معاداة اليهود.. عنصريّة تستغل المسلمين

19 مارس 2015
كراهية اليهود منتشرة بين المسيحيين الأوروبيين (الأناضول)
+ الخط -

تطلب الأقليات اليهودية في الدول الإسكندنافية، وخصوصاً في الدنمارك والنرويج، المزيد من "الموازنات" لحمايتها. ولا يتعلق الأمر فقط بهجومي باريس وكوبنهاغن الأخيرين، اللذين تصاعدت بعدهما تلك الأصوات المتناغمة مع سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهي تستغل كل حدث للعودة إلى شعارات "مكافحة العداء للسامية".

تبدو الأقلية اليهودية الدنماركية التي يصل تعدادها إلى تسعة آلاف تقريباً، الأكثر ضجيجاً حول "المخاطر المحدقة". ولا يمر يوم، منذ يناير/كانون الثاني الماضي، من دون نقاش على مستويات إعلامية وتشريعية حول تلك "المخاطر". لتربطها أحياناً بالفلسطينيين والحرب على غزة، أو بما يجري خارج الحدود حتى بالنسبة إلى الأقليات المسلمة والعربية في بلجيكا وفرنسا مثلاً.

وتحظى هذه الأقلية في الدنمارك بمعاملة مميزة. فمنذ عام 1997 هي الأقلية الوحيدة التي تحصل على أموال وموازنة حماية ذاتية (تدريب وحراسات وكاميرات مراقبة). كما تؤمن لها الدولة الدنماركية رجال شرطة واستخبارات لحمايتها، بالإضافة إلى التسليط الإعلامي المستمر على أوضاعها. أما التبريرات المقدمة فهي من شاكلة "تعرض يهود أوروبا لهجمات في تولوز 2012 وبروكسل العام الماضي" بالإضافة إلى "هجوم كوبنهاغن عام 1985 ضد شركة العال الإسرائيلية".

ويضطر سياسيون ومشرعون في هذه البلاد، بضغط إعلامي ضخم، إلى الإعلان بأنّ "هناك تطورات كبيرة حصلت منذ عام 1997، نحتاج إزاءها إلى أخذ المخاطر التي تهدد الأقلية اليهودية على محمل الجد" بحسب وصف منسقة الشؤون السياسية في البرلمان الدنماركي عن الاشتراكيين الديمقراطيين ترينا برامسن.

ويناقش السياسيون في دول كالنرويج والدنمارك "جدية التهديدات"، التي تعود وتؤكد على مصدرها العربي والمسلم، ولذلك يندفعون لتلبية "رفع قيمة الموازنات الأمنية" للأقلية اليهودية.

وفي غمرة الانشغال الأمني الاستخباراتي بما يمنح من ملايين لتدعيم الحراسات الظاهرة حول مدارس ومؤسسات يهودية، والتركيز على العرب والمسلمين كمصدر للخطر، تضخم وسائل الإعلام المخاطر من "معاداة السامية". لكنّ المفارقة أنّ التمييز الأساس الذي يطال اليهود ليس إسلامي المصدر، بل يمينياً من أصل بلدان الشمال الأوروبي. فكل من يعرف تعرض السود والمسلمين في دول أوروبية لهجمات وعنف من قبل اليمين المتطرف وجماعات النازيين الجدد، يدرك أنّ الموروث الشعبي في بعض دول الشمال ما زال حتى اليوم يتعامل مع اليهود بنعوت عنصرية وحاطة من قيمتهم.

والنعوت الكثيرة التي توجه لليهود في تلك البلدان من جانب اليمينيين أكثر من أن تحصى، ومنها "أيها اليهودي" التي تستعمل كشتيمة وكناية عن صفات المكر، والبخل، والتآمر، وغيرها.

وتعترف الباحثة الدنماركية المعروفة سيسلي بانكا بذلك. وتقول: "دائما ما كان يتم اتهام المسلمين والفلسطينيين العرب بأنهم يقفون خلف معاداة اليهود، لكن ذلك في الحقيقة غير صحيح. ففي السنوات الماضية تصاعدت معاداة اليهود في نقاشات داخلية مرتبطة بطقوس متعلقة بهم كالختان مثلاً الذي يمارسه المسلمون أيضاً".

أما الأستاذة في جامعة "آرهوس" ريكا بيترس فتقول: "انتشار الكراهية ضد اليهود يعبر عنه من قبل شريحة واسعة من الشعب بسبب معارضة اليهود وقف ختان الذكور في بلدنا، ومعارضتهم أساليب الذبح أيضاً". وتأتي الكراهية بحسب بيترس من "مسيحيين وبيض ودنماركيين أصليين".

ويمتد الأمر إلى وسائل التواصل الاجتماعي. فالصفحات الإسكندنافية على "فيسبوك" مليئة بتعابير الكراهية ضد اليهود. وتجد المطالبة بموازنة حماية أكبر ليهود الدنمارك مكاناً في الصفحة الرسمية للقناة الثانية في التلفزيون الدنماركي "تي في تو" حيث افتتح نقاش قال فيه بعض المعلقين عبارات معادية جداً لليهود، ربما يكون أبسطها "ارحلوا إلى إسرائيل القذرة".

في المقابل، يستشعر بعض اليهود بخطورة استغلالهم من قبل اليمين المتطرف ووضعهم في فوهة مدفع انتقاد مسلمي البلاد الإسكندنافية. ومن هؤلاء كبير الحاخامات الإسكندنافيين السابق بنت ميلوكور الذي ينتقد سوء استغلال اليمين المتطرف لليهود في خطابه ضد المهاجرين المسلمين.

ويقول بنت: "لا يمكنني أن أنسى أنّ معظم المضايقات ضد اليهود، من الصراخ في وجوههم، ورفضهم في كثير من الأماكن إلى حرق محلاتهم التجارية، لا يقوم بها المسلمون وحدهم. فلعدة قرون كان التراث المسيحي الأوروبي يحشد ويحرض لحملات وحروب دينية ضد اليهود".
دلالات