في النصف الأول من العام الذي شهد انتشار جائحة فيروس كورونا في العالم، حظي 122 مواطناً مصرياً فقط، من بين 8311 متهماً، بقرارات إخلاء سبيل من دوائر الإرهاب في المحاكم المصرية، وهم يشكّلون فقط حوالي 1.5 في المائة من إجمالي من جرى تجديد حبسهم. هذا ما توصلت إليه الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) في تقرير رصدي لها عن حالة دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة في النصف الأول من 2020.
تجدر الإشارة إلى أنه يحق للنيابة تجديد حبس المتهمين على ذمة القضايا التي تنظر أمامها، لمدة 10 جلسات متتالية، على أن تكون هناك 15 يوما بين كل جلسة وأخرى، أي لمدة 150 يوماً فقط، وبعد تجاوز مدة الـ150 يوماً، يتحوّل تجديد الحبس أمام المحاكم، ولكن تصبح المدة بين انعقاد الجلسة والأخرى 45 يوماً، بينما حدّد قانون الإجراءات الجنائية مدة الحبس الاحتياطي قبل الإحالة للمحاكمة بـ24 شهراً حداً أقصى، وبعد هذه المدة يصبح إخلاء سبيل المتهم أمراً وجوبياً.
وعلى مدار الأشهر الماضية، منذ إعلان ظهور أول إصابة بالفيروس التاجي في مصر، في 5 مارس/ آذار الماضي، صار يتمّ تجديد حبس المتهمين تلقائياً، من دون حضورهم للنيابة أو المحاكمة، وهو الإجراء الذي وصفته المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني مصرية) بأنه "باطل بطلاناً مطلقاً"، حيث ينص القانون على أنه يجوز لقاضي التحقيق، بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، أن يصدر أمراً بمد الحبس الاحتياطي للمتهم، ما يشير إلى أنّ المشرّع اشترط لنظر أمر الحبس "سماع أقوال النيابة ودفاع المتهم".
وتنص المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 والمعدلة بالقانون 145 لسنة 2006، على أنه "يجب على قاضي التحقيق قبل أن يصدر أمراً بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم".
لكن منذ بداية أزمة انتشار فيروس كورونا فى مصر، وجدت الجبهة المصرية أنّ "موقف دوائر الإرهاب لم يختلف كثيراً عن موقف الجهات الأمنية التي تتعامل بعدائية مع كل من يقوم بنشر أي خبر عن الوضع في ظلّ انتشار الوباء، وبدلاً من التوجه نحو الإفراج عن المتهمين المحبوسين احتياطياً، كما فعلت دول عدة، أكّدت دوائر الإرهاب عداءها وموقفها غير المحايد من المتهمين".
وقالت الجبهة إنه مع ارتفاع وتيرة القبض على متهمين جدد، "استمرت دوائر الإرهاب في التجديد للمتهمين من دون حضورهم من محبسهم، مع ارتكاب العديد من المخالفات الإجرائية للقانون، من دون الأخذ فى الاعتبار الظروف الصحية للعديد من المتهمين وخاصة كبار السن، ناهيك عن استمرار حبس بعض المتهمين رغم تجاوز مدة الحبس الاحتياطى أو سقوط حبس بعضهم".
ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم منذ انتشار جائحة فيروس كورونا إلى اتخاذ إجراءات للحدّ من انتشاره، منها الإفراج عن المحبوسين احتياطاً والإفراج عمن تجاوزوا نصف مدة حبسهم، وكبار السن وبعض الفئات الخاصة، لجأت السلطات المصرية إلى عدم نقل المحبوسين من أماكن احتجازهم إلى المحاكم المختصة بنظر أمر حبسهم، لتقرر النيابات والمحاكم مدّ حبسهم أو تأجيل نظر تجديدات حبسهم، لتعذر نقلهم من محبسهم.
وفي 18 مايو/ أيار الماضي، أقامت المفوضية المصرية للحقوق والحريات دعوى أمام محكمة مجلس الدولة المصري، بالوكالة عن عبد المنعم إبراهيم، نجل المحامي المعتقل إبراهيم متولي، اختصمت وزير الداخلية المصري بصفته، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان (مؤسسة حكومية) بصفته، حول ظروف وأوضاع احتجاز المحبوسين احتياطيا.
وطالبت الدعوى التي حملت رقم 41553، لسنة 74 قضاء إداري، بتشكيل لجنة من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان وأساتذة كليات الطب لمعاينة مجمّع سجون طرة، وكذلك طلب وقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع وزير الداخلية عن الإفصاح عن إجراءات الأمان المتخذة لحماية المساجين المحتجزين احتياطياً.
وتعاني مراكز الاحتجاز والسجون المصرية من "تكدسات مخيفة من المتهمين"، تتجاوز نسبتها في السجون 160 في المائة، بينما تبلغ نسبة التكدّس في أقسام الشرطة حوالي 300 في المائة، وفقًا لتقرير صادر من المجلس القومي لحقوق الإنسان (مؤسسة حكومية مصرية) صادر عام 2015. بينما أشار تقريرٌ آخر، صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مارس/ آذار 2016، إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من التدهور في البنية التحتية للسجون وانعدام الرعاية الصحية، إذ قال التقرير: "يفتقر النزلاء إلى أبسط إمكانيات الحياة الصحية والنظافة الأساسية، في الوقت الذي يعانون فيه سوء معاملتهم هم وزائروهم وعدم السماح بإدخال الملابس والأغطية والأطعمة لهم من خارج السجن، رغم عدم توفرها للسجناء -بالشكل الكافي- بالداخل. وتكاد الأوضاع في بعض الأحوال تقترب مما كان عليه الحال في القرون الوسطى"
ورصدت "كوميتي فور جستس"، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، ارتفاع أعداد المصابين، والمشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا من المحتجزين، وأفراد الشرطة والعاملين بمقار الإحتجاز إلى 225، 149 شخصاً منهم يشتبه في إصابتهم، بينما تأكّدت إصابة 76 آخرين، وذلك داخل 42 مقراً للاحتجاز في 12 محافظة، فضلاً عن تسجيل 15 حالة وفاة، داخل 10 مقار احتجاز في 4 محافظات، وفقاً لـ "عدّاد كورونا" الذي دشّنته "كوميتي فور جستس" مؤخراً، ويتم تحديثه أسبوعياً.
ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجناً، أُنشِئ 26 منها بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. وعلاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية في المعسكرات، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.