أزمات حادة في السيولة النقدية بالبنوك والصرافات، واستمرار تهاوي العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي وسيطرة السوق السوداء والمضاربة على سوق الأجنبي، تفاقم مشكلة الدين المحلي وعجز الموازنة العامة، تآكل حاد في المدخرات الوطنية في الشهور الأخيرة، زيادة في معدلات التضخم تؤرق الأسر السودانية، مع ما يصاحبها من زيادة قياسية في الأسعار بما فيها أسعار السلع الغذائية، يرافق ذلك مظاهرات شعبية شملت معظم الولايات دخلت شهرها الثالث مع عدم وجود استقرار سياسي في البلاد، وأخيرا تعديل حكومي شامل وتصعيد للعسكر في حكم البلاد وفرض حالة الطوارئ.
خمس أزمات اقتصادية ومالية عنيفة تواجه وزير المالية السوداني والتخطيط الاقتصادي الجديد مصطفى يوسف حولي، الذي عيّنه الرئيس عمر البشير، أمس الأحد، ضمن تشكيل حكومي يترأسه محمد طاهر رئيس الوزراء الذي خلف معتز موسى، علما بأن موسى كان يتولى أيضا حقيبة المالية إلى جانب منصبه في رئاسة الوزراء.
الأجواء التي يتسلم فيها وزير المالية الجديد منصبه ملبدة بالغيوم والمصاعب، خاصة أن تعيينه يأتي وسط أزمة سيولة خانقة تعاني منها البلاد كانت أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد، بالإضافة إلى أزمات اقتصادية أصابت العديد من القطاعات الاقتصادية، أعجزت بعضها عن ممارسة نشاطه، خاصة القطاعات التي تحتاج إلى نقد أجنبي، باتت البنوك لا توفرها بسبب وجود عجز لديها.
وعلى الرغم من أن مصطفى يوسف حولي الذي ولد في عام 1952 بولاية سنار ليس جديدا على وزارة المالية، فقد عمل في الوزارة لفترة طويلة، إلا أنه يدرك سخونة الملفات المالية التي تنتظره، وتحديداً المتعلقة بتهدئة الأسعار الملتهبة، وتوفير الدعم الحكومي للسلع الرئيسية ومنها الغذاء والوقود، وكذا توفير رواتب العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وتدبير سيولة للمؤسسات الحكومية لتمويل أنشطتها المتعلقة بالخدمات المقدمة لرجل الشارع الغاضب على أداء الحكومة المالي والاقتصادي المتردي.
حولي، الذي عمل في مشاريع صندوق النقد الدولي بالسودان، يعتبر من قيادات الخدمة المدنية، حيث تدرج في العديد من المناصب حتى وصل إلى وكيل المالية بالإنابة، ثم وزير مالية لولاية سنار، إلى أن عاد بقرار رئاسي وكيلاً لوزارة المالية ثم تقدم باستقالته من منصبه عقب تعيين الوزير السابق محمد عثمان الركابي وزيراً للمالية في عام 2017.
وعاد حولي إلى الوزارة مرة أخرى بدرجة وزير دولة بقرار من رئيس الجمهورية في سبتمبر/ أيلول 2018، قبل أن يعين أمس، وزيراً للمالية في ظل اضطرابات أمنية وسياسية واحتجاجات صاخبة في الشارع.
وتقول سيرة الرجل إنه حاصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة الخرطوم في 1975، ودبلوم عالٍ في التنمية الاجتماعية من جامعة ويلز البريطانية في 1980، وماجستير التخطيط الاقتصادي من نفس الجامعة في 1982، ودراسات البرمجة الخطية من كلية الاقتصاد بجامعة غلاسكو الاسكتلندية في 1985، ودراسات في التحليل المالي من معهد صندوق النقد الدولي في واشنطن في 1987.
وتعليقا على اختيار البشير حولي لوزارة المالية، قال الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، إن من أخطر الملفات التي تواجهه إزالة التشوهات الاقتصادية المزمنة، وأبرزها الإنفاق الحكومي المترهل، والترهل الكبير في الخدمة المدنية، خاصة بوزارة المالية الاتحادية.
وأشار الرمادي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أهمية تركيز الوزير أولا على حل مشكلة غلاء المعيشة للمواطنين، ومحاربة الفساد والتهريب، وتحديدا لسلعة الذهب، والتي بلغت تكلفة المهرب منه حتى الآن سبعة مليارات دولار، والسعي إلى حل مشاكل الصناعة، وإغلاق 80% من المصانع بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل، وارتفاع أسعار العملات الحرة والمواد الخام، مبينا أن حل مشكلة المصانع تؤدي لاستقرار الإنتاج والتوسع فيه، والاهتمام بتطوير القطاع الزراعي والصادرات.
وتعيش البلاد على وقع احتجاجات شعبية صاخبة بسبب الأزمات المعيشية المتفاقمة، وأبرزها ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات وتهاوي سعر العملة المحلية وأزمة سيولة خانقة.
وقال الأمين العام لشعبة مصدري الصمغ العربي، نادر الهلالي لـ"العربي الجديد" إن على الوزير الجديد معالجة السياسات الخاطئة في سعر الصرف، والجلوس مع المستوردين والمصدرين وأصحاب الشأن لحل المشكلة، وأشار الهلالي إلى التراجع المستمر في الصادرات بسبب سعر الصرف.