معبر الكرامة… عنوان العقوبة الصامتة لأبناء الضفة الغربية

16 اغسطس 2014
الانتقام الإسرائيلي والرغبة بالتحكم تقفان وراء المنع (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
يعتمد الاحتلال سياسة العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية. ولا يكتفي بسياسة الاعتقالات العشوائية، بل يلجأ إلى منع مئات المواطنين الفلسطينيين من السفر عبر معبر الكرامة، الذي يصل الضفة الغربية بالعالم، بشكل يومي، لدرجة أن عدد المحرومين من المغادرة، وصل منذ نحو شهرين ونصف، إلى أكثر من 3500 مواطن، ضمن إجراءات لا تخلو من توجيه الإهانة والشتائم، وتحميل المقاومة في قطاع غزة المسؤولية عن أوضاعهم في الضفة. بدأت هذه الإجراءات، منذ حادثة اختفاء المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية في 12 يونيو/حزيران الماضي. آنذاك، استهدف العقاب أهالي محافظة الخليل، لتشمل العقوبة بعد الشهر الأول مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بالتزامن مع حملة أمنية مشددة فرضها الاحتلال في الضفة أسفرت عن اعتقال المئات من أبناء الضفة.


يبدو لافتاً صمت السلطة الفلسطينية، التي لم تصدر بياناً أو تصريحاً صحافياً حتى، لكشف حقيقة ما يجري من عقوبات جماعية. ويقول رئيس "الحركة الوطنية لحرية حركة الفلسطينيين ــ بكرامة"، طلعت علوي لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة الفلسطينية تعتقد أنه ليس لها علاقة، فعندما يمنع الاحتلال الفلسطينيين من السفر عبر الكرامة، يُبرر ذلك بأسباب أمنية، وعندما يفعل الأردن ذلك، تقول هذه أمور سيادية لا نستطيع التدخل فيها". ويوضح علوي أن "الإجراء الإسرائيلي الأخير غير مسبوق، وأعداد الممنوعين من السفر في تزايد مستمر". ويشدد على أن "الخطير في الأمر أن هذا الإجراء غامض وغير محدد، ونخشى أن يكون بداية إجراء جديد لأهالي الضفة الغربية".

من جهته، يؤكد المدير العام للمعابر والحدود في السلطة الفلسطينية، نظمي مهنا، لـ"العربي الجديد"، أن "أعداد الممنوعين من السفر في تزايد مستمر، وهناك اتصالات مكثفة بين أجهزة الأمن الفلسطينية والطرف الإسرائيلي لحل الأمر". في المقابل، يرى رئيس الارتباط العسكري الفلسطيني، اللواء جهاد الجيوسي، أن "هذا الملف من اختصاص الارتباط المدني، أي وزارة الشؤون المدنية". وتلقت وزارة الشؤون الفلسطينية، بعد استفسارها من الارتباط الإسرائيلي عن سبب منع المواطنين من السفر، جواباً مضمونه أن "هذا الملف لدى الاستخبارات الإسرائيلية وليس لدى الارتباط"، وفق ما يؤكد وكيل الوزارة، معروف زهران لـ"العربي الجديد". ويشير زهران إلى "وجود منع من السفر بحق مئات المواطنين بشكل عشوائي، منذ 12 يونيو/ حزيران، ولا نملك أي معلومة لدينا سوى المزاجية الإسرائيلية ورغبتهم بالتحكم والسيطرة".


وحول غياب الموقف الرسمي الفلسطيني، يقول إن "من يريد إعطاء موقف رسمي عما يجري، يجب أن يمتلك الرواية الكاملة، ونحن لا نمتلكها، وقمنا بمراجعة الارتباط الإسرائيلي مرات عدة، ليؤكد في كل مرة، عدم معرفته الأسباب، وأن الأمر بيد جهاز الاستخبارات الإسرائيلية فقط". ويستقبل الارتباط المدني الفلسطيني عشرات الحالات يومياً لمواطنين يقدمون التماساً للسماح لهم بالسفر، لكنه لا يقوم سوى بفتح ملف لهم، وإرسال الالتماس إلى الارتباط الإسرائيلي، أي ما كان يسمى "الإدارة المدنية" قبل اتفاقيات أوسلو. ومن النادر أن ترد الأخيرة على هذه الالتماسات التي يتم تحويلها إلى الاستخبارات. وتشير إحصائيات المعابر والحدود إلى أن 1164 مواطناً منعوا من السفر خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، غالبيتهم من محافظة الخليل. في حين تم منع 1463 مواطناً في شهر يوليو/ تموز، بحجة وجود أسباب أمنية. وتزايدت الأعداد بداية الشهر الجاري، إذ وصل عدد الممنوعين حتى تاريخ التاسع من أغسطس/آب الجاري، إلى 924 مواطناً، بحسب بيانات إدارة العلاقات العامة والإعلام في الشرطة. ويسافر نحو مليوني مواطن سنوياً عبر جسر الكرامة، الذي يعتبر الرئة الوحيدة التي يتنفس منها أهل الضفة الغربية المحتلة والذي يخضع لسيادة الاحتلال الإسرائيلي بالكامل.

ويمنع الاحتلال، الفلسطينيين من استخدام مطاراته لغرض السفر، ما يجعل جسر الكرامة هو الطريق الوحيد لخارج الضفة الغربية، رغم طول إجراءاته والتنكيل الذي يناله المسافرون كباراً كانوا أم صغاراً على عشرات نقاط التفتيش المنتشرة عليه. وتعرب بعض المصادر عن تخوفها الكبير نظراً لأن من يتم إعادتهم من جسر الكرامة، هم من المسافرين الدوريين، أي الذين يستخدمون الجسر بشكل دائم، كطلاب الجامعات، والتجار، والموظفين الفلسطينيين في دول الخليج العربي. وتطلب الاستخبارات الإسرائيلية غالباً من هؤلاء التوجه لمكاتب الارتباط الإسرائيلية، للاستيضاح حول سبب منعهم من السفر.


ويقول الفنان والمخرج، خالد جرار، من رام الله لـ"العربي الجديد"، "تم منعي الشهر الماضي من السفر، حين كنت في طريقي لافتتاح معرض فني مشترك في الولايات المتحدة". ويضيف أنه "عندما استفسرت عن السبب، انهال علي الجندي بالإهانات والشتائم العنصرية". مسافر آخر، فضل عدم الكشف عن اسمه، أوضح أن "ضابط الاستخبارات الإسرائيلي على جسر الكرامة، أخبره بعد منعه من السفر، أن هذه الإجراءات ستنتهي حين تنتهي المقاومة من ضرب صواريخها على إسرائيل، وطلب منه مراجعة مقر الارتباط الإسرائيلي في بيت إيل"، لكنه لم يذهب. واقع دفع مؤسسات حقوقية إلى الاستعداد لعقد اجتماع في الأيام القليلة المقبلة، لمناقشة "هذا الإجراء التعسفي المستمر منذ شهرين ونصف، والذي يضرب صلب حقوق الإنسان وحقه بالتنقل بحرية وأمان"، وفق ما يؤكد مفوض حقوق الإنسان في الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، أحمد حرب.