مطار الريان في المكلا... وعود الافتتاح تصطدم برفض إماراتي

22 يناير 2019
نفوذ الإمارات واضح في المكلا (كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -

لا يكاد الجدل بشأن إغلاق مطار الريان في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرقي اليمن يتوقف حتى يعود من جديد، فالمعاناة التي تواجه المواطنين جراء إغلاقه تتفاقم يوماً بعد آخر، في بلد يحتاج فيه المواطن إلى "معجزة" لتجاوز إجراءات السفر إلى الخارج. وأغلق مطار الريان إثر سيطرة تنظيم "القاعدة" على مدينة المكلا في العام 2015، واستمر إغلاقه بعد تحرير المدينة في إبريل/نيسان 2016، ومنذ ذلك الحين تحوّل المطار إلى قاعدة عسكرية ومقر لقيادة القوات الإماراتية والسعودية، وأصبح الوصول إليه والمغادرة منه حكراً على بعض المسؤولين والموالين للإمارات فقط.

وخلال الأيام القليلة الماضية، عاد الحديث عن مطار الريان إلى الواجهة من جديد، إثر جلسة استماع لقصص ضحايا إغلاق المطار، أقيمت في مدينة المكلا، ضمن حملة محلية للمطالبة بإعادة افتتاح المطار شملت فعاليات متنوعة. وسرد سبعة متحدثين حكايات معاناتهم جراء إغلاق المطار، من بينهم فاطمة القرزي التي دفع والدها حياته ثمن إغلاق المطار. وقالت فاطمة: "فوجئنا بوعكة صحية تدهم والدي، وازدادت معاناته يوماً بعد يوم وانتقلنا من مستشفى لآخر في انتظار رحلة عبر مطار سيئون الذي يبعد عن المكلا 350 كيلومتراً لعلاج والدي في الخارج"، وأضافت "لم يأتِ وقت الرحلة إلا وقد رحل والدي وسلم روحه، فيما حلّ في مقعده بالطائرة مريض آخر". واختتمت فاطمة حديثها بالقول "افتحوا المطار كي نتعالج وليس للنزهة والمتعة". إلى جانب فاطمة، سرد المتحدثون الآخرون قصصاً لا تقل معاناة عن حكاية فاطمة، مناشدين السلطات المحلية بسرعة فتح مطار الريان.

وعلى الرغم من عدم تضرره في معركة تحرير المدينة من تنظيم "القاعدة"، ظل المطار مغلقاً إلى الآن، من دون مبررات واضحة، فيما أطلق محافظ حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني وسلفه اللواء أحمد بن بريك، عدة وعود بافتتاح المطار كلها ذهبت أدراج الرياح، بعدما اصطدمت على ما يبدو برفض إماراتي.
وفي هذا السياق، أعلن محافظ حضرموت السابق، أحمد بن بريك، في ديسمبر/كانون الأول 2016، أن مطار الريان سيعاد افتتاحه في يناير/كانون الثاني 2017. لكن الوضع استمر على ما هو عليه، على الرغم من المطالبات الشعبية بضرورة افتتاح المطار.

وفي يناير من العام الماضي، أطلق محافظ حضرموت الحالي اللواء الركن فرج البحسني وعداً بافتتاح المطار في يونيو/حزيران من العام نفسه، مشيراً إلى أن هذا لا يعني تسويفاً وكلاماً للإعلام إنما هو وعد ستمضي السلطة لتحقيقه بكل قوتها. وأكد البحسني موعد الافتتاح ذاته في تصريح صحافي في إبريل/نيسان من العام نفسه، قائلاً إن تجهيز المطار يجري وسوف يعاد افتتاحه بعد شهرين فقط. وفور انتهاء المدة المحددة، عاد البحسني مرة أخرى ليعلن عن موعد آخر لافتتاح المطار حدده نهاية العام 2018.

وإلى جانب الوعود المتكررة، برزت التصريحات المتناقضة بشأن استمرار إغلاق المطار، ففي أغسطس/آب كشف البحسني في تصريحات لقناة أبوظبي عن توفير معدات الملاحة والرصد الجوي للمطار، وبقب فقط الانتهاء من الأعمال الإنشائية. لكن مدير المطار أنيس باصويطين ذكر في تصريحات صحافية قبل أيام أن إدارة المطار أبرمت عقوداً مع دول أجنبية لتوفير معدات الملاحة وعند وصولها سيتم البدء بتشغيل المطار.
وتسببّت حزمة الوعود والتصريحات المتناقضة التي أطلقتها السلطة المحلية بشأن افتتاح المطار، في إحراجها أمام الرأي العام، وأظهرت إلى حد كبير عدم امتلاكها قرار افتتاح المطار، الذي بات مرهوناً على ما يبدو بحسابات التحالف السعودي الإماراتي.

وفي هذا الإطار، لم تُخفِ الإمارات تحكّمها في مصير المطار، إذ أصدر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد خلال لقائه محافظ حضرموت نهاية العام 2017، توجيهات ببدء ما سماها "التهيئة" لفتح المطار واعتماد فتح خط لطيران "الاتحاد" مع مطار الريان فور تشغيله مباشرة. ويفصح هذا التوجيه عن حجم الهيمنة الإماراتية على الموانئ والمطارات في جنوب البلاد، إذ إن مضامينه من المفترض أن تكون صادرة عن الحكومة اليمنية أو وزارة النقل، ومن عدن لا من أبوظبي.


وتقول السلطات المحلية إنّ عملية فتح المطار مرهونة بانتهاء التجهيزات في الصالات الجديدة واستقدام أجهزة الرقابة والملاحة. وللتأكيد على هذا الأمر نظّمت زيارة لقيادات من منظمات المجتمع المدني قبل أيام إلى المطار لاطلاعهم على العمل الحاصل، لكن مواطنين يرون ذلك نوعاً من الالتفاف كون المطار يستقبل رحلات لمسؤولين يمنيين وإماراتيين.
وبينما يرى مراقبون ضرورة استمرار الضغوط الشعبية على السلطة المحلية باتجاه افتتاح المطار، يقلل آخرون من هذه التحركات على اعتبار أن قراراً مثل هذا مقرون بترتيبات عسكرية إماراتية، وبانتهاء المهمة التي من أجلها أغلق المطار، معتبرين أن ما يجري من بناء مرافق جديدة في المطار هو بقصد التغطية وكسب مزيدٍ من الوقت لا غير.

وفي هذا السياق، قال الصحافي عبدالجبار الجريري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن استمرار إغلاق مطار الريان لسنوات لا تفسير على الإطلاق، وكل المبررات التي ساقتها السلطات المحلية في حضرموت، لن تصمد أمام الحقيقة المتمثلة في أن المطار أصبح قاعدة إماراتية، وهذا سبب استمرار إغلاقه. وأضاف أن ضعف الشرعية اليمنية، والسلطات في حضرموت، وغياب الوازع الوطني والمسؤول لدى صنّاع القرار في المحافظة، أدى لتعنّت من جانب الإمارات في مسألة فتح الريان.

ورأى الجريري أن "المبررات التي تحاول السلطات في حضرموت تسويقها كحجة لاستمرار إغلاق الريان، هي مبررات زائفة وغير صحيحة، فمشكلة إغلاق الريان لا تتعلق بالصيانة والإصلاحات داخله، بل بقرار إماراتي يمنع فتحه بسبب وجود قوات عسكرية إماراتية فيه، فنحن نتحدث عن ثلاث سنوات لا يزال المطار مغلقاً خلالها، فهل يعقل أن تكون هناك إصلاحات وصيانة تستغرق كل هذه المدة؟". وتابع "خلال أربع سنوات يمكن إنشاء مطارات وليس مطاراً واحداً فحسب، فما بالك بعمليات الصيانة التي تتذرع بها السلطات في المكلا؟".
وأشار الجريري إلى أن الرئاسة اليمنية، والحكومة الشرعية، والسلطات المحلية في حضرموت، تتحمل جزءاً من المسؤولية إزاء استمرار إغلاق الريان، لكن الجانب الإماراتي يتحمل بدرجة أساسية المسؤولية عن إغلاقه، كون ساحل حضرموت خاضعا للنفوذ الإماراتي، والمطار يقع تحت تصرف قواته. ولفت إلى أن إغلاق المطار جاء بقرار إماراتي عسكري لا علاقة له بالصيانة على الإطلاق، وسبق أن تحدث رئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر عن هذا الجانب، مضيفاً أن "القرار بيد الإمارات وقادتها، هم من أغلقوا الريان، بعدما حوّلوه إلى مطار عسكري لا يُسمح لأي مواطن باستخدامه سوى من تراه موالياً لها".
ووفقاً للجريري، إذا كانت هناك من مناشدات لفتح المطار فلا ينبغي أن توجّه للسلطات في حضرموت، فليس لها قرار في هذا الاتجاه، بل إلى قادة الإمارات الذين تسبّبوا في إغلاق المطار، وخلقوا أزمة إنسانية حقيقية في حضرموت والمحافظات المجاورة.

من جهته، رأى المواطن سالم عبدالله أن استمرار إغلاق مطار الريان، هو قتل للحياة المدنية وتعزيز لعسكرة ساحل حضرموت. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "للأسف، المرضى يموتون بسبب إغلاق مطار الريان، لا لشيء، فقط لأنه أصبح قاعدة عسكرية للتحالف وللإمارات بشكل خاص". وبشأن التجهيزات التي تتحدث عنها السلطة المحلية، أعرب عبدالله عن اعتقاده بأنها شمّاعة لتبرير فشل قيادة الشرعية والسلطة المحلية في فتح مطار الريان أمام المواطنين للتخفيف من معاناتهم، متسائلاً "ماذا يعني أن يستقبل مطار الريان رحلات للفنانين والعسكريين الإماراتيين والمسؤولين في الشرعية وهو غير جاهز؟".