وعاد الحراك الشعبي، اليوم، وبقوة إلى عدد من المدن التي كان قد توقفت فيها المظاهرات خلال الأشهر الماضية، إذ تنادى الناشطون في مدينة بسكرة جنوبي الجزائر للتظاهر اليوم الجمعة، في خطوة وصفوها بتطهير الشارع من "دنس التملّق"، بعد مظاهرة نظمها داعمون للجيش والانتخابات شهدت مشاركة خجولة.
ولم تمنع الأمطار، التي تهاطلت صباح اليوم على العاصمة الجزائرية، خروج المتظاهرين للمطالبة برحيل النظام ورموزه من الحكم، والتغيير السياسي والديمقراطي ورفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وتجمّع الآلاف منذ الصباح قرب الساحات والشوارع الرئيسية وسط العاصمة استعداداً للتظاهر، وبدأت المسيرات الشعبية قبيل صلاة الجمعة بقليل، لكنها ازدادت من حيث العدد والحشود بعد الفراغ من صلاة الجمعة، خاصة بعد تحسن طفيف للأحوال الجوية.
وخرج المتظاهرون من مساجد الرحمة وابن باديس وكتشاوة والبشير الإبراهيمي وسط العاصمة، مباشرة إلى الشوارع، بهتافات تطالب بتحرير الشعب من هيمنة النظام السياسي وتحقيق الاستقلال السياسي "الشعب يريد الاستقلال"، وكذلك إقامة دولة ديمقراطية تحترم فيها الحريات "جزائر حرة ديمقراطية"، واستبعاد الجيش من الحياة السياسية وصناعة القرار.
ورفع المتظاهرون في مدينة بسكرة التي كانت المظاهرات قد توقفت فيها من قبل شعار "لا انتخابات مع العصابات"، و"دولة مدينة وليس عسكرية"، و"باعها الخونة باعوها" في إشارة الى خيانة أمانة الشهداء.
وعاد نفس الحراك الشعبي إلى مدينة تلمسان الواقعة في أقصى غربي الجزائر والتي كانت قد شهدت قبل أيام مسيرة مؤيدة للجيش والانتخابات، إذ خرج الآلاف من المتظاهرين إلى وسط المدينة لإعلان رفضهم فرض مسار انتخابي وهتفوا مطولاً "سايي، سي بون، الشعب بريزيدان"، (تم الأمر وانتهى، الشعب هو الرئيس)، وشعار "والله ما نفوطي بهذه الطريقة، جيبو البياري جيبو الصاعقة"، وتعني (لن ننتخب بهذه الطريقة حتى لو استخدمتم قوات النخبة والصاعقة ضدنا).
وشهدت مدينة سطيف في شرقي الجزائر عودة قوية للمظاهرات الشعبية في إطار الحراك الشعبي، ووجّه خلالها المتظاهرون رسائل إلى السلطة ولداعميها الذين يدفعون باتجاه الانتخابات، وهتفوا "اللي فوطي خائن وطني" (من ينتخب هو خائن) وهتف المتظاهرون ضد المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية المقبلة، علي بن فليس وعبد المجيد تبون وعبد القادر بن قرينة وعبد العزيز بلعيد وعز الدين ميهوبي، ووصفوهم ببنات الرئيس السابق بوتفليقة، وهتفوا "بوتفليقة مات خلى خمسة بنات".
ووصف المتظاهرون في مدينة قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، التظاهر يوم الجمعة ضد السلطة والانتخابات التي تنوي تنظيمها بأنه واجب وطني، ورددوا هتاف "الحراك واجب وطني"، كما أعلنوا رفضهم تنظيم الانتخابات الرئاسية مهما كانت الظروف.
كذلك شهدت عدة مدن مظاهرات صاخبة وغير مسبوقة منذ بدء الحراك في فبراير الماضي، كمدينة بجاية و تيزي وزو، قرب العاصمة الجزائرية، إضافة إلى مدن تمنراست ووادي سوف وورقلة، جنوبي الجزائر، إذ شهدت هذه المدن مظاهرات كبيرة شارك فيها مئات الآلاف، ورفعت خلالها شعارات مناوئة للانتخابات ولمحاولة قيادة الجيش فرض مسار سياسي وانتخابي بالقوة على الجزائريين، كما طالبوا برحيل العسكر من المشهد السياسي وإطلاق سراح أحد قادة ثورة التحرير لخضر بورقعة ورفاقه الناشطين الموقوفين.
واستفزّت التصريحات الأخيرة لقائد الجيش المتظاهرين والناشطين في الحراك الشعبي، إذ رددوا طويلاً هتافات "اسمع يا القائد، دولة مدنية"، وشعار "دولة مدنية وليس عسكرية"، و"الجنرالات إلى المزبلة والجزائر تستقل"، في صورة رد واضح ومباشر على الخطاب الأخير لقائد الجيش قايد صالح أمس الخميس، والذي اتهم فيه ما يصفه بالعصابة السياسية بالتلاعب بالحراك الشعبي والتسترّ وراء شعار "دولة مدنية وليس عسكرية"، و"لا لسيناريو مصر في الجزائر".
شعار مركزي
وقال الناشط البارز في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام لـ"العربي الجديد" إن "شعار دولة مدنية وليس عسكرية" هو شعار مركزي للحراك منذ بدايته، والدولة المدنية مطلب للجزائريين منذ عقود، لأنه يتوجب إنهاء هيمنة العسكر والجيش على الدولة والسلطة وصناعة القرار، وإذا كان أي قائد عسكري يضيق ذرعاً بهذا الشعار، فإن ذلك يكشف بوضوح نوايا غير طيبة باتجاه استمرار هيمنة الجيش على المشهد السياسي".
واستهدفت مظاهرات الجمعة بشكل خاص قائد الجيش الفريق قايد صالح، على خلفية اتهامات ما زال يوجهها للحراك الشعبي في خطاباته الأخيرة، ينطلق فيها من تقدير سياسي يربط بين الحراك وبين ما يصفه بالعصابة والمجموعة السياسية التي كانت في محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ورسم صورة لا تبدو بالنسبة لكثيرين واقعية، عن تأثير هذه "العصابة" في مجريات الحراك الشعبي وشعاراته وتمويله، رغم أن مظاهرات الحراك استهدفت بالأساس في الجمعات الأولى هذه "العصابة" من السياسيين والمسؤولين ورجال الكارتل المالي الذين تم توقيفهم لاحقاً.
ويفسر الناشط السياسي سمير العربي تركيز المتظاهرين اليوم على الرد على تصريحات قائد الجيش بأنه "إشارة ورسالة إلى قائد الجيش بأن الحراك هو حركة وحدوية لكل الجزائريين، وأن العصابة هي التي كانت تحكم وتدير الجزائر وهو نفسه كان راعياً لنظام بوتفليقة منذ توليه قيادة الأركان عام 2004".
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "من غير المقبول أن يستمرّ قائد الجيش في مخاطبة الجزائريين كل أسبوع من داخل الثكنات، ويستفز الجزائريين ويتهرب من الحقيقة السياسية والشعبية، وهي أن هناك شعباً يريد إقامة دولة مدنية وبقواعد الديمقراطية ومن دون تدخل الجيش".
وذهب بعض الشعارات إلى وضع خط فاصل بين الجيش كمؤسسة شعبية تحظى باحترام كل الجزائريين وبإجماع، وبين قيادة الجيش التي تتخذ مواقف سياسية وتنحاز باتجاه فرض مسار انتخابي لم تجر أية توافقات سياسية وتنظيمية بشأنه، ورفعت خلال المظاهرات صور بعض العسكريين الذين قتلوا في العملية العسكرية التي جرت الأربعاء الماضي، تعبيراً عن التعاطف والتضامن مع الجيش كمؤسسة تقوم بمحاربة الإرهاب، بعيداً عن القضية السياسية.
واعتبر الناشط حسين بزينة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائريين يتعاطفون مع الجيش كمؤسسة شعبية تضم أبناء الشعب، ويفرقون بين الجيش كجسم عسكري وبين القيادات التي تزج بالجيش في الشأن السياسي".
وأضاف أن "الجزائريين أدركوا، بعد عقود من الحكم الحالي، أن استمرار الوضع على ما هو عليه، وإبقاء الجزائر في وضع دولة يهيمن عليها الجيش بواجهة مدنية، لعبة قديمة يجب أن تنتهي، وعلى قيادة الجيش أن تعي ذلك بوضوح، لأن هذه المسألة استفتى عليها الشعب الجزائري في الحراك، ولن يقبل الجزائريون استمرار الوضع نفسه".
وتجمع المئات من المتظاهرين قرب مقر "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" في أول شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، حيث كانت مجموعات من الشباب داخل المقر تقوم بتجهيز الشعارات واللافتات التي ترفع في المظاهرات.
ورفع المتظاهرون، الذين نزلوا من شارع ديدوش مراد، لافتات كبيرة للناشطين الموقوفين في السجون بسبب آرائهم السياسية، كما التحق متظاهرون قدموا في مظاهرة كبيرة من حي باب الواد الشعبي، وتعززت المظاهرات وسط العاصمة بمسيرة متظاهرين قدموا من منطقة الحراش والمحمدية في الضواحي الشرقية للعاصمة الجزائرية.
وجدد المتظاهرون وبقوة رفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، في ظل استمرار وجود حكومة نور الدين بدوي التي عيّنها بوتفليقة قبل يومين من استقالته، ورفعت شعارات "لا انتخابات مع العصابات"، و"ماكانش الفوط" (لا توجد انتخابات)، و"أولاش الفوط" (باللغة الأمازيغية وتعني لا يوجد انتخابات)، ما يضيف عوامل قلق أخرى بشأن مصير الاستحقاق الانتخابي المقبل، خاصة في ظل إصرار الحراك الشعبي على رفضه وإصرار مقابل للسلطة والجيش على تنفيذه بمن حضر ومهما كانت الظروف، بزعم إنهاء مشكلة شرعية مؤسسة الرئاسة.
ونشرت السلطات كالعادة أعداداً كبيرة من قوات الأمن والشرطة وسط العاصمة وفي الساحات والشوارع الرئيسية للتظاهر، من دون أن يسجل أي تدخل لها، فيما استمرت السلطات في فرض الإغلاق على العاصمة، خاصة المدخل الشرقي الذي يوصلها بولايات الشرق ومنطقة القبائل، ومراقبة الدخول إليها، لمنع وصول أكبر عدد من المتظاهرين إليها، ولم تسمح لبعضهم بالدخول، خاصة ممن كانوا يحملون رايات ولافتات تؤكد توجههم إلى المشاركة في المظاهرات.