وأكد سكان في الرياض، أمس، سماع صوت انفجار، كما لو أنه الصاروخ الأول من نوعه الذي تُسمع أصداؤه في العاصمة السعودية، في وقتٍ أعلن فيه التحالف اعتراض الصاروخ جنوب مدينة الرياض، في حين قال الحوثيون إن الصاروخ استهدف اجتماعاً موسعاً لـ"قادة النظام السعودي في قصر اليمامة"، المقر الرسمي ومكتب ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز.
وبالفعل، جاء اعتراض الصاروخ أمس، في وقت كانت الأنظار متجهة فيه نحو الرياض، حيث كان العاهل السعودي يعلن موازنة البلاد للعام 2018، والتي قال إنها "أكبر موازنة في تاريخ البلاد". وفي بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أوضح المتحدث الرسمي لقوات التحالف، العقيد الركن تركي المالكي أنه، ظهر أمس الثلاثاء، "رصدت قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي انطلاق صاروخ باليستي من داخل الأراضي اليمنية باتجاه أراضي المملكة". وأفاد بأن الصاروخ "انطلق باتجاه مناطق سكنية مأهولة بالسكان بمنطقة الرياض، وتم اعتراضه وتدميره جنوب الرياض من دون وقوع أي خسائر". وأكد، من جهته، مركز التواصل الدولي في وزارة الإعلام السعودية في تغريدة على حسابه على تويتر أن الصاروخ "إيراني-حوثي".
في مقابل ذلك، قالت قناة "المسيرة" اليمنية التابعة للحوثيين على حسابها على "تويتر" إن "القوة الصاروخية (للحوثيين) تعلن إطلاق صاروخ (بركان تو إتش) الباليستي على قصر اليمامة في الرياض"، مضيفةً أنّ "هدف الصاروخ الباليستي اجتماع موسع لقادة النظام السعودي في القصر". ولاحقاً قال بيان للجماعة نشرته قناة "المسيرة" على موقعها "ما بعد صمود ألف يوم مرحلة مغايرة لما قبل"، مضيفاً أنّ "قصور النظام السعودي وكافة المنشآت العسكرية والنفطية في مرمى صواريخنا".
وتعد هذه المرة الأولى، التي يعلن فيها الحوثيون إطلاق صاروخ باتجاه مقر سعودي على أعلى المستويات ممثلاً بـ"قصر اليمامة"، وبصاروخ من النوع ذاته الذي استهدف مطار الملك خالد الدولي في الرياض في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، وبلغ مداه نحو 750 كيلومترا. ووجهت السعودية وقتها اتهامات لإيران بتزويد الحوثيين بهذا الصاروخ، في حين رفع إطلاقه من وتيرة التصعيد للحرب اليمنية من جهة، والأزمة السعودية - الإيرانية من جهة أخرى، إضافة إلى فرض التحالف العسكري حصاراً شاملاً على اليمن لنحو ثلاثة أسابيع.
وجدد التحالف أمس اتهام طهران بدعم الحوثيين وتزويدها بالصواريخ. وقال المالكي في بيانه الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن "السيطرة على الأسلحة الباليستية ذات التصنيع الإيراني من قبل المنظمات الإرهابية، ومنها المليشيا الحوثية المسلحة المدعومة من إيران، يمثّل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي"، معتبراً أنّ "استمرار المليشيات في استهداف المدن بالصواريخ الباليستية دليل واضح على استمرار المليشيات الحوثية المدعومة من إيران في استخدام المنافذ المستخدمة للأعمال الإغاثية في تهريب الصواريخ الإيرانية".
وسبق أن هدّد الحوثيون بقصف العاصمة السعودية والعاصمة الإماراتية أبوظبي، شريكة الرياض في التحالف العسكري، رداً على الحصار الشهر الماضي. وبعيد الإعلان عن إطلاق الصاروخ أمس، أعلنت الإمارات عن تعليق شركة "الاتحاد للطيران" رحلاتها بين أبوظبي وطهران.
ولاحقاً، قال زعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي "في مقابل ألف يوم من القصف بالأسلحة المحرمة دولياً، كان هناك ألف يوم من الصمود أثبت خلاله شعبنا أن إرادته لن تنكسر"، بحسب خطاب بثته "المسيرة". وتابع "بعد ألف يوم، شعبنا اليوم تصل صواريخه الباليستية إلى وسط الرياض وإلى قصر حكمهم"، مضيفاً "أنتم تعتدون على القصر الجمهوري في صنعاء وتصل صواريخنا الباليستية إلى قصر اليمامة بالرياض. أنتم تقصفون صنعاء ونحن نقصف الرياض وأبوظبي".
ووفقاً لمصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، فإن الصاروخ الذي انطلق من اليمن الثلاثاء، هو الثالث من نوعه، إذ كان الحوثيون قد أطلقوا أول صاروخ يحمل التسمية نفسها (بركان تو إتش)، في يوليو/تموز الماضي، وقالوا إنه استهدف مصافي تكرير النفط بمحافظة ينبع السعودية، قبل أن يطلقوا صاروخاً من النوع ذاته على مطار الرياض، وأخيراً قصر "اليمامة" في العاصمة السعودية.
وجاء إطلاق الصاروخ على الرياض أمس، فيما كانت ردود الفعل حول الصاروخ السابق لا تزال عنواناً للتناول في وسائل الإعلام، إذ عقدت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، الخميس الماضي، مؤتمراً صحافياً عرضت خلاله بقايا الصاروخ الذي استهدف المطار الشهر الماضي، واعتبرتها أدلة على أن الصاروخ إيراني الصنع، وأن طهران أرسلته للحوثيين ليستهدفوا به العاصمة السعودية.
وفي العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أفاد تقرير سرّي بأن مسؤولين في الأمم المتحدة، توصلوا إلى أن صاروخين من نوع (2-H) أطلقا على السعودية، يبدو "أنهما من المنشأ ذاته"، وفقاً لوكالة "رويترز" التي قالت أيضاً، إن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، قال إن المسؤولين توصلوا إلى أن "الصاروخين يحملان ذات خواص الهيكل والصنع وهو ما يرجح أنهما من المنشأ ذاته"، وإن مسؤولي المنظمة اطلعوا على ثلاثة مكونات "حملت شعاراً مماثلاً لشعار مجموعة الشهيد باقري الصناعية" الإيرانية، وهي شركة تضعها الأمم المتحدة على قائمتها السوداء.
من جهة أخرى، يعد الصاروخ الذي استهدف الرياض، الأول من نوعه، بعد الأحداث التي شهدتها العاصمة اليمنية صنعاء، مطلع الشهر الجاري، وقتل فيها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على أيدي الحوثيين، بما يلقي مسؤولية إطلاق الصاروخ الجديد من قبل الجماعة، عليها وحدها، بعد انهيار تحالفها مع القوات الموالية لصالح.
ومن المتوقّع أن يدشن الصاروخ مرحلة جديدة من التصعيد العسكري في اليمن، في خضم التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد، وارتفعت خلالها وتيرة العمليات العسكرية للتحالف وقوات الجيش اليمني الموالية للشرعية ضد الحوثيين وحلفائهم. وأفادت مصادر يمنية مطلعة لـ"العربي الجديد"، بأن التحالف بدأ بالفعل، أخيراً، توجهاً بدعم استقطاب مجندين جدد إلى صفوف قوات الشرعية، استعداداً على ما يبدو، لتوسيع العمليات العسكرية في الفترة المقبلة.
وكان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد اعتبر، في إثر الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون الشهر الماضي، أن تزويد إيران للحوثيين بالصواريخ عدوان عسكري مباشر على المملكة، كما قال في حواره الشهير مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن الحكومة اليمنية تسيطر حالياً على 85 بالمائة من البلاد، وأنه "في ظل إطلاق الحوثيين صاروخاً على الرياض، فإن أقل من السيطرة الكاملة للحكومة الشرعية على الأراضي اليمنية، سيمثّل مشكلة بالنسبة للسعودية"، حسب قوله.
وفي الأشهر الأولى لعمليات التحالف في اليمن، ركّزت الضربات الجوية على القواعد المفترضة للصواريخ الباليستية التي كانت بحوزة الجيش اليمني واستولى عليها الحوثيون، وأعلن التحالف أنه تمكن من تدمير تلك القوة، إلا أن الحوثيين وحلفاءهم عادوا في وقت لاحق، لتشغيلها، وأطلقوا عشرات الصواريخ منذ بدء الحرب باتجاه السعودية، إلاّ أن النوع الأخير (بركان تو إتش)، قالت السعودية إنه إيراني الصنع.