مضمون القوانين أولاً

08 سبتمبر 2014
+ الخط -

الإنسان مدني بطبعه، كما يقول العلماء، وليس في وسعه العيش وحيداً بعيداً عن الجماعة، بل ولأسباب كثيرة، منها الحاجة للتعاضد وضرورة الإنجاب لتستمر الإنسانية، يلجأ الإنسان إلى العيش مع الآخرين، وعليه، يشكل علاقات جديدة، وتتداخل مصالح الأفراد في الجماعة، وهذه المصالح قد تتضارب فيما بينها، وقد يسعى أحدهم إلى أن يأخذ ما له وما لغيره، ويعتدي على حقوق الآخرين، ولمنع ذلك، توصل العقل البشري إلى وضع القوانين لتنظيم الحياة البشرية، ولمنع الفوضى في المجتمعات، وبيان ما للإنسان من حقوق، وما عليه من واجبات. وبالتالي، ستغلق أبواب كثيرة، قد تؤدي إلى نزاعات بين أفراد المجتمع، وحل أغلب مشكلات المجتمع عن طريق القوانين.

وبما أن القانون كان ضرورياً في السابق، ففي يومنا هذا، هو أكثر ضرورة من أي وقت كان، بسبب تعقيد العلاقات بين الأفراد في المجتمع وزيادة المشكلات في المجتمع الإنساني، وإننا لو تصورنا غياب القوانين في زماننا هذا، لأصبحت المجتمعات الإنسانية أشبه بالغابات والأدغال، وسيسود قانون الغاب، وربما تكون الأوضاع أسوأ بكثير، لو فرضنا غياب القانون، وهذا أكبر دليل على أهمية القوانين.

ولكن، في المقابل، نرى، اليوم، كثرة إصدار القوانين والتشريعات عن طريق السلطات المختصة لحل كل مشكلةٍ تواجه المجتمع، وفي وسع الجميع الرجوع إلى المصادر التي تنشر القوانين الصادرة في الدولة، ليرى حجم القوانين التي تصدر، والتي تسعى إلى وضع الحلول السريعة لجميع المشكلات والأزمات والأمراض التي يعاني منها المجتمع. ولكن كثرة إصدار القوانين بهذه الطريقة لم يكن سبباً في نقص المشكلات، بل زادت المشكلات والأمراض الاجتماعية بصورة أكبر.

وبلا شك، فإن السبب الرئيسي لهذا الأمر أن القوانين الوضعية لا تقوم بالتركيز على أسباب ظهور المشكلة في المجتمع، بل تسعى إلى وضع الحلول من دون التطرق إلى أسباب الظهور، وكما يقول المفكر علي عزت بيغوفيتش: "لا تقتل البعوض، بل جفف المستنقع"، لأن محاربة الأمراض، قبل إيجاد الحلول لأسباب ظهورها، إهدار للوقت، ولا تفيدنا كثرة التشريعات، إذا لم تقدم ما هو مفيد من ناحية المضامين، وتكون مناسبة لطبيعة المجتمع، لا أن تكون مستوردة، كما يحدث في بلداننا.

القانون الوضعي المنتشر في بلداننا، يهتم كثيراً بالناحية الشكلية للقانون، بمعنى تطبيق القانون في المجتمع يعتبر من أهداف هذا القانون، بينما الاهتمام الأكبر للتشريع الإسلامي بتحقيق الهدف الذي وضع من أجله القانون، وليس الهدف تطبيق القانون فقط، سواء تحقق الغرض منه، أم لم يتحقق، كما نرى اليوم.

مجتمعاتنا إسلامية الطابع، ولذلك، لا بد من التركيز على نوعية القوانين والتشريعات التي يتم وضعها لتنظيم هذا المجتمع، ومواجهة المشكلات المنتشرة فيه، ويكون القانون مقتبساً من المصادر القريبة، والمعتمدة لدى هؤلاء الأفراد، وليس العكس، أي باللجوء إلى القوانين الغربية واستيرادها كما هي، ومن الضروري إعادة النظر في هذه المسألة المهمة جداً، لأن كثرة التشريعات والقوانين لن تفيد، ولو تم إصدار قانون بخصوص كل العلاقات والممارسات اليومية، بل يزيد هذا من التعقيد وتفاقم المشكلات والأمراض الاجتماعية، ما لم يكن مضمونه مشتقاً من عمق تجربة المجتمع.

avata
avata
شاهو القره داغي (العراق)
شاهو القره داغي (العراق)