معاناة ناهيا... 70 ألف مصري محاصرون

07 اغسطس 2015
تعاني القرية من حصار أمني مشدد (الأناضول)
+ الخط -

فرضت قرية ناهيا المصرية، نفسها على خارطة الأحداث في مصر، بالدم والاعتقال والحصار، لعقود عدة. وإذا كان الاسم فرض نفسه بقوة في السنوات الثلاث الأخيرة، فإنه كان حاضراً في الذاكرة الأمنية، مع بداية تولّي الرئيس المخلوع حسني مبارك، حكم مصر، عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1981.

قرية ناهيا الواقعة في مركز كرداسة بمحافظة الجيزة، يتراوح عدد سكانها بين 70 و75 ألف مواطن. وتعاني القرية من حصار أمني مشدد، إذ باتت قوات الأمن تقتحم منازلها بشكل دائم، حتى إن عشوائية الأمن وصلت إلى القتل وليس الاعتقال فقط. وأثّرت القبضة الأمنية على مواطني قرية ناهيا من الناحية الاقتصادية والخدمية بشكل كبير.

حصار وحرمان

"لا يمكن لأي من أبناء قرية ناهيا أن يصير ضابطاً في الشرطة أو في الجيش، بقرار أمني من أيام مبارك، لأننا إرهابيون في نظر الدولة"، وفق ما يقول أحد مواطني القرية لـ"العربي الجديد"، رافضاً ذكر اسمه، خوفاً من البطش الأمني. ويشير إلى أن "السبب في منع كامل أبناء القرية من الحصول على رتبة ضابط، هو أن عبود الزمر، أحد أبناء القرية، مع أنه كان أحد أبناء الجيش قبل أن يكون أحد أبناء القرية"، متسائلاً "ما ذنبي أنا كمواطن أن عبود الزمر من ناهيا؟".

14 مواطناً في قرية ناهيا قُتلوا على أيدي قوات الأمن أثناء اقتحامها للقرية، ولعل أبرز هؤلاء عضو "حركة 6 أبريل" خالد الرشيدي، البالغ من العمر 23 عاماً.

يروي حسام الرشيدي، شقيق خالد لـ"العربي الجديد"، أنه كان وشقيقه يمران بجوار موقف الباص في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، و"فوجئنا بقوات الأمن تقتحم القرية وتطلق النيران بشكل عشوائي، وحاولنا الاحتماء في أي شيء، ولكن فوجئت بأخي خالد قد وقع على الأرض، كنت أظن في البداية أنه تعثر في شيء، فحملته على كتفي، ولكن فوجئت بالدماء تخرج من رأسه لتغرق ملابسي". ويضيف: "علمت في اليوم نفسه أن الأمن قتل اثنين آخرين، منهم فتى اسمه حمدي الصعيدي يعمل في كافيتريا أمام موقف الباص، خنقه الغاز المسيل وهو في الكافيتريا ولم يستطع الخروج".

أما والدة خالد الرشيدي فتقول إن نجلها "كان يمكن إنقاذه، ولكنهم رفضوا استقباله في مستشفى أبي رواش المجاور لناهيا، فذهبنا إلى قصر العيني، والغريب أنهم عندما علموا أننا من ناهيا أمرونا بانتظار الدور". ويضيف حسام شقيق خالد، أن "الأمن عندما علم أننا من ناهيا كان يريد اعتقال كل من جاء لإنقاذ خالد، وأراد اتهام أحد أصدقاء خالد الذي جاء لإسعافه".

روايات أخرى لأبناء ناهيا تكشف القمع الممارس بحقهم، ومنها قصة حسام العقباوي ذي الـ19 عاماً الذي خرج من السجن ليقضي يوم العيد في قبره بعدما قتلته قوات وزارة الداخلية برصاصة في الرأس بعد صلاة العيد مباشرة. أما شقيقه التوأم فهد العقباوي فهو معتقل منذ ما يقرب من 4 أشهر في أحداث تظاهر. ومن العائلة نفسها، فإن عبود العقباوي تم اعتقاله منذ 5 أشهر، ومن ضمن التهم التي وُجهت له تعطيل المرور في ناهيا، مع أنه لا توجد إشارة مرور واحدة في ناهيا. أما حسني فتحي العقباوي الذي قتلته الداخلية في يوم الاستفتاء على الدستور في 14 يناير/كانون الثاني 2014 فهو من أسرة حسام وفهد وعبود نفسها، ومع أن والده من أنصار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلا أن الرصاص لا يفرق بين أحد في ناهيا.

ولم يوفّر القتل الأطفال، ففي شهر مايو/أيار الماضي وأثناء الاقتحام المعتاد من قوات الأمن لناهيا، أطلق رجال الأمن الرصاص الحي بشكل عشوائي أثناء فض إحدى التظاهرات، ما أدى إلى مقتل أحمد شحاتة، البالغ من العمر 14 عاما، بعد إصابته برصاصة حية في رأسه.

اقرأ أيضاً: مصر: تقييد الحريات لتعويض الفشل الأمني

اختطاف وإخفاء قسري

معاناة أهالي ناهيا امتدت إلى الاختطاف والإخفاء القسري، ويروي سعيد صلاح لـ"العربي الجديد"، قصة اختطاف والده، قائلاً إن "الشرطة اقتحمت المنزل وسألت عن أخي محمد فلم تجده، فاختطفت والدي المزارع البالغ من العمر 62 عاماً، بعدها بحثنا عنه، ولكننا لم نجده، وظل مكانه مجهولا لمدة 15 يوماً".

ويضيف: "لم يكتفوا بخطف والدي، ولكن الشرطة اختطفت زوجة أخي يوماً كاملاً بعد تدمير محتويات المنزل من جديد، أما والدي الذي لا علاقة له بالسياسة فأطلق الأمن سراحه بعد 15 يوماً من دون عرضه على النيابة. ولم تنتهِ المعاناة بإطلاق سراح أبي وزوجة أخي، ولكننا ما زلنا نبحث عن شقيقي محمد صلاح الذي اعتقلته قوات الأمن، ومكانه مجهول إلى الآن".

وتُظهر روايات أبناء ناهيا العنف المستخدم ضدهم، ويقول حلمي السنوسي لـ"العربي الجديد" إنه "عندما تظهر الداخلية يجب على الجميع أن يغلق المحلات التجارية، ويجب على المزارعين العائدين من أراضيهم أن يبحثوا عن أماكن يلجؤون إليها، حيث يتجنبون قوات الأمن لأنها تعتقل كل من تقابله في طريقها".

أما محمد هاني، فيروي أنه كان عائداً إلى منزله "فإذا بالداخلية تقتحم القرية وتعتقل كل من بالشارع، وكنت أنا ضمن هؤلاء المعتقلين، واتهمونا بالتظاهر، مع أنه لم يكن هناك أي متظاهر، وتم إخلاء سبيلي بكفالة ألفي جنيه، ولا أعلم سبباً لاعتقالي سوى أنني من ناهيا".

ويكفي أن تكون كلمة ناهيا واردة في البطاقة الشخصية لأي شخص، لتجعله عرضة لمضايقات الأمن، كما يقول مواطن من القرية، مشيراً إلى أن الشباب في ناهيا يدفعون 600 جنيه لتغيير عنوان السكن حتى يتحركوا بحرية خارج القرية، أو حتى يحصلوا على وظائف.

معاناة أهالي ناهيا لا تقتصر على الناحية الأمنية، بل تتعداها إلى الأمور الحياتية والاقتصادية، ومنها أزمة الغاز، فأهالي القرية مضطرون إلى الاصطفاف أمام مخرن أسطوانات الغاز الوحيد في القرية للحصول على أسطوانة غاز من المخزن مباشرة، ومع أن الغاز متوفر في هيئة مواسير تصل إلى المنازل في بولاق الدكرور المجاورة لناهيا، إلا أنها لم تصل لقرية ناهيا. وأزمة السولار لا تختلف عن أزمة الغاز في الطوابير التي ربما تفقد الأمل في العثور على آخرها.

أما مستشفى ناهيا، فهو يغلق أبوابه في وجه المرضى بعد الساعة 11 صباحاً، ولا توجد فيه أي إسعافات أولية. وكان أهالي القرية قد طالبوا بتحويله إلى مستشفى مركزي، وجمعوا توقيعات جماعية لإرسالها لوزارة الصحة، ولكن أحداً لم يرد عليهم.

في مقابل ذلك، تعمد وسائل إعلام لتبرير انتهاكات الأمن في قرية ناهيا، بدعوى أنها "إرهابية". فالإعلام يحاصر القرية كما تحاصرها قوات الأمن وأكثر، كما يقول المزارع سعد منصور، مضيفاً أنه يتعجب "عندما يحرّض الإعلام ضد القرية بمن فيها، مع أننا لا علاقة لنا سوى بالأرض، ولا دراية لنا بالسياسة".

ورفضاً للحصار الأمني والانتهاكات بحق أهالي القرية، قررت رابطة "ألتراس ناهيا" التظاهر باستمرار، للمطالبة بالحرية لهم ولقريتهم. ونظمت الرابطة تظاهرة في عيد الفطر الماضي بعد صلاة العيد مباشرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، ولكن قوات الأمن اقتحمت القرية وفضت التظاهرة بالرصاص الحي، ما أدى إلى مقتل شاب، وتم اعتقال 15 شاباً آخرين.

وفي محاولة لكشف الوضع في ناهيا، دعت حركة "شباب 6 أبريل" وحزب "مصر القوية في ناهيا" منظمات حقوق الإنسان لزيارة القرية والوقوف على حقيقة ما يجري فيها، مشيرين في بيان مشترك إلى معاناة القرية "من اضطهاد واضح من وزارة الداخلية، وتعتيم واضح من أجهزة الإعلام".

اقرأ أيضاً: الأمن المصري يقتل شابين خلال 24 ساعة