وفي حين تنشغل الأطراف العراقية في معركة الفلوجة، هزّ العاصمة العراقية بغداد، تفجيران، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات العراقيين، أمس الخميس، فيما فرضت قوات الأمن إجراءات أمنية مشددة تحسباً لحدوث هجمات جديدة. ويقول مصدر في وزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد"، إن 31 شخصاً قتلوا، وأصيب أكثر من 78 آخرين بتفجير انتحاري في سيارة مفخخة بمنطقة التاجي شمال بغداد"، مؤكداً أن التفجير استهدف نقطة تفتيش عند مدخل معسكر للجيش العراقي.
أمّا معارك الفلوجة، وفقاً لمصادر عسكرية عراقية رفيعة المستوى، فإنها انحصرت، في يومها الثامن عشر، بالمحور الجنوبي والشمالي، تحديداً، وسط هدوء حذر وعمليات قنص وتراشق بقذائف الهاون على المحورَين الغربي والشرقي. وتؤكد هذه المصادر أنّ المعارك لا تزال خارج الحدود الإدارية لمدينة الفلوجة أو ما تُعرف بـ"أسوار الفلوجة"، وهو خلاف لما أعلنته الحكومة، أول من أمس الأربعاء، من دخولها حي الشهداء الثاني.
ويقول ضابط عراقي في محور الجنوب بالفلوجة، الرائد محمد السلطاني، لـ"العربي الجديد" إنّ "المعارك مستمرة والعبوات والألغام التي تركها داعش تُقدّر بالآلاف، والحديث عن تقدم بمسافة كيلومتر واحد يعني كثيراً في سياقات مثل هذه المعركة". ويضيف الضابط أن "لا أحد يريد التوغل باتجاه المدينة، فالجميع يعلم أن داعش استعد ووضع كمائن موت وأفخاخ". ويوضح أنّ "المعركة في ساحة الخصم ستكون صعبة جداً، ونفضّل عدم الدخول، حالياً، قبل استنزاف داعش، والدخول بين أزقة وحارات الفلوجة انتحار، خصوصاً مع عدم وجود الغطاء الأميركي، المتمثّل بالتحالف الدولي".
من جانبه، يقول قائد عمليات الهجوم على الفلوجة، الفريق عبدالوهاب الساعدي لـ"العربي الجديد" إن "تعزيزات جديدة وصلت إلى مشارف الفلوجة للمشاركة في إدامة زخم المعركة".
ويشير الساعدي إلى أن "الهجوم مستمر، وخلال ساعات ستكون هناك مفاجآت على مستوى المعركة ككل"، من دون أن يخوض في التفاصيل. غير أن مصادر أخرى تلفت إلى محاولة الهجوم والاقتحام، مجدداً، لكن لن يتم الإعلان عن ذلك، كما في كل مرة، تحسّباً من فشلها، وفقاً للمصادر.
في غضون ذلك، وصل رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، وعدد من أعضاء اتحاد القوى إلى مشارف المدينة، والتقوا القوات النظامية، فيما التقى أعضاء التحالف الوطني الحاكم قيادات مليشيات "الحشد". ووفقاً لمراسل "العربي الجديد" المتواجد في مشارف الفلوجة الجنوبية، فإن الجبوري تجنّب التوقف عند المحور الجنوبي، واكتفى بالعبور من خلاله للوصول إلى عامرية الفلوجة، حيث يتواجد النازحون وقادة الجيش النظامي، تحاشياً للقاء غير محتمل مع قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، أو أي من الجنرالات الإيرانيين المتواجدين مع مليشيات "الحشد".
وتوضح مصادر مقرّبة من رئيس البرلمان العراقي، أنّ الأخير تسلّم قائمة تضم مئات الأسماء من المواطنين النازحين الذين تم اختطافهم من المليشيات، ولم يُعثر على جثثهم لغاية الآن، أسوة بالباقين. كما لم يتم تسليمهم للجيش، وفقاً للاتفاق بين وزارة الدفاع وهيئة "الحشد الشعبي".
وبعدما كشفت وسائل إعلام محلية ودولية عن انتهاكات كبيرة لمليشيا الحشد في الفلوجة، وحملات اعتقال وخطف وقتل وتعذيب طاولت المئات من النازحين من الفلوجة، طالبت شخصيات عراقية بتفعيل قانون ينص على معاقبة الإعلام الذي يسيء لتلك المليشيات. وقال النائب في التحالف الوطني، علي لفته، في بيان صحافي، "يتحتّم على الحكومة تفعيل القوانين الموجودة ضمن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، الذي لا يسمح بالتجاوز من قبل الإعلام على الأمن القومي والقوات المسلحة". وأشار المرشدي إلى أنّ "هناك وسائل إعلامية منها أجنبية، وعربية، ومحلية معادية ومأجورة تحاول تزييف الحقائق، وتحاول أن تشوّه صورة الحشد الشعبي وتشتت الجهد الذي تقوم به إلى جانب القوات المسلحة من البطولات والانتصارات في معارك دحر الإرهاب".
على صعيد متصل، حاولت الحكومة العراقية التقليل من أعداد المدنيين المحاصرين داخل الفلوجة، عبر تصريحات قادة عسكريين ومسؤولين حكوميين، مشيرة إلى وجود ما بين 40 إلى 50 ألف مدني، إلّا أنّ الأمم المتحدة أكّدت أن عدد المدنيين المحاصرين داخل المدينة يبلغ 90 ألفاً. وأوضحت منسقة العمليات الإنسانية لبعثة الأمم المتحدة في العراق، ليزا كراند، أمس الخميس، أن "المدنيين الذين نجحوا في الخروج من الفلوجة أعطونا أرقاماً عن وجود 80 إلى 90 ألف مدني داخل المدينة، وتمكن نحو 20 ألف مدني من الخروج في ظروف خطرة، وساروا أياماً عدة حتى تمكّنوا من الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات العراقية".
وأشارت إلى غرق 10 أشخاص خلال محاولتهم الفرار عبر نهر الفرات، محذّرة "إنْ لم نحصل على تمويل عاجل، فلن يكون بمقدورنا فعل المزيد للنازحين"، ومنتقدة المجتمع الدولي بقولها "كيف نتفهم إنفاق المجتمع الدولي أموالاً طائلة على العملية العسكرية في الوقت الذي يُهمل فيه الضحايا من تلك المدينة".