وقال المصدر في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن المعلومات المتداولة في وزارة الداخلية حول قرار استبعاد محمود حجازي وتعيين الفريق محمد فريد حجازي بدلاً منه، تشير إلى أن السيسي كان قد كلّف صبحي وقيادة الاستخبارات الحربية بإعداد تقارير وافية عن مستوى التنسيق بين الجيش والشرطة خلال العملية الإرهابية وقبلها، وأن التقريرين حمّلا وزارة الداخلية المسؤولية الأولى عمّا حدث بسبب عدم إبلاغ الشرطة للجيش، سواء رئاسة الأركان أو الاستخبارات الحربية، بتفاصيل التحرّك، طمعاً في أن ينسب فضل القضاء على البؤرة الإرهابية المبلغ عنها للشرطة وحدها، وبسبب الاستهانة الشديدة بقوة البؤرة من خلال المعلومات التي كان جهاز الأمن الوطني يظنّ أنها سرية.
إلا أن التقريرين ذكرا أن الشرطة العسكرية أبلغت رئاسة الأركان بمعلومات تعرّض الشرطة لضربة إرهابية "قوية" في هذه المنطقة، بعد فترة قليلة من بدء الاشتباكات، إلاّ أن حجازي لم يحرّك ساكناً، ومرّت 6 ساعات تقريباً قبل أن يأمر بإرسال طائرات استطلاع إلى المنطقة، وهو ما اعتبره السيسي شكلاً من أشكال التراخي غير المبرر، خاصة وأن التحرّك كان محدوداً بغرض الاستطلاع، وليس توجيه ضربات للإرهابيين. فضلاً عن أن هذا التأخر نتج عنه الفشل في جمع معلومات عن الإرهابيين الذين تمكّنوا من العودة إلى مكان الاشتباك وسرقة بعض الأجهزة والأسلحة وإنقاذ زملائهم الجرحى.
كما تسبب ذلك في إرجاء إرسال فرق التمشيط إلى المنطقة حتى فجر اليوم التالي تحسباً لقيام الإرهابيين بتفخيخ المنطقة بالكامل، فانتظرت قوات الشرطة والجيش حتى الساعة الرابعة فجراً لتتحرك إلى المنطقة، لتجدها بالفعل مفخخة بالكامل بواسطة ألغام أرضية، مما أعاق عملية التدخل البري لساعات، فاستعانت القوات مجدداً بالطيران للاستطلاع ونقل الجثث والمصابين.
وبحسب المصدر، فإن المعلومات تتضارب بشأن المبررات التي ساقها حجازي لهذا الموقف، إذ يذكر البعض أنه تحجّج بعدم ورود معلومات مؤكدة من الشرطة، والبعض الآخر يقول إنه ارتأى الانتظار لحين طلب الداخلية تدخّل الجيش. وتصبّ هذه الرواية الصادرة عن الشرطة في ترجيح أن قرار السيسي الأخير بتغيير رئيس الأركان يحمل رسائل مهمة عدة للجيش وباقي الأجهزة الأمنية، أبرزها أنه غير راض عن الأداء العسكري والأمني حالياً سواء في شمال سيناء أو الصحراء الغربية أو الداخل.
وتؤيّد هذه الرواية ما عكسته أحداث العملية المشتركة أمس الأول لقوات الجيش (سلاح الجو والصاعقة والعمليات الخاصة) مع الشرطة (التدخل السريع والأمن الوطني) بمساعدة بعض العناصر البدوية المتعاونة مع الدولة، لتتبع مجموعة من الإرهابيين في الصحراء الغربية على طريق مؤدٍ إلى الحدود مع ليبيا، والتي أسفرت عن تحرير الضابط محمد الحايس الذي كان الإرهابيون أخذوه رهينة وكانوا في طريقهم به إلى ليبيا. وظهر واضحاً التنسيق في هذه العملية بين الجيش والشرطة للمرة الأولى منذ فترة طويلة، إلى حدّ تأكيد الجيش على غير عادة في بياناته الرسمية على التعاون مع الشرطة، وإلى حدّ نزول الضابط المحرر في مشفى تابع للجيش.
وقال مصدر حكومي مطلع إن الخلاف بين الجيش والشرطة لا يرجع إلى عملية طريق الواحات فقط، بل سبق واشتكى الجيش عدم معاونة الشرطة لهم في مداهمة في منطقة البويطي في الواحات البحرية في وقت سابق هذا العام، مما أدى إلى مصرع عدد من ضباط الجيش، وهو ما دفع السيسي أخيراً إلى إصدار تعليماته بإغلاق ملفات الخلاف والتركيز على التنسيق فقط.
وترجّح مباحث الأمن الوطني والأمن العام ضلوع خلية تابعة لتنظيم "داعش" أو منفصلة حديثاً عنه، في عملية الواحات التي أدّت لاتخاذ قرارات التغييرات القيادية في الجيش والشرطة. وتؤكد الرواية المقدمة في التحقيقات أن جهاز الأمن الوطني تلقّى معلومات وبلاغات من عناصر سرية استقت معلوماتها من مصادر تكفيرية، مفادها أن حركة "حسم" التي انضم لها عدد من الأفراد الذين انشقوا عن جماعة "الإخوان المسلمين"، استوطنت بعض خلاياها منطقة جبلية بين الكيلو 132 والكيلو 135 على طريق الواحات المؤدي من أهرامات الجيزة إلى الواحات البحرية.
وخلال الأسبوع السابق للعملية، حصل فريق من الأمن الوطني على معلومات مجهولة المصادر تؤكد ما تلقوه من بيانات، واستقرّ الأمر على أن المنطقة قد يكون فيها معسكر صغير لتدريب عناصر "حسم" يشبه المعسكر الذي تمّ تدميره في عملية مشتركة بين الجيش والشرطة في 22 يوليو/تموز الماضي في صحراء الفيوم جنوب الجيزة، مما أسفر عن مصرع ثمانية من عناصر الحركة.
وعلى أساس هذا التصوّر، تمّ إعداد قوة الشرطة وتجهيزها للقيام بالعملية. ولم تطلب الشرطة الاستعانة بالجيش، ظناً منها أن قوة المعسكر المطلوب مهاجمته محدودة، فاكتفت بإبلاغ إدارة الشرطة العسكرية بتحرّكها المزمع في هذه المنطقة، على أمل أن تكون العملية "محدودة ومثمرة"، وتمّ اختيار التوقيت بناءً على معلومات "الشرطة السرية".
وأوضح المصدر أن اصطحاب ضباط الأمن الوطني لا يتمّ إلاّ في العمليات المستهدف فيها القبض على المتهمين، مما يكشف أن تصورات الشرطة عن العملية كانت متواضعة وفي غير محلها تماماً، وأن أقصى ما كان في حسبان الأمن الوطني هو أن تكون المنطقة المستهدفة مفخخة، كما حدث من قبل في الحادث المعروف إعلامياً بـ "شقة الهرم" الذي شهد تفجير مقرّ مزعوم للحركة عن بُعد عقب وصول قوات الشرطة إليها ببلاغ للتمويه.
لكن ما حدث بعد صلاة الجمعة في 20 أكتوبر/تشرين الأول كان مختلفاً تماماً عن التصورات، إذ فوجئت القوات المهاجمة بعد دخولها المنطقة بأنها في مصيدة حقيقية نصبها التنظيم الإرهابي، حيث انهالت عليهم النيران من النواحي كلها من أعلى التبات المحيطة بالمنطقة بالقرب من وادي الحيتان، باستخدام أسلحة آلية وقنابل يدوية وعدد غير معروف من المدافع الآلية "بي كا" وقذائف "أر بي جي" ومدافع غرينوف.
وأوضح المصدر أن الأسلحة التي أبلغ بعض الضباط الناجين من الحادث عن استخدامها "لا تملكها بالتأكيد خلايا حركة "حسم"، بل سبق استخدام بعضها في عمليتين إرهابيتين كبيرتين؛ الأولى التي نفذها تنظيم "أنصار بيت المقدس" قبل مبايعته لتنظيم "داعش" في يوليو/تموز 2014 ضد قوات حرس الحدود في منطقة الفرافرة في الوادي الجديد، والثانية التي نفذها تنظيم "جنود الخلافة" التابع لتنظيم "ولاية سيناء" في يناير/كانون الثاني الماضي، مع ملاحظة أن العمليتين وقعتا في أماكن ليست بعيدة جغرافياً عن العملية الأخيرة، فهي جميعها مناطق تقع في الصحراء الغربية وعلى الطرق المؤدية إلى مطروح وليبيا، حيث ترجح المعلومات أن المجموعات الإرهابية الموالية لـ"داعش" أو التي تعتنق أفكارها، تتنقّل بالتبادل بين معسكرات في محافظة الوادي الجديد المصرية ومنطقة الجغبوب في ليبيا.