مطاعم الجزائر المدرسية عاجزة

16 ابريل 2018
تراجع الغذاء يؤدي إلى تراجع التحصيل المدرسي(أحمد كمال)
+ الخط -
مطاعم المدارس في الجزائر على مشاكلها الكثيرة تسدّ جوع ملايين التلاميذ الفقراء والمعوزين. لكنّ هذه المطاعم تواجه أزمة منذ بداية العام الدراسي

يستفيد أربعة ملايين تلميذ جزائري من وجبات طعام مدرسية، من مجموع نحو 8 ملايين تلميذ في مختلف المراحل الدراسية. لكنّ هذا القطاع العريض شهد تغييراً طارئاً أخيراً، إذ طلبت الحكومة من أولياء الأمور، للمرة الأولى، أن يساهموا في تمويل المطاعم المدرسية، إذ فتحت الحكومة هذا الباب أمام الأولياء، ومن ورائهم أهل الإحسان. يأتي ذلك بعدما عجزت الحكومة عن فتح أكثر من 40 في المائة من هذه المطاعم بداية العام الدراسي الجاري، بسبب رفض مزودي المواد الغذائية مدّ هذه المطاعم باحتياجاتها نتيجة الديون المتأخرة من السنوات السابقة، وعجز البلديات عن دفعها.

تعطل فتح هذه المطاعم دفع مديري المدارس إلى الاستعانة بوجبات بسيطة غير مطبوخة، تتكون من جبن وبيض وخبز وعصير، لمساعدة التلاميذ، خصوصاً الآتين من الأرياف. لكنّ جمعيات أولياء التلاميذ مارست ضغوطاً كبيرة على السلطات لدفعها إلى حلّ مشكلة المطاعم المغلقة، ما دفع الحكومة إلى توجيه أوامر إلى البلديات للتكفل سريعاً بديون المطاعم المدرسية وعدم رهن صحة التلاميذ بها.

المطاعم المدرسية في الجزائر ملحقة بالمؤسسات التربوية، تديرها البلديات بعدما تنازلت وزارة التربية عن إدارتها، وتتلقى ميزانيتها السنوية من طرف وزارة الداخلية الجزائرية، فيما تتولى البلديات تزويدها بالمواد والخدمات. لكنّها باتت عبئاً ثقيلاً على ميزانية الحكومة، مع اشتغال 14 ألف مطعم مدرسي موزعة على مستوى جميع الولايات.

في الغالب، فإنّ التلاميذ المعنيين بالمطاعم المدرسية هم من الفئات الفقيرة، أو أبناء العائلات ذات الدخل المحدود، وبعضهم ممن يتحدر من القرى والمناطق البعيدة عن مقار المدارس، وهو ما يدفعهم إلى اللجوء لمطاعم كهذه تقدم وجبات الفطور الصباحي والغداء. يعترف البعض لـ"العربي الجديد"، بأنّها وجبات "باردة"، ما يعني أنّها لا ترقى إلى الوجبة الصحية، ما يضطر البعض إلى البقاء جياعاً طوال النهار حتى العودة إلى المنزل.




"وجبة باردة ولا الجوع"، هكذا يصف التلميذ محمد السعيد (13 عاماً)، وجبة المدرسة. هو يدرس في منطقة سيدي غيلاس بولاية تيبازة، شرقي الجزائر. اضطرت عائلته إلى الانتقال نحو هذه المنطقة في سنوات التسعينيات بسبب الأزمة الأمنية. يجد نفسه اليوم يعيش برفقة أسرته في بيت من القصدير، وهو ما أدى إلى الكثير من المشاكل التي تعانيها الأسرة، فوالده عاطل من العمل، ووالدته مريضة بالربو. هذه الظروف لا تتيح له توفير كلفة النقل في منتصف اليوم إلى البيت لتناول الغداء، أو ثمن وجبة في مطعم. هو مجبر على الاستفادة، مع كثير من زملائه، من وجبة تقدم لهم في المطعم المدرسي.



يتولى مسؤولو المطاعم تأمين المواد الغذائية الأساسية يومياً لإعداد الوجبات للتلاميذ بواقع خمس مرات في الأسبوع. تعمل في هذه المطاعم عاملات ومتطوعات، يتولين إعداد الوجبات، ويساعد المعلمون والمعلمات في تنظيم توزيع الوجبات على التلاميذ، فيما يشرف فريق من المفتشية التربوية على مراقبة الطعام ومدى احترام القيم الغذائية المقررة، بالإضافة إلى الحرص على نظافة المطعم وملحقاته.

لا شك أنّ المطاعم المدرسية التي أسستها الحكومة الجزائرية منذ الستينيات تؤدي خدمة عمومية وعملية تضامن اجتماعي ساهمت في دعم التعليم والحفاظ على مجانيته. لكن، بين الأمس واليوم فارق شاسع في المطاعم المدرسية، ففي السابق كانت المدارس تقدم بالإضافة إلى الغداء، وجبة فطور صباحية ساخنة من الحليب والجبن، يستفيد منها جميع التلاميذ للمساعدة في محاربة سوء التغذية، ودعم قدرتهم على التحصيل المدرسي، خصوصاً أبناء العائلات الفقيرة. أما اليوم فقد تم الإبقاء على وجبة الغداء فقط.

حددت الحكومة الجزائرية قيمة الوجبة الغذائية المدرسية بـ50 ديناراً (نصف دولار أميركي)، تمول من خزينة الدولة. وقد دفع ارتفاع تكاليف المطاعم المدرسية الحكومة إلى اتخاذ قرار أخير يحدد الفئات التي تستفيد من الطعام المدرسي، وهم أبناء الأسر الفقيرة والبعيدة عن المدرسة. وهو ما يسمح للتلاميذ بالبقاء في المحيط المدرسي وعدم الاضطرار إلى الذهاب للمنزل لتناول الغداء عند فسحة الظهيرة والعودة مجدداً إلى المدرسة في فترة بعد الظهر. مع ذلك، فإنّ كثيرين يعتبرون ذلك تمييزاً بين التلاميذ، إذ كيف ستحدد السلطات أبناء العائلات الفقيرة من غيرهم، خصوصاً أنّ لها سوابق فشل في إدارة مساعدات رمضان الموجهة أيضاً إلى العائلات الفقيرة، إذ يكثر بشأنها اللغط سنوياً.




يبقى الأمل في بدء وزارتي التربية والداخلية التنسيق مبكراً لوضع خطة إصلاح جذرية لقطاع المطاعم المدرسية، بهدف تنفيذها مع بداية العام الدراسي المقبل.