وفيما شدّد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على أن القرار، في حالة المصادقة عليه بشكل نهائي بعد عرضه أمام المجلس الحكومي ثم أمام البرلمان بغرفتيه، لن يطاول الفئات الفقيرة والمعوزة، اعتبر مهنيون ومتابعون أن المدرسة العمومية "المجانية" لا يدرس فيها أصلا سوى أبناء الفقراء.
ويأتي التوجه نحو إلغاء مجانية التعليم في المدارس العمومية بالمغرب في وقت تشهد فيه المؤسسات التعليمية الخاصة ارتفاعا مضطردا، خاصة في المدن الكبرى بالمملكة، بينما تعرف المدارس العمومية (الرسمية) ترديا كبيرا، أفضى إلى إغلاق أكثر من 200 مدرسة منذ سنة 2008 حتى اليوم.
وعارضت العديد من الجمعيات والنقابات توجه الدولة صوب إلغاء مجانية التعليم في مستويات الثانوي والجامعي، بدعوى إنعاش الميزانية المالية للدولة، والدفع بأبناء الأغنياء إلى عدم "مزاحمة" أولاد الفقراء في المدارس العمومية، ومنها الجامعة الوطنية للتعليم التي اعتبرت أن التلاميذ الفقراء مستهدفون من هذا القرار في حال تطبيقه.
وأوردت النقابة ذاتها، أن أبناء الأغنياء لا يدرسون في المدارس العمومية، بل يتواجدون في البعثات والمعاهد الخاصة، وبالتالي يعتبر إلغاء مجانية التعليم حملة تهدف إلى تفكيك المدرسة العمومية في البلاد، وإلى مزيد من النزيف الذي يهدد بالقضاء عليها نهائيا، خاصة بعد تردي أوضاعها، والنقص المهول في عدد الأساتذة.
من جهتها، أفادت الجمعية المغربية لحقوق التلميذ بأن إلغاء مجانية التعليم هو خرق للفصل الواحد والثلاثين من الدستور، الذي ينص على الحق في تعليم عصري ميسر الولوج، وذي جودة ومسؤولية"، مضيفة أن "تمويل التعليم يقتضي الرفع من ميزانيته، عوض تمويله من جيوب أسر التلاميذ الفقيرة والمتوسطة".
وبخصوص تداعيات إلغاء مجانية التعليم في مستويات الثانوي والجامعي، أكد الخبير التربوي، محمد الصدوقي، على أن آثار القرار ستمس بالخصوصيات السوسيو اقتصادية لعائلات تلاميذ وطلاب التعليم العمومي"، مبرزا أن الفئات الميسورة من الطبقتين الغنية والوسطى تدرس
أبناءها بالتعليم الخصوصي".
وتابع الصدوقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المدارس الخاصة تستوعب 15 بالمائة من التلاميذ، ما يعني أن 85 في المائة من التلاميذ يتواجدون في المدارس العمومية الرسمية، وهي فئة غير قادرة على الأداء، ولو كانت كذلك لذهبت بأبنائها إلى التعليم الخصوصي.
وأردف المتحدث بأنه استنادا إلى إحصائيات رسمية تقول إن 44.8 بالمائة من الأسر تدهورت معيشتها بالمغرب، و84 بالمائة منها غير قادرة على الادخار، يمكن استنتاج مدى خطورة اتخاذ هذا القرار على الأسر المغربية، خاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة زبائن المدرسة العمومية، وعلى تمدرس أبنائها.
وتوقع الصدوقي أن يفضي قرار إلغاء مجانية التعليم العمومي في السلكين الثانوي والعالي، إلى نتائج كارثية على الأجيال الحالية والقادمة، ستمس الحق في التعليم والقدرة على مسايرة الإنفاق التعليمي، مما سيعمق أكثر الهدر المدرسي، وعدم التمدرس، وما يتبع ذلك من أخطار الأمية والجهل، وعدم التأطير المعرفي والقيمي".
واعتبر المصدر، أن هذا القرار يشكل خطراً على مستقبل واستقرار الفرد والمجتمع، وقد يؤدي إلى الرمي بأجيال كاملة في مستنقعات البطالة، والجريمة، والتطرف، والاستغلال الاقتصادي والإيديولوجي"، موضحا أن مثل هذا القرار تحكمه فقط هواجس تقنية ومالية آنية، ولا يعتمد مقاربة علمية وإنسانية ووطنية، تقدر جيدا التكلفة الاجتماعية للاستقرار والأمن".
ومقابل هذه الاعتراضات والانتقادات الشديدة لقرار إلغاء مجانية التعليم، كشف خالد الصمدي، مستشار رئيس الحكومة، أنه "بعد توصل الحكومة برأي المجلس حول مشروع القانون، ستعمل على إعداده في صيغته النهائية ثم عرضه على مجلس الحكومة، فمجلس الوزراء، قبل عرضه بعد ذلك على البرلمان بغرفتيه، وهناك يمكن للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أن تناقشه وتقترح التعديلات التي تراها مناسبة".