل بين عدد من المعتقلات، وتعرض لكسور في يده وأضلعه بسبب التعذيب، وهو اتُهم بأنه متعاون مع الإرهابيين في تفجيرات وقعت في بغداد. وقال النداوي لـ"العربي الجديد" إن "من يقومون بالمداهمات واعتقال الأبرياء هم عناصر تعمل لصالح المليشيات، لكنهم ضمن القوات الأمنية"، معتبراً أن الاعتقالات تحصل "لأسباب طائفية ومنافع مادية"، مضيفاً: "المسؤولون عن التحقيق وعناصر الأمن الذين يقومون بعمليات اعتقال يستفيدون من هذه الاعتقالات".
ولفت إلى أن "البيوت التي تتم مداهمتها تتعرض لعمليات سرقة، إذ يسرق عناصر القوة الأمنية ما خفّ وزنه وغلا ثمنه بحجة التفتيش بحثاً عن أسلحة ومواد متفجرة، فيما يستفيد المحققون من المتهم بتعريضه لتعذيب رهيب، حتى يحاول ذووه دفع المبلغ المطلوب، لكي يتم الإفراج عنه".
اقــرأ أيضاً
وفي السياق، أشار الناشط في مجال حقوق الإنسان، القانوني عبد الحميد الراوي، إلى أن المحققين هم من يتحكمون بحرية المعتقلين، لافتاً إلى أنه "بإمكان ضابط التحقيق أن يفرج عن أكبر الإرهابيين مهما كثرت الأدلة المادية التي تدينه، ومثل هذا الأمر يُعتبر بحسب مبدأ هؤلاء المحققين صيداً ثميناً". لكن هؤلاء المحققين، وفق الراوي "يهمهم كثيراً أن يكون المعتقل بريئاً لأنه صيد سهل وثمين أيضاً، فأهله سيدفعون المبلغ المطلوب وإن اضطروا إلى بيع ما يملكونه لأجل ذلك"، بحسب قوله.
وأكد أن "الحكومة تعلم بما يجري، فالفضائح والانتهاكات الكثيرة وصلت تفاصيلها للحكومة، وأنا أحد الناشطين الذين أوصلوا حقائق وبالأدلة لكبار المسؤولين، وكان الجواب أنهم سيتحققون من الأمر، وهذا قبل أكثر من سبع سنوات، لكن الأمر يزداد سوءاً". وأشار إلى أن "هناك جهات في الحكومة تستفيد من المعتقلات، فهي مصدر للتمويل وكذلك لترهيب الآخرين، وهذا سلاح قوي يستخدم ضد الخصوم، لذلك كان الصراع على أشده لنيل حقيبة وزارة الداخلية بين القوى السياسية".
أوضاع المعتقلات والسجون العراقية، تمر بوضع كارثي من الناحية الصحية، بحسب مختصين تحدثوا لـ"العربي الجديد". وقال الدكتور محمد الربيعي إن "المعتقلات تنقل عدوى أمراض كثيرة أبسطها الجلدية"، لافتاً إلى أن "الأمراض المعدية من بين المخاطر الصحية التي تهدد المعتقلين".
وكان مركز بغداد لحقوق الإنسان، أعلن في تقرير له، نشره مطلع عام 2015، عن تفشي مرض التدرن القاتل (السل الرئوي) في كل السجون التابعة لوزارة العدل في العراق. وأوضح التقرير، أن "الإهمال الصحي المقصود من قِبل إدارات السجون، وعدم ملاءمة السجون للعيش البشري، وانعدام الخدمات، وسوء المعاملة، وسوء التغذية"، عوامل ساعدت في تفشي مرض السل الرئوي.
وأضاف أن زج أعداد كبيرة من المعتقلين في الزنازين والقاعات بما يفوق ثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية القصوى، وانعدام وسائل التهوية الصحية، وعدم تعرض المعتقلين لأشعة الشمس، عوامل أدت إلى ارتفاع درجات الرطوبة داخل الزنازين والقاعات. وذكر التقرير أن المعتقلين يعانون نقص المناعة، بسبب سوء التغذية وعدم عزل المصابين منهم بمرض السل الرئوي عن الأصحاء، ما ساهم بزيادة تفشي المرض. وأشار إلى أنه لا يتم توفير العلاج اللازم للمعتقلين الذين تُمنع عائلاتهم من زيارتهم بأمر من وزير العدل (في الحكومة السابقة)، الأمر الذي ساهم في عدم وصول الدواء إلى المرضى منهم. ونبّه المركز إلى زيادة الوفيات في صفوف المعتقلين بسبب انتشار مرض السل الرئوي واستمرار أسبابه في مختلف السجون بالبلاد.
اقــرأ أيضاً
وفي اعتراف رسمي بوجود أبرياء في معتقلاتها، أعلنت السلطة القضائية العراقية، يوم الاثنين 20 يونيو/حزيران الماضي، إخلاء سبيل أكثر من 10 آلاف معتقل لم تثبت التحقيقات إدانتهم، بينهم أكثر من 3 آلاف تم إيقافهم بتهمة "الإرهاب". وقال القاضي عبد الستار البيرقدار، المتحدث باسم السلطة القضائية في بيان، إن "محاكم البلاد أفرجت خلال مايو/أيار الماضي عن 10373 موقوفاً لم تثبت إدانتهم بما نُسب إليهم، منهم 8999 موقوفاً تم إخلاء سبيلهم في مرحلة التحقيق، و1374 آخرون أُفرج عنهم خلال مرحلة المحاكمة". وأوضح البيرقدار أن "3456 موقوفاً ممن أفرج عنهم كانت قد وُجهت إليهم تهم وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب".
الأول يُعاقب بإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الأعمال الإرهابية، ويعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكّن الإرهابيين من القيام بالجريمة كفاعل أصلي. أما البند الثاني فينصّ على العقاب بالسجن المؤبد لكل من أخفى عن عمد أي عمل إجرامي أو تستر على شخص إرهابي. وبحسب مصادر قانونية، فإن المحاكم العراقية تفرج عن آلاف المعتقلين، أغلبهم اعتُقلوا وفق المادة 4 إرهاب.
معتقلون سابقون بتهمة المادة 4 إرهاب كشفوا لـ"العربي الجديد" أن ما يجري داخل المعتقلات هو عمليات انتقام طائفي، وأن لا احد يدخل من دون أن ينال نصيباً من التعذيب، على الرغم من تأكد المحققين من براءته.
عمر عبد المجيد الذي أفرج عنه منذ نحو 6 أشهر بعد اعتقال لشهرين، قال إن عملية اعتقاله جرت خلال مداهمة قريته في إحدى مناطق شمال بغداد، لافتاً إلى أن القوات المداهمة اعتقلته ضمن مجموعة من شباب القرية. عبد المجيد تعرض لتعذيب بقيت آثاره لأكثر من ثلاثة أشهر، وقد تمكن من الخروج من المعتقل بعدما دفعت أسرته مبلغاً من المال للضابط المسؤول عن التحقيق معه. فيما لفت إلى أن الشباب الذين اعتُقلوا معه بقوا كثيراً في المعتقل لأن ذويهم تأخروا في تأمين المبالغ المطلوبة. وأكد عبد المجيد أيضاً، أن "المعتقلات مليئة بالأبرياء، وأكثرهم معتقلون وفق المادة 4 إرهاب، لكنهم أبرياء وذنبهم أنهم من طائفة معينة، إذ إن الاعتقالات تتم لاعتبارات طائفية".
أما رياض النداوي، فقد سُجن لعام كامل وتنقّل بين عدد من المعتقلات، وتعرض لكسور في يده وأضلعه بسبب التعذيب، وهو اتُهم بأنه متعاون مع الإرهابيين في تفجيرات وقعت في بغداد. وقال النداوي لـ"العربي الجديد" إن "من يقومون بالمداهمات واعتقال الأبرياء هم عناصر تعمل لصالح المليشيات، لكنهم ضمن القوات الأمنية"، معتبراً أن الاعتقالات تحصل "لأسباب طائفية ومنافع مادية"، مضيفاً: "المسؤولون عن التحقيق وعناصر الأمن الذين يقومون بعمليات اعتقال يستفيدون من هذه الاعتقالات".
ولفت إلى أن "البيوت التي تتم مداهمتها تتعرض لعمليات سرقة، إذ يسرق عناصر القوة الأمنية ما خفّ وزنه وغلا ثمنه بحجة التفتيش بحثاً عن أسلحة ومواد متفجرة، فيما يستفيد المحققون من المتهم بتعريضه لتعذيب رهيب، حتى يحاول ذووه دفع المبلغ المطلوب، لكي يتم الإفراج عنه".
وفي السياق، أشار الناشط في مجال حقوق الإنسان، القانوني عبد الحميد الراوي، إلى أن المحققين هم من يتحكمون بحرية المعتقلين، لافتاً إلى أنه "بإمكان ضابط التحقيق أن يفرج عن أكبر الإرهابيين مهما كثرت الأدلة المادية التي تدينه، ومثل هذا الأمر يُعتبر بحسب مبدأ هؤلاء المحققين صيداً ثميناً". لكن هؤلاء المحققين، وفق الراوي "يهمهم كثيراً أن يكون المعتقل بريئاً لأنه صيد سهل وثمين أيضاً، فأهله سيدفعون المبلغ المطلوب وإن اضطروا إلى بيع ما يملكونه لأجل ذلك"، بحسب قوله.
وأكد أن "الحكومة تعلم بما يجري، فالفضائح والانتهاكات الكثيرة وصلت تفاصيلها للحكومة، وأنا أحد الناشطين الذين أوصلوا حقائق وبالأدلة لكبار المسؤولين، وكان الجواب أنهم سيتحققون من الأمر، وهذا قبل أكثر من سبع سنوات، لكن الأمر يزداد سوءاً". وأشار إلى أن "هناك جهات في الحكومة تستفيد من المعتقلات، فهي مصدر للتمويل وكذلك لترهيب الآخرين، وهذا سلاح قوي يستخدم ضد الخصوم، لذلك كان الصراع على أشده لنيل حقيبة وزارة الداخلية بين القوى السياسية".
أوضاع المعتقلات والسجون العراقية، تمر بوضع كارثي من الناحية الصحية، بحسب مختصين تحدثوا لـ"العربي الجديد". وقال الدكتور محمد الربيعي إن "المعتقلات تنقل عدوى أمراض كثيرة أبسطها الجلدية"، لافتاً إلى أن "الأمراض المعدية من بين المخاطر الصحية التي تهدد المعتقلين".
وأضاف أن زج أعداد كبيرة من المعتقلين في الزنازين والقاعات بما يفوق ثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية القصوى، وانعدام وسائل التهوية الصحية، وعدم تعرض المعتقلين لأشعة الشمس، عوامل أدت إلى ارتفاع درجات الرطوبة داخل الزنازين والقاعات. وذكر التقرير أن المعتقلين يعانون نقص المناعة، بسبب سوء التغذية وعدم عزل المصابين منهم بمرض السل الرئوي عن الأصحاء، ما ساهم بزيادة تفشي المرض. وأشار إلى أنه لا يتم توفير العلاج اللازم للمعتقلين الذين تُمنع عائلاتهم من زيارتهم بأمر من وزير العدل (في الحكومة السابقة)، الأمر الذي ساهم في عدم وصول الدواء إلى المرضى منهم. ونبّه المركز إلى زيادة الوفيات في صفوف المعتقلين بسبب انتشار مرض السل الرئوي واستمرار أسبابه في مختلف السجون بالبلاد.