مصر: 4 ملايين حكم قضائي "في الأدراج" بدون تنفيذ

06 سبتمبر 2015
تنفّذ الأحكام على المواطنين وتستثني المسؤولين(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يكشف مصدر قضائي مصري لـ"العربي الجديد"، أنّ خلافاً يدور حالياً بين وزارتي الداخلية والعدل، بسبب طلب الأخيرة شرطة تابعة لتنفيذ الأحكام لتكون خاضعة للوزارة لضبط من صدرت بحقهم أحكام. لكن الأجهزة الأمنية لم تستجب للطلب، معلّلة ذلك بأسباب أمنية ومادية. وهو ما دفع وزارة العدل إلى رفع طلبها إلى مجلس الوزراء للتدخّل في هذا الشأن، والقبض على عدد كبير ممّن صدرت بحقهم أحكام، ولم تنفّذ.

ويوضح المصدر القضائي أنّ "هناك ما يقارب 4 ملايين حكم قضائي وُضعت في أدراج وحدات تنفيذ الأحكام التابعة لوزارة الداخلية في مديريات الأمن في كافة المحافظات"، معيداً سبب تأخر تنفيذ الأحكام القضائية إلى "انشغال الداخلية بالأمور الأمنية على حساب الوضع الجنائي داخل البلاد"، متّهماً أجهزة الأمن بالاهتمام بالشق السياسي أكثر من الجنائي، الأمر الذي دفع الكثير من العائلات في المحافظات إلى تفعيل دور الجلسات العرفية.

ويشدّد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أنّ "معظم عناصر تنفيذ الأحكام من أصحاب النفوس الضعيفة الذين يتلقّون المال من الشخص الصادر ضده الحكم، مقابل القول إنّه لم يتم العثور عليه في محل الإقامة المحدد لهم"، مؤكداً أنّ "منظومة تنفيذ الأحكام تحتاج إلى إجراء غربلة تشريعية بالكامل لكافة إجراءاتها". ويوضح المصدر أنّ "أحكاماً عدة صدرت في عدد من القضايا، وتذرّعت جهات التنفيذ بأنّ هناك عقبات أمام رجال الشرطة، منها عدم استقرار الحالة الأمنية في البلاد وخطورة وجود رجال الشرطة في أماكن كثيرة يتعرضون فيها للأذيّة، وخوفاً من بطش الجُناة وأقاربهم". ويشير المصدر القضائي إلى أنّ "هناك أحكاماً وصل فيها الأمر إلى إزالة عقارات يمكن أن تنهي حياة ما فيها من مواطنين ولم تنفّذ، وهي موجودة بكثرة في محافظتي الإسكندرية والجيزة".

اقرأ أيضاً: القضاء الإداري المصري يتيح لوزير الداخلية منع "الإفراج المشروط" 

وكانت إحدى المحاكم قد قضت، أخيراً، إلزام الجهات الإدارية في الدولة ورئاسة الجمهورية، بتنفيذ الأحكام القضائية كاملة وعدم الالتفاف على الأحكام الصادرة، مشيرة إلى أنّ "من يخالف ذلك، سيعاقب بالسجن والغرامة لعدم تنفيذه حكماً قضائياً".

ويرى قضاة وفقهاء قانون تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة تبحث عن الفقراء فقط لتنفيذ الأحكام ضدهم"، مؤكدين أنّ "هناك مسؤولين تصدر أحكام قضائية ضدهم وأماكنهم معروفة، لكن لم يتم القبض عليهم"، مطالبين "بتطبيق أحكام القضاء على الجميع".

ويقول القاضي السابق في محكمة استئناف القاهرة، المستشار أحمد الجيلاني، إن "قرار المحكمة بإلزام الجهات الحكومية في الدولة بضرورة تنفيذ الأحكام القضائية، رسالة مفادها أنّ هناك خللاً في عدم تطبيق العدالة داخل مصر، وأنّ قرارات المحاكم لا تطبّق على أرض الواقع"، مؤكداً أنّ "هناك أحكاماً كثيرة تصدر ضد وزراء ومحافظين ومسؤولين في الدولة ولم تنفّذ، بعكس الفقراء الذين يتم إلقاء القبض عليهم خلال 24 ساعة". ويشير الجيلاني إلى أنّ "عدم تنفيذ أحكام القضاء يعدّ جريمة كبرى في حق الوطن وإنكاراً للعدالة، ويجب معاقبة كل من يمتنع عن تنفيذ الأحكام"، مطالباً الحكومة "بسرعة القبض على الأشخاص المحكوم عليهم".

بدوره، يصف الفقيه القانوني، أنور أحمد رسلان، عدم تنفيذ تلك الأحكام بـ"الجريمة وانتهاء هيبة الدولة"، لافتاً إلى أنّ "سيادة القانون تعني تنفيذ هذه الأحكام". ويؤكّد رسلان أنّه يجب تطبيق مبدأ سيادة القانون على الجميع من دون استثناء، مضيفاً أنّ "الهدف من تنفيذ الأحكام، تمكين العدل والأمن والاستقرار، ومن دون ذلك، سنصبح في شريعة الغاب، وهو ما نلاحظه اليوم في إهدار الأحكام الصادرة".

ويعتبر رسلان أنّ "تقديم أجهزة الأمن حججاً واهية في عدم تنفيذ الأحكام، كارثة كبيرة"، منوّهاً إلى أنّ "تنفيذ الأحكام على الجميع واجب، وأنّ عدم تنفيذها هو خلل قضائي جسيم، وأنّ أي تنظيم قضائي يفقد وجوده إذا لم يكن فعّالاً"، مشيراً إلى أنّ تطبيق القانون من دون تمييز، مبدأ أساسي للعدالة ودولة القانون.

اقرأ أيضاً: تصفية المعارضين المصريين... سياسة ممنهجة يحميها قانون الإرهاب

المساهمون