يستطيع الفرنسي والمهاجر المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، أو الزائر لها، أكان عربياً أم غير عربي، أن يختار ما شاء بين مطاعم عربية كثيرة، تعرض عليه أنواعاً من مختلفة من المأكولات المغربية والتونسية والجزائرية واللبنانية وغيرها.
مع ذلك، فالأسعار ليست في متناول الجميع. لكنّ الكثير من الفرنسيين الذين يعشقون الأكلات المغاربية، مثل الكسكسي أو الطاجين، أو الأكلات اللبنانية الشهيرة، يستطيعون ارتياد مطاعم عربية في أحياء باريس الشعبية، أو الضواحي، حيث تتعدد الأذواق من دون تضحيات مالية كبيرة.
إذا كانت هناك مسافات كبيرة بين المطاعم الفخمة، فالمطاعم الشعبية العربية تنتشر بكثرة في المنطقة الواحدة، ويمكن للمرء أن يختار في ما بينها، خصوصاً أنّ أسعارها متقاربة. وعلى الرغم من أنّها كثيرة، يصعب أحياناً، العثور على طاولة أو مكان شاغر، فهناك إلى جانب الزائرين المعتادين، كثير من الرجال والنساء الذين يأتون للمرة الأولى للاستكشاف.
يقول الحاج أمازيغ، وهو مالك مطعم بالقرب من فوهة مترو باريس: "يأتي إلينا أناس من جميع الجنسيات، عرب وفرنسيون وأفارقة، نساء ورجال. كلّ من يعشق الطبخ المغربي والشاي بالنعناع بأسعار معقولة".
طبق الكسكسي معروف عالمياً، ويجيد إعداده المغاربيون جميعاً. كلّ بلد، بل كل جهة داخل البلد الواحد، تضيف إليه خصائصها ونكهتها. وإذا كان طبق الكسكسي في المطاعم العربية الأنيقة، يتجاوز مبلغ ثلاثين يورو، كما في مطعم "لدى عمر" أو "الأطلس"، وغيرهما، وهو مبلغ كبير إذا أضفنا إليه المقبلات والمشروبات والحلويات، فإنّ عشاق هذه الأطباق يستطيعون أن يتناولوه في مطاعم باريس الشعبية وغيرها، بأثمان تتراوح ما بين 6 يوروات و9.
لا يعرف الحاج أمازيغ على وجه الدقة ما الذي يعنيه اعتراف منظمة يونسكو بالكسكسي من التراث غير المادي للشعوب، لكنّه يحاول في كلّ يوم أن يكون طبخه مقبولاً ويثير شهية الزبائن، الذين يستطيعون أن يأكلوا حتى الشبع.
من بين هؤلاء، الفرنسي أليكسي، الموظف في المترو المجاور: "أرتاد هذا المطعم، لأنّ أصحابه بسطاء وطيبون، ولأنّ أسعاره تناسبني. تصور أنّ مطاعم الوجبات السريعة الأميركية أغلى منه، علماً أنّ ما تقدمه رديء بلا نكهة، ولا يشبع".
ليس الكسكسي وحده ما يجذب الزبائن، وإن كان الطبق الأهم، الذي تحرص كثير من العائلات المغاربية على إعداده أيام الجمعة. وغالباً ما يأتي المحسنون بأطباق كبيرة من الكسكسي إلى المساجد ليتناولها المصلون بعد الانتهاء من صلاة الجمعة. فإلى جانب هذا الطبق، هناك أطباق الطاجين، المعروفة هي الأخرى، من قبل العرب والفرنسيين، والتي تتفنن فيها المطاعم المغربية، وهي أطباق تنافس الكسكسي، وتتفوق عليه أحياناً.
الفرنسي ميشال، عمل طوال سنوات في شركة فرنسية في مراكش المغربية. يقول إنّه يأتي لتذكر الأطباق التي كان يلتهمها في المغرب: "أستعيد الروائح، لكنّي أفضل الأطباق في المغرب". يسكت لحظات، ثم يضيف: "لكنّ لحوم وخضار المغرب صحية أكثر ربما".
يصرّ أحمد الراوي، الذي يملك مطعماً في الحيّ نفسه، يجاور مقر الشرطة الكبير، التي يأتي بعض أفرادها لتناول الطعام لديه، على أنّه "لا توجد مفاضلة بين هذا الطبق أو ذاك، فلكلّ شخص ذوقه، كما أنّ الأذواق تتبدل من حين إلى آخر".
غير بعيد عنه، مطعم "عنابة" الذي يقدم الأسماك، ويملك زبائن أوفياء يعشقون السمك، مع العلم أنّ باريس بعيدة عن البحر. يتباهى النادل أحمد، أنّ من يريد أن يتوقف، ولو لحين، عن تناول اللحوم، فإنّ أفضل ما يمكن تعويضه بها هي الأسماك. وفي هذا المطعم، يمكن للمغاربيين أن يتناولوا السردين.
أنطونيو، من أصول برتغالية، يأتي مرة أو اثنتين لتناول السردين، ويقول: "نحن- البرتغاليين- نعشق السردين، ونطبخه بألف طريقة وطريقة. يروق لي أن أتناوله وفق الطريقة الجزائرية، حين لا أرتاد مطاعم برتغالية أو أطبخه في بيتي. السردين يظلّ دائماً هو السردين، ونحن متوسطيون على الرغم من أنّ البرتغال لا تطل على البحر المتوسط".
لا تقفل هذه المطاعم أبوابها إلاّ في ما ندر. لكنّها تغير عاداتها في مناسبة واحدة هي شهر رمضان، إذ تغلق فيه أبوابها نهاراً، أو تتحول إلى حوانيت لبيع الفطائر والبغرير والسمن والحرشة وحلويات رمضان والألبان، ثم تفتح أبوابها مع الإفطار لتقدم للصائمين أنواعاً من الأكلات تذكرهم ببلدانهم، مثل الشوربة والحريرة والشباكية والبريوات والبسطيلة وغيرها.