مصر: هذه قصة أحداث "محمد محمود"... كما لم يذكرها السيسي

10 مارس 2019
أحداث محمد محمود الموجة الثانية لثورة 25 يناير2011(العربي الجديد)
+ الخط -

بعد ثماني سنوات وعدة أشهر على أحداث محمد محمود، التي راح ضحيتها نحو 50 قتيلًا وعشرات المصابين، وفقًا لتقديرات حقوقية؛ خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتصريح اليوم الأحد، أعاد إلى الأذهان كل تفاصيل تلك الأحداث الدامية، لتجد صداها الواسع على منصات التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي خلال فعاليات الندوة التثقيفية الثلاثين للقوات المسلحة بمركز المنارة الدولي للمؤتمرات، بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد، اليوم الأحد: "في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، كانت أحداث محمد محمود، وفي الفترة دي كنا موجودين وأذكركم بمشاهد وأحداث مرت علينا مننساهاش، كنا حريصين جدًا على ألا يسقط مصري واحد، أي مصري، وكانت القيم والمبادئ التي تحكم تصرفاتنا أثناء إدارتنا للموضوع ده، كنا حريصين على كل المصريين".

وتابع: "أنا كنت مسؤولا عن المخابرات الحربية والأجهزة الأمنية في الوقت ده، وأقدر أقول بثقة وأمانة وشرف.. لم نمسّ مصريا واحدا، خلال الفترة دي، كان كل يوم منذ دخول هذه العناصر أمام وزارة الداخلية يسقط القتلى يوما بعد يوم، أكثر من 6 أيام مات فيها العشرات، واتعمل في الوقت ده منصة علشان تجيب باقي الدولة الأرض".

وجاء الرد سريعًا من كل من عاصر أحداث محمد محمود، وأدلى العديد بشهاداتهم حول تلك الأحداث.

وكانت أحداث محمد محمود قد بدأت صباح 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، واستمرت نحو أسبوع، على خلفية قيام قوات الشرطة المصرية بفض اعتصام العشرات من مصابي الثورة في وسط ميدان التحرير بالقوة، للمطالبة بصرف تعويضاتهم من صندوق شهداء ومصابي الثورة، ما أدى إلى إصابة 2 من المعتصمين واعتقال 4 مواطنين.

وتعتبر أحداث محمد محمود هي الموجة الثانية لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وقد حدث فيها حرب شوارع واشتباكات دموية ما بين المتظاهرين والقوات الحكومية المختلفة، قامت فيها قوات الشرطة وقوات فض الشغب بتصفية الثوار جسدياً (لا مجرد تفريقهم).

وطالبت منظمة العفو الدولية وقْف تصدير الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع للداخلية المصرية، حتى إعادة هيكلة الشرطة بعدما استوردت مصر من أميركا 45.9 طن من قنابل الغاز والذخائر المطاطية منذ يناير 2011.

وحسب حصْر "ويكي ثورة" - مبادرة حقوقية لتوثيق أحداث وفعاليات ثورة يناير، فقد سقط في أحداث محمد محمود 52 شهيداً بالقاهرة، شهيدان بالإسكندرية، 4 بالإسماعيلية، شهيد واحد في كل من الغربية وأسيوط ومطروح.

أما الرقم الرسمي الصادر من وزارة الصحة وقتها فهو 40 شهيداً و2000 مصاب، بينما أعلنت جبهة الدفاع عن متظاهري مصر أن العدد تجاوز 50 شهيداً، أما مركز "النديم" فقد قال إن العدد وصل إلى 90 شهيداً.

ووثّق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب - منظمة مجتمع مدني مصرية - وقوع أكثر من 50 قتيلًا في تلك الأحداث، التي وصفها بأنها "كانت حرب إبادة جماعية للمتظاهرين باستخدام القوة المفرطة وتصويب الشرطة الأسلحة على الوجه مباشرة، قاصدًا إحداث عاهات مستديمة بالمتظاهرين واستهداف المستشفيات الميدانية، وأكدت تقارير رسمية أن الجيش قام بجرائم حرب في هذه الأحداث".


وقعت هذه الأحداث في الشوارع المحيطة بميدان التحرير وخاصة في شارع محمد محمود، حيث استخدمت الشرطة الهراوات وصواعق كهربائية ورصاصاً مطاطياً وخرطوشاً ورصاصاً حيّاً وقنابل مسيلة للدموع أقوى من الغاز القديم، بالإضافة إلى قذائف مولوتوف وبعض الأسلحة الكيميائية الشبيهة بغاز الأعصاب، وقنابل الكلور المكثف والفسفور الأبيض والغازات السامة - على الرغم من نفي المجلس العسكري ووزير الصحة السابق، ووزير الداخلية السابق منصور عيسوي، استخدام أي نوع من أنواع العنف في مواجهه المتظاهرين السلميين - حسب التقارير الحقوقية الصادرة آنذاك.

وكانت الكثير من الإصابات في هذا الأسبوع، في العيون والوجه والصدر نتيجة استخدام الخرطوش، بالإضافة إلى حالات الاختناق نتيجة استخدام الغاز المسيل للدموع.

وأبرز شاهد على هذه الإصابات، غرافيتي كان مرسومًا على سور الجامعة الأميركية بالقاهرة، المطلة على أول شارع محمد محمود من ناحية ميدان التحرير، لمصاب الثورة، باسم محسن الورداني، الذي أصيب في محافظة السويس في أحداث سبقت اشتباكات محمد محمود.

كان الورداني مشاركًا في اعتصام أسر شهداء ومصابي الثورة، الذي فضّته حكومة عصام شرف آنذاك بالقوة، وأسفر هذا القرار عن اندلاع اشتباكات محمد محمود التي نتج عنها مئات القتلى وآلاف المصابين.

ويأبى أرشيف ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، أن يمحي "فصل" محمد محمود، الشارع الذي لُقب بـ"الحرية" و"عيون الكرامة" من فصول الثورة؛ وإن حرص النظام على محو معالمه البارزة؛ بهدم الجدار الذي وثّق أحداث الثورة، وكان رمزاً لها ولشهدائها ومصابيها في مختلف شوارع وربوع مصر.

إلا أن الجدار الذي كان يحوي عشرات رسوم الغرافيتي بدءاً من الغرافيتي الشهير لأنصاف وجوه "الرئيس المخلوع حسني مبارك، وقائد المجلس العسكري السابق حسين طنطاوي، والرئيس المعزول محمد مرسي، والمرشح الرئاسي الخاسر أحمد شفيق"، تحت شعار "إللي كلف ما ماتش"، وصولًا لصور شهداء ومصابين؛ لا يعني لثوار يناير ذكرى فقط ولا حدثًا سياسيًا عابرًا في أرشيف الثورة؛ ولكنه رمز للثورة ككل، وتوثيق لقصص تلخصت في صورة أو رسمة، فكانت تعني الكثير وإن غابت عنها التفاصيل.

وكانت أهم تداعيات "أحداث محمد محمود" هي استقالة حكومة عصام شرف، وتكليف الدكتور كمال الجنزوري بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، كما أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تسريع الجدول الزمني لنقل السلطة في مصر بأن تتم انتخابات بحد أقصى منتصف عام 2012، على أن يتم وضع الدستور والاستفتاء عليه قبل ذلك في غضون شهرين من أول اجتماع مشترك لمجلسي الشعب والشورى.