في طريقه إلى مدينة الشلف، غربي الجزائر، لم يكن محمد سلامي يفكّر إلا في عيد الأضحى الذي تأتي "نكهته خاصة". وهو كان قد ترك قبل أيام تندوف (جنوب غرب) الواقعة على الحدود الجزائرية المغربية، للالتحاق بالعائلة والاحتفال معها بالعيد الذي "تكون نكهته أفضل عندما تقضيه مع عائلتك". محطات عدّة تخلّلت "رحلة العذاب" تلك، مثلما يسمّيها. وهو مضطر، كما غيره، إلى ركوب الحافلات أو سيارات الأجرة، بسبب غياب الرحلات الجوية المنتظمة من الجنوب إلى الشمال. يُذكر أنّه كان قد اشترى تذكرة الحافلة قبل أسبوع من رحلته وحجز مقعداً ومساحة لوضع ما يحمله إلى أهله.
كثيرون هم الجزائريون الذين يعملون في شركات الغاز والنفط المختلفة، والذين يخدمون في ثكنات للجيش في الجنوب الجزائري، والذين يعانون خلال عودتهم إلى بلداتهم ومدنهم. لكنّهم ينسون "العذاب" في النهاية، إذ تتاح لهم فرصة العودة إلى الديار ولقاء الأهل والأقارب والأحباب. هذا ما يؤكده أسامة الذي انتقل من مدينة حاسي مسعود إلى العاصمة الجزائرية قبل أن يتوجّه إلى مدينة شرشال (غرب). بالنسبة إلى أسامة العازب، "العيد هو قضاء المناسبة مع الوالدَين، وهو إجازة للراحة واستعادة النشاط قبل العمل لشهرين ونصف الشهر في الجنوب من جديد".
والرحلة من الجنوب نحو الشمال هي رحلة من نوع خاص ولها "نكهتها الطيّبة" بالنسبة إلى آلاف المسافرين، بحسب ما يقول عبد الجليل الذي يقطن في ولاية سيدي بلعباس (غرب) ويعمل في إحدى منشآت البناء والعمار في ولاية ورقلة (جنوب). يضيف أنّ "العيد هو دائماً محطة فاصلة لجميع العمال الذين حملتهم ظروف الحياة للعمل بعيداً عن الأهل والعائلة". ويلفت عبد الجليل إلى أنّه يجد غالباً صعوبة في العثور على مكان متوفّر في حافلات النقل عندما يقصد مدينته، خصوصاً أنّه يتنقل بين أربع محطات.
قبل العيد بأيام، سُجّلت حركة كثيفة في محطة المسافرين في الخروبة وسط العاصمة الجزائرية. يقول عبد الغني إنّ "الجميع كان يريد الحصول على تذاكر وركوب الحافلات للاجتماع مجدداً مع الأهل والأحباب"، مشيراً إلى أنّ "في مثل هذه الفترات، ثمّة لذّة منقطعة النظير، خصوصاً بالنسبة إلى الذين رمت بهم الأقدار للعمل على مدى أشهر متواصلة بعيداً عن الديار، عند الحدود الجنوبية للجزائر". يُذكر أنّ عبد الغني بقي خمسة أعوام وهو يعمل في نقل البضائع والزيوت من الجنوب إلى عدد من الولايات وسط البلاد. والعيد بالنسبة إليه هو "تفريج التعب وتعويض البُعد الذي طال لمدّة أشهر. فأنا تعلمت خلال أسفاري كيف أستفيد من فرص الأعياد الدينية والمواسم التي تحتفل فيها العائلات الجزائرية بطرق تعيد لمّة أبنائها وتحيي أجواء الفرح".
في سياق متصل، يمكن القول إنّ "مصائب قوم عند قوم فوائد". ففي الجزائر، ثمّة نقل موازٍ يمتهنه عشيّة العيد أصحاب السيارات المتقاعدين وكذلك الموظفون الذين يملكون سيارات، بعيدا عن أعين الرقابة والأمن. وهؤلاء يطلبون مبالغ خيالية من المسافرين، الأمر الذي وصفه أحدهم بأنّه "فرصة لانتهاز العيد، خصوصاً أنّ كثيرين يرغبون في الالتحاق بالديار وبأيّ ثمن".
وعائلات كثيرة اضطرت، كما في كل عام، إلى قبول عرض النقل الموازي بثمن باهظ، إذ إنّ المهمّ بالنسبة إليها هو الوصول إلى بيوتها في الديار عشيّة العيد. مليك على سبيل المثال، لم يكن قد اشترى بعدُ الأضحية وكان أهله وأولاده في انتظاره قبل العيد. لذا اضطر إلى دفع أكثر من 10 آلاف دينار جزائري (90 دولاراً أميركياً) مع ثلاثة مسافرين آخرين لصاحب مركبة، حتى يوصلهم إلى مدينة غيليزان (غرب) إذ إنّ الوقت كان قد بدأ يداهمهم.
إلى ذلك، كان عدد من الشباب قد عمد قبيل العيد إلى تقديم مساعدات إلى المسافرين، عبر توزيع مياه معدنية باردة عليهم مجاناً، فهؤلاء، بحسب ما يشير وليد بن عبد الرحمان، كانوا قد قضوا الليل في انتظار موعد سفرهم. كذلك جرى توزيع بعض الأطعمة الخفيفة عليهم، في إطار "وقفة تضامنية لمساعدة المسافرين، خصوصاً المرضى وكبار السنّ وسط الحرارة المرتفعة التي سُجّلت في الأيام الأخيرة". ويلفت عبد الرحمان إلى أنّه كان قد نفّذ مع أصدقاء له هذه الفكرة خلال العام الماضي، "وقد لقيت استحساناً من قبل كثيرين. وصار البعض يمدّنا بالمؤونة والماء مجاناً ونحن بدورنا نوزّعها على المسافرين".
طقوس خاصة بالأضحى
يصرّ الجزائريون على العودة إلى بلداتهم خلال عيد الأضحى، لأنّهم بذلك يعبّرون عن تمسّكهم بهويتهم وبعاداتهم وتقاليدهم. فالاحتفال في الجزائر يتميّز بطقوس خاصة، ما زال السكان المحليون متشبّثين بها، رغم التحوّلات الكثيرة الطارئة على المجتمع الجزائري. ومن تلك الطقوس ذبح الأضاحي جماعياً والإكثار من الصدقات وزيارة مقابر الأقربين.